التبويبات الأساسية

منذ عودته الى الحياة السياسية الطبيعية كلاعبٍ أساسيٍ لا يمكن تجاوزه، يثير حزب القوّات اللبنانيّة إعجاب خصومه قبل حلفائه لناحية اختياره لممثليه في السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، فهؤلاء قدّموا ويقدّمون آداءً ملفتاً لجهة الجديّة والشفافيّة في التعاطي مع الملفات بطريقة نموذجيّة لم نعتد عليها في لبنان.
جورج عقيص، القاضي السابق الخبير في الشؤون القانونية والإدارة القضائية والضليع أيضاً في قضايا زحلة، هو أحد نوّاب تكتل الجمهوريّة القويّة الذي يلاقي ترحيباً كبيراً بين أبناء عروس البقاع والجوار، فهو الرجل الخلوق والنائب المتواضع الذي اشتهر بصلابة مواقفه والتزامه الصادق.
فعقيص ومنذ دخوله إلى الندوة البرلمانيّة في أيّار من العام 2018، عمد الى تسمية الأشياء بأسمائها من دون تحفظات او تجميل، فهو لا يهوى أساليب المرواغة ولا يتقن فنّ المناورة لا سيّما بظلّ الظروف الاستثنائية والدقيقة التي نمرّ بها، فالوقت يداهم لبنان والأخطار المحدقة تتفاقم على نحوٍ مقلق، مما يستدعي وجود رجالات دولة من الطراز الرفيع يواجهون بالوقائع والحقائق وليس بالمزايدات والعروضات الفولكلورية.
أسرة مجلتنا استغلت وجودها في زحلة للقاء نائب المنطقة المحبوب جدّاً الأستاذ جورج عقيص، وكان هذا الحوار الذي تناول الأزمة الإقتصادية الخانقة وسبل الخروج منها في ضوء تحركّات الشارع ومعركة مكافحة الفساد التي تبدأ حكماً بمعركة إصلاح القضاء.
وفي ما يلي أبرز ما دار في اللقاء.

- كيف تقيّمون ثورة 17 تشرين وما أهميّتها على صعيد زحلة؟
في البداية لا بدّ من القول بأنّه لا يمكن منح الثورة صفة مناطقية، فهي ملكٌ لكلّ اللبنانيّين من كافة المناطق وكافة الطوائف. أمّا زحلة فقد كان ولا يزال لها دوراً كبيراً في الثورة، باعتبار أن المطالب التي رُفعت هي قريبة جدّاً للمزاج الشعبي في المدينة الذي يتوق الى دولة قويّة، ودولة مدنيّة ودولة مؤسسات حقيقية. مع الإشارة الى أن الخطاب الذي أطليّنا من خلاله على الناس في العام 2018، كان مبنيّاً على العناوين نفسها التي وضعتها الثورة، لذلك أتت النتيجة مؤيّدة لهذا الخطاب ولحزب القوات اللبنانيّة. بالفعل، فقد أتت الثورة لتجدد الخطاب والمطالب، لذلك رأينا تلقف الشارع الزحلي كبير جدّاً لعناوين الثورة، علماً بأنّ مشاركة مناصري القوّات بيوميّات الثورة كانت واضحة ومتعاونة جدّاً مع الأطراف الآخرين. وأنا اعتبر بأنّنا نقف اليوم على مفترق طرق، أما الإستمرار بطريقة إدارة حكم نفسها التي تقوم على سياسة الترقيع وعدم المعالجة بشكلٍ جذري، فستكون النتيجة كارثيّة حكماً لأنّ عامل الوقت ليس في صالحنا والأزمة تكبر والناس يأست لم يبقَ لديها صبر. فإذن نحن امام خيارين، إما النجاح فتكون الثورة انتصرت بمعنى إنتاج حكومة استجابت لمطالبها، واما تجدد الثورة واتخاذها أشكالاً أقوى، ولكن أقصى تمنيّاتي على المستوى الشخصي ان تحافظ الثورة على السلميّة واللاطائفيّة واللامناطقيّة.

- لماذا برأيكم وصلنا الى هذه المرحلة من الانهيار والى متى برأيكم؟
لهذه الأزمة أسبابٌ سياسيّة، أوّلها يكمن بسيطرة فريق سياسي معيّن هو حزب الله على السياسة الخارجية واعتماده سياسة مناهضة للحضن العربي الذي كنّا من مؤسسيه ومن الأعضاء الفاعلين جدّاً فيه. فالحزب يلجأ الى تنفيذ أجندة ايرانية بحتة من دون أدنى مراعاة للمصلحة الوطنية العليا للبنان، الأمر الذي أدّى الى هذه المواجهة مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة، حيث بات لبنان يدفع ثمن هذا الكباش وهذه المواجهة الإقليمية والدولية، ونحن هنا، لا نقول بأنّنا نؤيد ما تنادي به واشنطن مع التذكير بأنّ القوات كانت أوّل من اعلن رفضه لصفقة القرن، إنّما وبمعزلٍ عن أحقيّة هذا الفريق او ذاك، فإنّ هذا الصراع لا يعنينا كلبنانيين، خاصةً اذا ما كنّا في ظرفٍ عصيبٍ كالذي نمرّ به واذا كنّا ندفع الثمن، هذا في الشقّ السياسي. في الشقّ الداخلي وتحديداً أعني طريقة إدارة حكم الدولة، فقد اتسّمت منذ 30 سنة وتحديداً منذ 15 سنة بفسادٍ فاضحٍ جدّاً على كافة مفاصل الدولة، ناهيك عن ترهّل الجسم القضائي اللبناني وكلّ أجهزة الرقابة والمحاسبة، وهو ما أدّى عمليّاً الى استنزاف ماليّة الدولة، فملفّ الكهرباء كلّف الخزينة نحو 40 مليار دولار، كما أن الإدارة الرسميّة تتوسع على مستوى العديد فيما هناك هبوط على مستوى الخدمات! إنّ كلّ هذه العناصر أدّت الى تغذية هذه الأزمة بشكلٍ إضافي. أمّا السبب الثالث فهو سياساتنا المصرفيّة والنقديّة، فهنا أيضاً علامات استفهام كبيرة تطرح، فقد سمعنا عن هندسات مالية أُنجزت لخدمة أشخاص، كما أن حجم إقراض المصارف للدولة كبير جدّاً، بحيث تمّ اخذ اموال المودعين ومنحها للدولة بشكلٍ مبهمٍ وغامضٍ ويثير الشبهة والإلتباس. إنّ كلّ هذه العوامل السياسيّة والإداريّة والماليّة والمصرفيّة بطبيعة الحال أدّت الى هذه الكارثة من دون ان ننسى طبعاً أزمة اللاجئين وعدم سيطرتنا على حدودنا، وعدم قدرة الدولة على جباية أموالها بالشكل اللازم. في الحقيقة، لا احد يعلم متى تنتهي هذه الأزمة، ولكن اذا ما اتخذت القرارات اللازمة بعيداً عن السياسة وبدأ التنفيذ الفوري، فقد يستغرق الخروج من النفق أشهراً او ربّما سنوات، ولكن في حال لم يُصار الى اتخاذ هذه القرارات، فحينها لن تطول الأزمة فحسب، بل ستتفاقم وستعرّض الدولة والشعب اللبناني الى مهالك كبيرة جدّاً.

- هل تعتقدون ان الثورة أثرت سلباً على شعبيّة حزب القوات اللبنانيّة؟
في الحقيقة أنا اعتقد، وهذا الاعتقاد ناجم عن احتكاكي المباشر مع أبناء منطقتي وفي كلّ لبنان، أن القوّات هو الحزب الأقلّ تضرراً من الثورة بين كافة الفرقاء ، لأن جزءاً كبيراً من توجّهات الحزب وأداء القياديين فيه يتطابق مع ما تنادي به الانتفاضة. فحين تقوم ثورةً تحمل نفس المطالب التي تنادي بها القوات فذلك يعني أنّ الحزب لم يخسر، حيث أن جذب تيّارٍ شعبي كبير جدّاً باتجاه تأييد مطالبه الأساسيّة ولو كان هذا التيار يعتبر أن الطبقة السياسيّة كلّها مدانة، فالمنطق يقول بأنّ خطابنا هو خطاب الثورة، أمّا خطاب وسلوك غيرنا فهو بعيد كلّ البعد عن الثورة. من هنا، وبحكم المنطق والواقع نعتبر أنفسنا الأقرب للشارع. وأنا شخصيّاً أقول بأنّه ولو حصل تسرّب من قواعد القوات باتجاه الثورة، فهذه ليست خسارة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن هذه الناس لم تذهب باتجاه الخصم، فسواء كانوا مناصرين للقوّات او اقرب الثورة، فهؤلاء يدورون في الفلك السياسي نفسه ويجتمعون تحت العناوين والمبادئ نفسها.

- نرى أن القوّات ماضية في ملفات الفساد، هل تعتقدون ان القضاء قادرٌ على السير بها حتى النهاية؟
السلطة القضائيّة اليوم هي الجهة المعوّل عليها اكثر بكثير من غيرها لنقل لبنان من المئوية الأولى الى المئوية الثانية، لهذه الدرجة أضع على القضاء مسؤوليّة تحسين كلّ ما يجري في لبنان. وحتى يصبح القضاء مثل ما نتمنّى جميعنا، فهنالك عدّة شروط، أوّلها وجود قانونٌ يكرّس استقلال السلطة القضائيّة علماً بأنّ هذا القانون بات شبه واقع، لأنّه قُدِّم ويبحث في لجنة الإدارة والعدل. والى جانب القانون، يجب إجراء تنقية داخليّة للجسم القضائي، مع الإشارة الى أن هذه التنقية لا يمكن ان تتمّ قبل صدور القانون، باعتبار ان من سينجز التنقية هو مجلس القضاء الأعلى وهو الجسم المسؤول عن حسن سير المرفق القضائي كلّه. ولضمان عدم تسييس هذا المجلس فيجب ان يكون منتخباً وغير معيّناً من قبل السلطة السياسيّة وفقاً للقانون الجديد الذي تجري دراسته اليوم. إذن المطلوب اليوم، هو قانون عصري لاستقلاليّة القضاء، مع تنقية داخلية وتفعيل دور التفتيش، الى جانب توفير حماية جسديّة للقاضي، حتى تكتمل شبكة الأمان ويصبح لدينا قضاءاً قويّاً وعادلاً وحينها سنتمكّن من اجتذاذ الفساد.

- ماذا عن ملفات الفساد التي فتحت وبعض الاستدعاءات التي شهدناها، هل هي مبارزة سياسية برأيكم؟
اليوم سأعطيك مثلاً عن مديرة هيئة السير وليس من باب الدفاع عنها، إنّما أنا كمواطن من حقي أن أسأل، هل فقط هدى سلوم هي وحدها الفاسدة بين 160 مديراً عاماً، ولنقل فُتح الملف، فأين هي المتابعة؟ ما أقوله هو ان طالما هناك شبهة سياسية على القضاء، فيصبح من الممكن إضفاء صبغة على كلّ ما يقوم به ووضعه ضمن سباق سياسي معيّن.

- هل تعتقدون ان معارضة مشتتة، قادرة على لعب دورٍفعّال في هذه المرحلة؟
الظروف تغيّرت، وتشبيه الواقع السياسي الحالي بمرحلة 2005 في غير محلّها، فلا تشبيه بين مرحلتين مختلفتين. ذلك أنّه وفي العام 2005 حصل زلزالٌ كبيرٌ جدّاً اسمه اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجبهة التي تشكلّت على اثر الاغتيال كان لها صدىً عالمياً واحتضاناً دولياً وتحديداً اميركياً وقد أدّت آنذاك الى خروج الجيش السوري من لبنان. ما يجري اليوم لا يشبه مرحلة العام 2005، فاليوم يوجد حزب طابقٌ على القرار السياسي في لبنان اسمه حزب الله، والمعارضة في حال تشكلّها يجب أن يكون لديها هدفٌ واحدٌ وأجندةٌ واحدة وهي كيفيّة حمل حزب الله بالطرق السلمية، أيّ من دون إراقة دماء ومن دون الجنوح نحو حرب داخلية انتحارية جديدة، من خلال الضغط عليه ودفعه الى عقلنة حركته السياسية وعودته الى داخل الحدود اللبنانيّة وكسر هذا التماهي مع السياسة الإيرانية. فإذا اتفقت أطراف المعارضة على هذا العنوان عندها يكون لها معنى، لأن كلّ باقي المعارضات لا طعمة لها ولا تعدو كونها فولكلوراً ديمقراطياً غير منتجاً. فنحن لا نسعى لمعارضة شكليّة فقط.

- كيف تقيّمون العلاقات مع الكتائب، الإشتراكي والمستقبل؟
في العلاقات مع الكتائب، لا أظنّ أنه يوجد ما هو أبعد من الأمور الشخصية يفرّقنا عن بعض بكلّ صراحة، فلا اوجه تباعد بيننا، مع الحزب الاشتراكي تجمعنا مصالحة الجبل التي نعتبرها إنجازاً كبيراً ويهمنا المحافظة عليها، بالإضافة إلى أمور وعناوين عريضة كالتي تجمعنا مع المستقبل، إنّما نحن نخلتف مع الطرفين بطريق إدارة الحكم والتسويات. صحيحٌ أننا كنّا كحزب شركاء في التسوية الرئاسية التي اعتبرناها ضرورة للخروج من الفراغ، إنما نحن خرجنا منها عندما خذلنا بطريقة تنفيذها وأداء الحكم الذي ساهمنا بوصوله.

- لو حصلت انتخابات نيابية مبكرة ولو تمّ ترشيحكم مجدداً من قبل القوّات اللبنانية، هل تحصلون على أرقام العام 2018 نفسها؟
اعتقد أن حضور القوّات بزحلة لا يزال هو هو، والقاعدة التي استندنا عليها بالعام 2018 لم نخسر منها شيئاً. بحيث لم يظهر أي جديد من شأنه أن يهدد وجود القوات. إنّ كلّ الظروف المستجدة تؤدي الى القول بأن اي مرشح للقوات سيتمتّع بنفس حظوظ النجاح التي كانت قائمة خلال العام 2018، وهنا من المهمّ الإشارة الى كيفيّة خوض هذه الثورة ومن يعتبرون أنفسهم خارج إطار الأحزاب والإنتخابات، هل سيشكلون لوائح؟ وما مدى حظوظهم اذا ما تحالفوا مع الأحزاب الأقرب إليهم؟ في كافة الأحوال، لا يزال الحديث عن الانتخابات مبكراً، بانتظار ما ستفرزه الثورة من شخصيّات وقيادات قريبة من الناس.

- ماذا ينقص مدينة زحلة اليوم؟
جزءٌ ممّا ينقص زحلة هو الجزء الذي ينقص كلّ لبنان، وهو الاقتصاد السليم والدولة القوية والعادلة صاحبة القرار السيادي. وبالنسبة لمدينة زحلة هناك مشكلة التنقل بينها وبين العاصمة، لقد حاولنا الوصول الى نتيجة في هذا الإطار، إنّما هناك حائط مسدود عنوانه التمويل. امرٌ آخر مطلوب وهو إعادة إحياء دور المدينة التاريخي، فهي كانت عاصمة كلّ البقاع لكن للأسف لم تعد تلعب هذا الدور. فخلال الحرب وما بعدها، جزءٌ كبير مما كانت تلعبه صار موجوداً في المناطق المجاورة.

- هل صحيحٌ أن زحلة هي مقبرة الأحزاب؟
الانتخابات هي الردّ الأنسب على هذا السؤال. الأصحّ القول بأنّ زحلة تحاسب الأحزاب والقيادات وكلّ من يتعاطى الشأن العام، فأهل المدينة يتمتعون بثقافة سياسيّة ودرجة وعي مهمّة تجعل أيّ حزب غير قادر على ضمان المدينة، فهي تراقب وتحاسب الجميع.

صورة editor3

editor3