و"دبكِت" أو هكذا يبدو، أقلّه على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين التيار الوطني الحرّ وجمهور المقاومة المتمثّل بحزب الله وحركة أمل والسبب فيلم "ذا بوست" مجددا، حيث لم يزل موضوع الفيلم مشتعلاً ما بين مؤيد ومعارض. ومما زاد الأمر سوءا ما ورد في نشرة أخبار الـOTV من ردٍّ على مطالبة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بمنع عرضه، فانطلقت شرارة الحرب على السوشيل ميديا.
"جريمة ثقافية في حق الحرية، تُعيد نظرية قمع الرأي الآخر بذريعة مواجهة العدو"، هكذا رسمت محطة الـ OTV شكل المطالبة بحظر فيلم "ذا بوست" من صالات السينما اللبنانية، الا ان اكثر ما استفزّ جمهور المقاومة عبارة "ذريعة مواجهة العدو" وكأن المقاومة، بحسب رأيهم، باتت بحاجة الى ذريعة للتصدّي لاسرائيل او باحثةً عن حجة للوقوف بوجهها.
وفي حين شهدنا في الآونة الاخيرة، انقساما حاداً بين مناصري حزب الله ومناصري حركة أمل على موقع تويتر، يظهر فيلم "ذا بوست" ليوحدّ الصفوف من جديد وهذه المرّة بوجه "التطبيع". "هي حملةٌ تحريضية" هكذا اطلق البعض في التيار العوني على موقف محور المقاومة، فيما شنّ نشطاء من حركة أمل هجوماً عنيفا على "الإصلاح والتغيير" طارحين جملة من الملفات على الطاولة الالكترونية، فاختلط الحابل بالنابل ودُقّت الطبول معلنة حرباً مفتوحة على الحلفاء، حيث تطرّق الناشطون الى ملف الكهرباء والنفايات والى تصريح الوزير جبران باسيل الأخير الذي أدلى به لقناة الميادين والذي اعتبر الأكثر خطورة من قِبل وزير خارجية لبنان فيما يتعلق بالعلاقة مع العدو الاسرائيلي، حيث أطلق "باسيل" قنبلةً من كلمات جاز القول فيها "إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فتلك مصيبة اعظم"، إذ قال:"نحنا بالنسبة لالنا ما عنا قضية ايديولوجية ونحنا مش رافضين تكون موجودة اسرائيل، من حقا انو يكون عندا امان" ضارباً بكلامه عرض الحائط سنوات طويلة من العدوان الاسرائيلي على لبنان متجاهلاً دماء الشهداء ودموع الأمهات والزوجات وقهر الأبناء وجميع اشكال المعاناة التي أوجعت صدر الوطن. "يلي بياكول العصي مش متل يلي بعدّها، ما استشهدوا ناسن ولا تيتموا ولادن ولا تدمرت بيوتن اخر همن الصراع الاسرائيلي" عبارة غرّدت بها احدى الناشطات معتبرة أن الفواجع التي ألمّت بأهل الجنوب لم يتذوّق مرارتها احد، لكنّ الواقع يقول أن لبنان من اقصى شماله الى اقصى جنوبه قد عانى من الهجمات الاسرائيلية منذ اجتياح ٨٢ وصولا الى حرب تموز٢٠٠٦.
وإذا كان عدم إيجاز عرض فيلم "ذا بوست" يعتبر "جريمة ثقافية وقمعاً للرأي الآخر" بحسب الـ OTV، فماذا تكون إذاً ملاحقات التيار الوطني الحر ضدّ الاعلاميين والنشطاء والمعارضين والتي لم تكن آخرها قضية الاعلامي "مارسيل غانم"، أوليست اعتداء صريحاً على الحريات وتعليباً للرأي الاخر وتكريساً لسياسة كمّ الأفواه؟ فمنذ ولادة "العهد القوي" واللبنانيون يواجهون أقسى معارك الحريات استبداداً، وما بين الترهيب والترغيب، ينقضّ "التيار العوني" على كل معارضٍ إسفافاً بمبدأ الديمقراطية.
#تيار_التطبيع، هاشتاغ أطلقه المغردون كردّ فعل مباشرٍ على "الوطني الحر"، ورغم قسوته المبالغ بها، إلا انه لاقى تأييدا واسعاً من جماهير المقاومة وتيار المردة، الذين اعتبروا أن يد الغدر قد امتدّت الى اعناقهم "ولو كنا نعلم" تصدّرت النوايا عندما اعتبر البعض بأن ورقة "بري" البيضاء كانت نظرة ثاقبة الى البعيد وان اعتراض "الإستاذ" على وصول "عون" الى كرسي الرئاسة لم يأتِ من فراغ!
هو فرق حرية، لا اكثر ولا اقل، بحسب "المقاومين" فما بين حرية الرأي وحرية الخيانة عمرٌ من النضال ترفض شريحة واسعة من اللبنانين التنازل عنه تحت اي ظرف يستوجب اي نوع من التسويات، ولعلّ ما حدث من "همروجة" حول الفيلم كادت تنطفىء شرارتها تحت تأثير هاشتاغ #حضار_عذوقك الذي اعتبر في الايام الماضية "ربط نزاع" ما بين مؤيد ومعارض، الا ان نشرة الـOTV استفزّت ما تبقّى لديهم من صبر وأفرغت شحنات الاحتقان لدى عدد كبير من الذين رضخوا لتحالف حزب الله مع التيار العوني "كرمال عيون السيّد" فتعمّدوا إفشاء السرّ "جكارة" على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد ذهب البعض الى مطالبة التيار الوطني الحر بإيضاح موقفه من الرد الناري عبر محطّته الرسمية على "السيد نصر الله" معتبرين أن النسبية قد أسقطت الأقنعة، وأن الكلام الانتخابي من شأنه أن يفسد العلاقة ما بين الحليفين فهل يرضى به الرئيس عون وهو الذي يعلم أن وصوله الى سدّة الرئاسة ما كان ليتحقق لولا دعم حزب الله لترشيحه؟ وهل يتنكّر التيار الوطني الحرّ لالتزام "نصر الله" كلمته حين قال في تصريح لتلفزيون المنار عام ٢٠١٦ "لدينا التزام أخلاقي وسياسي بدعمنا ترشيح عون، ونحن نفي بالتزامنا حتى على قطع رقابنا"، وهل يكون جزاء الوفاء سيفاً يقطع الوصال؟
"ان شالله تكونوا عرفتوا قيمة سليمان فرنجية" هكذا ردّ مناصرو تيار المردة وحركة أمل على "حزب الله" فعلى الرغم من التزامهم الأمر الواقع، الا انه مع أول عثرة ما بين الحليفين، تأهّبت "الشماتة" لتثأر من طعنة التحالفات التي ما زالت تئن في الأعماق.
هي معركةٌ افتراضية جنودها نشطاء في ميدان "السوشيل ميديا" التي عكست تململا واضحا لدى جمهور المقاومة، وما بين الخيبة والرجاء تبقى الكلمة الفصل محصورة على المستوى القيادي، ورغم أنّ الصراع قد استطاع وضع النقاط على الحروف، الا أنه غالباً لن يؤثر في خارطة التحالفات السياسية، ويبقى السؤال عمّا اذا كان الانقلاب المفاجىء للتيار الوطني الحرّ سيشكل انحداراً على صعيد العلاقة مع حزب الله الذي من الواضح أنه يتعامل مؤخراً بمسؤولية عالية مع الخصوم فكيف مع الحلفاء؟ وهل ستشهد مرحلة ما بعد الانتخابات موجة احتقان مسيحي-شيعي؟ سؤال ستجيب عليه الايام المقبلة وخصوصا بعد أن كثر الحديث عن تصدّع في العلاقة بين الطرفين قد تكون اولى إشاراته نشرة أخبار الـOTV!
لبنان 24