لا يشبه المشهد العام في المنية اليوم ذلك الذي كان عليه عشية إقفال باب الترشيحات، حيث بدت المنطقة أشبه بساحة حرب مفتوحة على مواجهات بين داخل العائلة الواحدة، عزّز ذلك وجود أعلى نسبة مرشحين في لبنان 23 مرشحاً، ومن بينهم مرشحين تمّ ايهامهم من قبل تيار "المستقبل" بأنهم سيكونون على لائحته قبل أن يتمّ الاستغناء عنهم ووضعهم أمام خيار الانسحاب طوعاً أو الخروج من "بيت الطاعة الأزرق"، على نحو أحرج البعض منهم أمام جمهوره وأفراد عائلته، وكاد أن يحرج النائب كاظم الخير الذي رفض "الإملاءات" وآثر مواصلة المواجهة ضمن "لائحة العزم".
أيام مرت على "الفورة" التي شهدتها المنية، وتصاعدت مع "الإنقلاب" الذي تعرض له النائب كاظم الخير على أيدي حلفاء الأمس "المستقبل" خصوم اليوم بعد انضمامه إلى "لائحة العزم"، وإعلانه "معركة استعادة قرار المنية من التدخل الخارجي"، في معركة يرى كثيرون أنّها لن تكون نزهة لأي فريق سياسي، لا سيما "التيار الأزرق" الذي لطالما تغنّى بأنّ المنية معقله وخزانه البشري و"غب طلبه" والذي كان يستخدمه في تعبئة ساحات الاعتصامات والمناسبات التي ينظمها، وذلك من دون أن يكون هناك أيّ مقابل إنمائي أو تعويضاً في وظائف الفئة الأولى على الرغم من الكفاءات الكبيرة الموجودة في المنية، حيث كان نائب المنية مجرد عضو في كتلة "المستقبل" من دون أن يكون مقرّراً، ما حرم هذه المدينة الكثير من المشاريع، وهو من المرجح أن يتكرر في حال جاءت النتائح لصالح مرشح "المستقبل" في الانتخابات المقبلة.
لكنّ المنية التي يُنظر إليها كقوة انتخابية وازنة 28 ألف ناخباً تقريباً في المدينة ونحو 38 ألفاً في القضاء، باتت اليوم العائلات الكبيرة فيها منقسمة على نفسها رغم محاولات "لملمة" أصواتها، وهو ما أدخلها في حرب بيانات مضادة، حيث ما يلبث أن يصدر بيان من هذه العائلة عن تبني مرشح حتى يليه بيان مضاد من نفس العائلة، كما حصل مع عائلة ملص التي خرج منها بيان داعم لمرشح "المستقبل" أعقبه نفي من وجهاء في العائلة، وكذلك عائلة زريقة التي انتفضت على محاولة تجيير أحد أبنائها قرار العائلة إلى لائحة "المستقبل"، فضلاً عن سائر العائلات التي لا يبدو وضعها أفضل بكثير، ومنها عائلة الدهيبي التي لم تحصد من "المستقبل" على مدار 15 عاماً أيّ منصب أو وظيفة ذات شأن تليق بالكفاءات العلمية التي تختزنها.
وبين "حصرية" العائلات الكبيرة لا سيما تلك المحسوبة على "المستقبل" يبدو صوت العائلات الصغيرة ضائعاً ومصادراً إلى حد كبير، بالرغم من حركة "التغيير" التي خرجت مطالبة "المستقبل" بعدم تبني النائب كاظم الخير، إلا أنّ منسوب التفاؤل بهذه الحركة سرعان ما تحول إلى خيبة أمل، رغم ترشيح عثمان علم الدين بدلاً من الخير، بعدما تبين أنها، كانت موجهة سياسياً، وهدفها الإطاحة بالنائب الخير وليس من مبدأ التغيير، ما دفع بعض "الثائرين" إلى اعادة تموضعهم والبعض الآخر إلى الإعلان عن إحباطهم، فيما لا يزال النقاش جدياً بين الناخبين حول الوجهة الانتخابية، إن كانت سياسية أو إنمائية، خصوصاً أنّ هناك مشروعان يتنافسان بقوّة على الساحة "المنياوية" مشروع "المستقبل" الذي يعتمد نفس الشعارات والخطابات المتكررة منذ العام 2005، مع تطعيمها ببعض الوعود وبطاقات تسهيل مرور وموافقات بناء وصب، ومشروع الرئيس نجيب ميقاتي، الذي اقتحم المشهد السياسي عبر "انتفاضة" الخير، وهو يرفع الشعار الانمائي والخدماتي على ما سواه، ويسعى إلى تعزيز ذلك بمشاريع هي قيد الدراسة وستكون لبنتها الأساسية افتتاح مركز لجميعة "العزم والسعادة" داخل المنية.
على قدم وساق يحاول "المستقبل" شدّ عصب العائلات الكبيرة التي تشكل ما نسبته 40 في المئة من أصوات الناخبين، في حين أن اجمالي عدد عائلات المنية هو 150 عائلة، تبدو العائلات الصغيرة فيها ضحية مشروع سياسي جعلها على مدار السنوات الماضية لا تحصد إلا الغبن، وهي اليوم تبحث عن دور جديد قد يعيد لها بعض ما خسرته مع "المستقبل" الذي يصر على تهميشها بعدم ترشيح أي من أبنائها ولو بـ"ترشيح معنوي"، وذلك على غرار ما حصل في العام 2009 عندما رشّح "المستقبل" بسام الرملاوي وتخلى عنه قبل دقائق من بدء مهرجان اللائحة الزرقاء آنذاك، ما يجعل هذه العائلات قوة صامته قد تقلب المعادلة الانتخابية رأساً على عقب في حال قررت التعبير عن رأيها.
(عمر إبراهيم - سفير الشمال)