لا يزال مصير القاضي طارق البيطار الذي تجرأ على «كسر المحظور» وفق معادلة سار بها منذ بداية تسلمه ملف التحقيق بانفجار الرابع من آب قوامها: لا خطوط حمر ولا مظلات سياسية فوق رأس احد مهما علا شأنه، معلّقا على حبال «المخرج الحل» الذي جنّد المعنيون انفسهم، منذ تهديد وزير الثقافة محمد مرتضى في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة بالشارع، وبعدم المشاركة بالجلسات الحكومية، حتى تنفيذ مطلب الثنائي الشيعي باقالة البيطار، للبحث عنه، لكن دون جدوى حتى الساعة.
المعلومات تكشف بانه بعد سقوط اقتراح تشكيل هيئة اتهامية عدلية الذي كان طرحها وزير العدل هنري خوري، باتت الانظار تتوجه الى مجلس القضاء الاعلى برئاسة القاضي سهيل عبود، بعدما كان اجتمع الاخير مع رئيس الحكومة ووزير العدل ومدعي عام التمييز في مكتب رئيس الحكومة لبحث القضية، وما اعقبه من كلام عن انه طلب من مجلس القضاء الاعلى تولي حل المسالة قضائيا.
وفي هذا السياق، افادت مصادر خاصة، بان ميقاتي توجه خلال الاجتماع للمعنيين بالقول : «يجب فصل القضية عن السياسة، فالخشية من ان تنزلق الامور الى مشكلة طائفية تجر البلاد الى فتنة، لذا يجب معالجة الامر قضائيا»، مشددا على «مبدأ فصل السلطات وابعاد هذه القضية عن المهمة الحكومية».
وتضيف المصادر ان ميقاتي طلب خلال الاجتماع من عبود، باعتباره رئيس مجلس القضاء الاعلى والرئيس الاول لمحكمة التمييز، ايجاد الحل الملائم منعا لتأزم الامور وامكان بلوغها حدّ تخيير عبود بين معادلة: «اما سهيل عبود واما طارق البيطار».
وتم الاقتراح خلال الاجتماع، بان يجتمع مجلس القضاء الاعلى بالمحقق العدلي للاستماع اليه، الا ان اي قرار حاسم لم يؤخذ في هذا الاطار من قبل عبود. وعليه حكي اعلاميا ان الاجتماع سيحصل الثلاثاء قبل ان يرجأ الاجتماع المرتقب بين البيطار ومجلس القضاء الاعلى، ودائما بحسب ما تم تداوله اعلاميا، من الثلاثاء الى الخميس (اليوم) فماذا حصل؟
على هذا السؤال تردّ اوساط بارزة متابعة للملف بالقول: حتى اللحظة لم يتم الاتفاق على اجتماع يعقده البيطار مع مجلس القضاء الاعلى، فرئيس المجلس سهيل عبود لا يزال «يتردد» في امكان القيام بهكذا خطوة. علما ان المعلومات تفيد بان مجلس القضاء الاعلى يتجه لعقد اجتماع اليوم لاعضائه بعدما كان عقد الثلثاء اول اجتماع له مع اكتمال اعضائه، على ان يستكمل النقاش بمسألة وجوب الاستماع للبيطار من عدمه، وسط تأكيد مصادر قضائية بان مجلس القضاء يسوده انقسام بالآراء بين اعضائه، بين من يعتبر ان لا صلاحية للمجلس بالتدخل بهكذا قضية، وبان الحل يجب الا يكون على حساب صورة مجلس القضاء الاعلى، فيما يعتبر آخرون بانه من الضروري الاستماع للبيطار واتخاذ القرار المناسب انطلاقا من انه لا يمكن جر البلاد الى مشكلة طائفية، انقسام يدل على ان ليس هناك من اتفاق حتى داخل مجلس القضاء الاعلى حول البت باقتراح الاستماع للبيطار من باب تبادل الآراء.
وفي هذا السياق، اكدت مصادر موثوقة بان البيطار لم يتبلّغ بعد باية دعوة لحضور اجتماع مع مجلس القضاء الاعلى، حتى ان ايا من اعضاء مجلس القضاء الاعلى لم يتواصل معه.
ولكن ماذا لو تم توجيه الدعوة اليوم للبيطار للاستماع اليه باجتماع مقبل مع مجلس القضاء الاعلى؟ هل يلبي المحقق العدلي الدعوة؟ المصادر تجيب: «لتصير القصة وبنشوف».
وماذا لو تم الاستماع للبيطار واتخذ القرار باحالته للتفتيش، فاي موقف قد يتخذه المحقق العدلي؟ تقول المصادر: «الاحالة على التفتيش بحد ذاتها، فيما لو حصلت، هي اهانة للمحقق العدلي»، وتضيف: «عندئذ تكون المسألة قد تحولت من مواجهة سياسية - قضائية الى مواجهة قضائية مع قاض وهذا امر لا يجوز»، لتختم بالقول: «على كل حال فلننتظر ونر مسار الامور».
علما ان المصادر تؤكد بان البيطار «مكمل» بكل الاجراءات التي يمليها عليه ضميره الى حين كف يده عن الملف، وخير دليل هو تحديده 29 الحالي موعدا لجلستي استجواب كل من غازي زعيتر ونهاد المشنوق.
وبانتظار ما قد يقدم عليه مجلس القضاء الاعلى، برز كلام لافت لوزير الثقافة محمد مرتضى الثلاثاء «يطرّي الجو الحكومي»، اذ اعلن من الاونيسكو انهم مستعدون للمشاركة باية جلسة اذا تمت الدعوة لها من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ما فسره البعض، لاسيما انه تزامن مع جو التهدئة في جلسة الاونيسكو التي تجنبت التطرق لحوادث الطيونة وقضية البيطار وكلام ميقاتي، عن انه لن يدعو لجلسة قبل ايجاد الحل كي لا يستفز احدا، كأنه تمهيد من الثنائي الشيعي للعودة الى جلسات الحكومة حتى قبل اقالة البيطار، وبالتالي فصل القضية عن المسار السياسي، لاسيما ان مصادر رئيس الحكومة كانت متفائلة بظل الاشارات الايجابية التي ارستها جلسة الاونيسكو انه بامكان انعقاد الحكومة قريبا، مع التشديد على ان ميقاتي ترك حل مسألة البيطار بالاطر القضائية. لكن اللافت كان ما كشفته مصادر مطلعة على جو الثنائي الشيعي وشكل مفاجأة، اذ اشارت الى ان ما قيل عن ليونة ابداها الثنائي عبر الوزير مرتضى تمهيدا للعودة الى جلسات الحكومة غير صحيح، مؤكدة ان الموقف لا يزال على حاله ويتلخص بالتالي: طالما البيطار مكمل كمحقق عدلي طالما لا مشاركة بالعمل الحكومي.
اكثر من ذلك، كشفت المصادر ان مرتضى اخطأ بتصريحه من الاونيسكو وتمت «معاقبته، وصار مش عارف كيف بدو يصلّح»، واكتفت بالقول: «اعتبروا كلام مرتضى وكأنو مش موجود»!
لكن هل يعقل ان يكون وزير «امل» قد تحدث بلا موافقة الرئيس بري وحزب الله؟ المصادر تجيب: «موقف امل وحزب الله واحد، والاكيد ان بري لم يكن مؤيدا لما قاله مرتضى من الاونيسكو»، لتختم بالقول: «الوزير اخطأ وجلّ من لا يخطئ، بركي لان بعدو وزير جديد ما بيعرف»!
وفيما كان بعض المصادر المطلعة على جو بعبدا والسراي، تحدث عن تواصل مرتقب بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية خلال الساعات القليلة المقبلة، للبحث بامكانية عقد جلسة للحكومة او مخارج اخرى في ضوء تحرك وزير العدل مع مجلس القضاء، وما كانت اعتبرته المصادر بعض الليونة بموقف الوزراء الشيعة عبر الوزير مرتضى، يبدو ان الجو السائد لا يزال ملبدا في ما خص المخرج الذي يبحث عنه لموضوع البيطار، وفيما تتوجه الانظار الى مجلس القضاء الاعلى، وما اذا كان سيتخذ القرار بالاستماع للبيطار، فيسحب فتيل الازمة المتفجرة ليعود بعدها مجلس الوزراء للانعقاد بانتظار القرار النهائي بشأن البيطار، اكدت معلومات خاصة بان رئيس الجمهورية لا يزال مصرا على مبدأ فصل السلطات.
وبانتظار الحل وعودة الحكومة للانعقاد، كشفت اوساط وزارية بان حزب الله اوعز لوزيريه باكمال عملهم في وزاراتهم بشكل طبيعي والمشاركة باي لجان او اجتماعات وزارية تعقد برئاسة ميقاتي او بعدم رئاسته لبحث اي موضوع!
جويل بو يونس - الديار