لبنان لا ولن ينجرف شرقاً او غرباً..
الجميع في لبنان يترقّب الانهيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتسارعة بانتظار ساعة الصفر، تلك الساعة حيث سينفجر البركان الشعبي غضباً ويفيض انهاراً جارفة ربما نعرف من أين تنطلق انّما بالتأكيد لا أحد يدرك أين قد تنتهي.
في الحقيقة، فاقت الصعوبات قدرة المواطن على التحمّل، فالخسائر فادحة والقدرة على الصمود تكاد تكون معدومة في الوقت الذي تنشغل فيه السلطة في محاربة طواحين الهواء والمؤامرات الكونية غير المرئية.
بالفعل لقد اصاب اليأس جميع اللبنانيّين، لا سيّما ما تبقّى من الطبقة الوسطى، فمن كان محظوظاً وما زال يعمل انخفضت قيمة راتبه الى أكثر من 60% بفعل تدهور قيمة العملة الوطنية، ومن أصبح بلا عمل فكان الله بعونه بانتظار وصول صناديق الإعاشة المذلة!
أمام كلّ ما تقدم وامام الظلم الذي يتعرض له جميع العاملين في القطاعين العام والخاص، كان لا بدّ لنا من التوقّف عند الاتحاد العمالي العام لاستطلاعه عن تحركاته ودوره في المحافظة على حقوق العمّال ولو بحدّها الأدنى بظلّ الأجواء القاسية التي نمرّ بها.
حسن فقيه، الريّس الذي تسلّم مهمّة قيادة الاتحاد في أكثر الظروف تعقيداً وتشابكاً، اعتبر ورداً على سؤال لأسرة مجلتنا، بأنّ الهيكل سقط بالفعل، فيما لا يوجد حتى اللحظة اجماع على المصلحة العامة للبلاد، حيث قال:" قلائل هم الحكماء الذين يعملون لمصلحة البلد. فاليوم وأكثر من أي وقت يجب ان تتلاقى الإرادات الخيّرة، خصوصاً وأننا وصلنا الى مرحلة سيئة جدّاً، حيث ان نسبة البطالة تجاوزت الـ 55%، فيما أكثر من 50% من اللبنانيين باتوا يرزحون تحت خط الفقر".
وعن دور الاتحاد في هذه الأزمة، فأشار فقيه الى ان الاتحاد استشرف الأزمة الحالية، وهو سبق ان سعى مع وزير العمل السابق كميل ابو سليمان التى تنظيم العمالة وحماية اليد العاملة اللبنانية قدر المستطاع، بحيث تمّ العمل على انشاء موقع الكتروني لعرض الوظائف الشاغرة، بالإضافة الى اصدار سلسلة تعاميم لتنظيم واقع العمل فضلاً عن القيام بحملات تفتيش دائمة لحماية العمالة اللبنانية.
هذا ولفت فقيه الى أن الصناعيين استجابوا لحدّ كبير مع تعاميم وزارة العمل فيما بعض القطاعات الأخرى فضلّت الاستعانة باليد العاملة الأجنبية لأهداف معيّنة. وأضاف:"اليوم توجد مزاحمة كبيرة لليد العاملة اللبنانية من قبل السوريين الموجودين على أراضينا، الأمر الذي من شأنه ان يعمّق الأزمة أكثر"، مشيراً الى ان البلد يعاني من تضخم فاقعٍ.
وعمّا إذا كانت سلسلة الرتب والرواتب هي من تسببّ بهذا التضخم والتدهور، فقال فقيه :"كنّا نسمع بعض الخبراء من الهيئات الاقتصادية يقولون بأن السلسلة خربت البلد وقضت على مالية الدولة، أما نحن فلا نوافق على هذا الرأي، فصحيحٌ بأن احتساب الأرقام لم يكن دقيقاً، انما كافة القطاعات والمؤسسات العامة تعاني من الهدر والفساد والمحاصصة الطائفية وهو ما يؤثر سلباً على انتاجيتها ويزيد بالتالي من عجز ميزانية الدولة، وليس حقوق الموظفين المهدورة منذ سنوات."
وردّاً على سؤال حول ثورة 17 تشرين ودور الاتحاد العمالي العام فيها، فأوضح فقيه بأنّ الاتحاد بارك الحراك الشعبي كحركة مطلبية وأيده منذ اليوم الأول بل أننا مع هيئة التنسيق النقابية كنّا نعدّ لتحرّك واسع ومنظّم لكن الأمور بعد الأسبوع الأول فلتت من أيدي الجميع وتحوّلت الى نوع من الفوضى بسبب القرار الحكومي الذي اتخذ بخصوص الضريبة على الواتس أب. وقال فقيه:"لا يجب ان ننسى بأن الاتحاد يضم اكثر من 50 اتحاداً مناطقياً ومهنياً وطنياً، يمثلون 97% من عمّال لبنان ما بين القطاع الخاص والمصالح المستقلة"، مؤكدّاً بأن المطلوب اليوم هو الانتقال من عالم الطوائف الى دولة مدنية حقيقية تخضع للنظام، وحيث تطبق أحكام القانون بعدالة على الجميع ولمصلحة البلد.
وأضاف:" أنا تسلّمت مهامي في الاتحاد عام 2019 نتيجة ظروف يعرفها الجميع ولن أدخل مجدداَ في تفاصيلها، وحينها كان الاقتصاد قد بدأ يشهد تراجعاً حادًا، فيما طبول الحرب تقرع في المحيط الإقليمي، الأمر الذي انعكس على لبنان وترك تداعيات سلبية على اقتصاده نتيجة موجات النازحين الذين شكلوا عبئاً هائلاً على الاقتصاد المحلي."
امّا عن خطط النهوض والإنقاذ، فرأى فقيه ان كلّ خطة لا تقوم على دعم القطاع الصناعي والقطاعات الوطنية التشغيلية سيكون مصيرها الفشل حتماً. وأضاف: "الأولوية اليوم هي لدعم قطاعات الصناعة والزراعة على ان يترافق ذلك مع إقرار الضريبة التصاعدية، بالإضافة الى السير بخطط إصلاحية تبدأ بإزالة التعديات عى الاملاك البحرية ولا تنتهي بتعزيز المدرسية الرسمية والجامعة الوطنية."
هذا وشدد فقيه على ضرورة وجود قيادة حكيمة وادارة صلبة سيّما في الظروف الراهنة من اجل تطوير القطاعات المنتجة والتشغيلية، وقال:" في لبنان توجد ثروات ضائعة، فهناك على سبيل المثال لا الحصر ثروات مائيّة مهدورة، وهنا أسأل لماذا يغيب الحديث عن سد العاصي الذي نستطيع من خلاله توليد طاقة كهربائية؟".
هذا ولفت فقيه الى وجود صرخة وجع حقيقية من قبل 80% من الناس اليوم، وأضاف:" إن تكاثر حالات الانتحار ليست سوى مؤشرٌ مؤلمٌ على الوضع الذي وصلنا اليه. فالانهيارات تتوالى على نحو مخيف، ذلك أنه وبعدما كان قطاع المصارف مفخرة لبنان، تحوّل الى فخّ وقع ضحيّته المودعين، وهنا لا يستطيع اصحاب المصارف ان يتنصلوا من مسؤولياتهم خصوصاً وأن ثمة معلومات دقيقة تتحدث عن تهريب أموالهم الى الخارج في تصرّف أقل ما يقال عنه تصرّف نذل ووقح."
وردّاً على سؤال حول امكانية حصول مساعدة للبنان عن طريق صندوق النقد الدولي، فاعتبر فقيه بأن الصندوق لن يهب الدولة اموالاً من دون ضمانات او إصلاحات، واوّلها قطاع الكهرباء الذي يستنزف خزينة الدولة."
الى ذلك، اوضح فقيه ان الاتحاد يلتقي المسؤولين وهو في تواصل دائم معهم لنقل صرخة العمّال، إنّما للأسف الثقة لم تعد موجودة. وأضاف:" إن كلّ ما نريده هو الهدوء والاستقرار حتى تنشط المعامل، كما ان تسويق الانتاج اللبناني لم يعد مهمّة صعبة لأن العالم كله بات مفتوحاً على بعضه والسفارات اللبنانية في الخارج تعمل بهدف خدمة الاقتصاد المحلي."
امّا عن مدى تأثير قانون قيصر على اقتصادنا، فشدد فقيه على ضرورة الانفتاح على سوريا والتعامل معها كدولة جارة، باعتبار ان للبنان مصالح اقتصادية معها، داعياً الحكومة للعمل من اجل الحصول على استثناءات معيّنة تجنّبها الآثار السلبية للقانون على الاقتصاد الوطني. فلبنان لا يجب ان يكون متروكاً لمصيره، وهو لم ولن يكون منجرفاً شرقاً او غرباً".
وفي نهاية الحديث، أمل فقيه في ان ينتهي هذا الليل الظالم الذي نعيشه مؤكداّ ان امكانية القيامة لا تزال قائمة. وقال:" التباينات في الرأي حق، لكن مراحل المزح والجدل البيزنطي العقيم انتهت، لقد حان الوقت للبدء بنمط حياة جديد بعد انهيار عملتنا الوطنية وخسارتنا 80 % من ملاءتنا المالية، فالمطلوب اليوم هو استرداد الثقة وتعزيزها بعيداً عن لغة الشتم الفارغة".