وُصفت بـ "العملاق المدمر" الذي أيقظه "جنون حزيران". وقيل عنها إنها "كارثية"، وإنها أكثر ما يترجم غضب الطبيعة وثورتها. وثمة من اعتبر أنّ ما عجز "داعش" عن القيام به، قد فعلته هي! إنها السيول التي ضربت اليوم منطقة رأس بعلبك محوّلة إياها "بلدة منكوبة" بكلّ ما للكلمة من معنى!
توصيفٌ أصرّ على استخدامه رئيس البلدية دريد رحال في خلال اتصال مع "لبنان 24"، لافتاً إلى أنّ "هذه الكارثة البيئة التي حلّت بالمنطقة جرّاء السيول الضخمة، لم نشهد لها مثيلاً منذ مئات السنوات".
خسائر بشرية ومادية رهيبة خلّفتها السيول التي ضربت رأس بعلبك على غفلة. يقول رحال: "لم يكن الطقس يُنذر بهذا الكمّ من المتساقطات، لكن فجأة تكوّنت الغيوم السوداء فوق الجرود في السلسة الشرقية وبدأت تمطر وتُسقط البرد بشكل غزيز وهائل ما أدّى إلى تشكّل السيول التي سالت وصولاً إلى مدخل منطقتنا وهناك تضاعفت قوتها فحملت السيارات والأتربة والصخور، ثم ما لبث أن فاض السيل عن المجرى الذي يفصل الضيعة إلى قسمين. هكذا، دخلت المياه الجارفة إلى البيوت المنتشرة على الجهتين، وأسقطت عواميد الكهرباء (توتر عالي ومنخفض)، وأضرّت بشبكة مياه الريّ الرئيسية ومياه الشفّة، كما أنها ألحقت أضراراً جسيمة بالسوق التجاري في البلدة".
الكارثة لم تقتصر على الماديات بل تمكنت من اختطاف روح بريئة: سيدة (55 عاماً) كانت متواجدة في محلها في الطابق الأرضي فوجئت بالمياه الجارفة وغرقت وماتت اختناقا!
ماذا عن الوضع الحالي؟
بحسب رئيس البلدية، "العملاق" استكان. لا تزال المياه تسيل في المجرى لكن بوتيرة أخفّ. لا كهرباء في البلدة إذ عزلت شركة الكهرباء التيار الكهربائي عنها بسبب سقوط عواميد الكهرباء، الطرقات مقطوعة، وثمة مواطنون مشردون لأن منازلهم ابتلعتها أو خرّبتها السيول.
عمليات الإنقاذ تجري على قدم وساق، والصليب الأحمر والدفاع المدني في المكان. غداً، سيتوّجه وفدٌ من وزارة الطاقة والمياه إلى البلدة لمعاينة الأضرار بأم العين، كما أن الهيئة العليا للإغاثة ستكون حاضرة للبدء بعملية إحصاء الأضرار، بحسب رحال.
هل من إجراءات فورية ستُتخذ اليوم تحسباً لأي طارئ مفاجئ جديد، نسأل؟!
يجيب رحال: "يفترض أن يتمّ تنظيف مجرى السيل على وجه السرعة إذ إن أي سيول جديدة قد تتشكل سوف تسبب كارثة أكبر. لكنّ العمل صعبٌ الليلة بسبب كمية الوحول والأتربة التي جرفت".
ماذا عن أسباب هذه السيول، وهل كان يمكن تفاديها؟
يجيب رئيس البلدية: "السبب الرئيسي هو سببٌ طبيعي إذ تساقطت كمية كبيرة من الأمطار بشكل سريع ومفاجئ". لكنه سرعان ما يقرّ بأن البلدة كانت طيلة شهر أيار في مرمى السيول، لكنها لم تكن بهذا الحقد وبهذه القوة!
يضيف: "كان يُفترض أن يتمّ تنظيف المجرى الأسبوع الماضي عندما بدأت تتشكل السيول". ثم ما يلبث أن يقول: "الوقت الآن ليس للمحاسبة والمساءلة وتحميل الوزارات المسؤوليات. الوقت الآن للخروج من هذه المصيبة بأسرع وقت".
يبدو واضحاً أن رئيس البلدية لا يريد راهناً التطرّق إلى الأسباب التي أدّت إلى استيلاد عملاق بهذا الحجم. صحيحٌ أن هذه الظاهرة تشهدها كلّ دول العالم، لكن مهلاً...نحن في لبنان!
نحن في لبنان حيث لا من يحاسب ولا من يسأل. نحن في لبنان حيث التقصير والإهمال يبدو جليّاً.
نحن في لبنان حيث الحلول المستدامة مغيّبة، لتحلّ مكانها دائماً إجراءات آنية وقليلة الفعالية. مثلاً: بواخر الكهرباء!
الحلول المستدامة برأي رئيس البلدية، تكون على سبيل المثال في بناء سدّ لتخزين كمية المياه الهائلة القادرة على تغذية المياه الجوفية. يقول: "للاسف الشديد، تمّ بناء "بُرك ليست علمية ولا عملية وجرفتها السيول"!
لماذا لا يصار إلى بناء سدّ إذاً؟!
يجيب رحال محاولاً الإقناع، رغم أنه لا يوحي بأنه مقتنع بالكلام الذي يتفوّه به: "السدود مكلفة والوزارات المعنية ليس لديها ميزانية، والدولة إذا ما تلقت هبات ومساعدات من الخارج فهي غير قادرة على القيام بالمهمة"!
هذه طبعاً ذريعة شائعة. الحقيقة أنّ مليارات الخارج تُغدق على لبنان، لكن هل من يعلم إلى أين تذهب، وأي "سيول" تجرفها؟!
على أي حال، المهم اليوم هو مساعدة أبناء بلدة رأس بعلبك وانتشالهم من الكارثة التي ألمّت بهم. يختم رئيس البلدية بالدعوة إلى الإسراع في التعويض على المتضررين، وعدم المماطلة والتسويف لأن الناس مشردة وغارقة في همومها!
ربيكا سليمان-لبنان 24