متمسكّون بالأمل والأرض مهما اشتدت الظروف
بكثير من المحبّة والإيمان، وبضحكة مليئة بالأمل والتفاؤل، يطلّ مدير دار الصداقة في زحلة - كسارة الأب طلال تعلب المخلصي ليرحّب بأسرة مجلة «برايفت ماغازين» في مدينة السلام وفي الدار الذي أخذ على عاتقه توفير الرعاية والأمان لمن قست عليهم ظروف الحياة مكرّساً بذلك الرسالة الإجتماعية النبيلة التي هي بطبيعة الحال جزء لا يتجزّأ من الرسالة الروحية التي قامت عليها الرهبانية الباسيليّة المخلصيّة صاحبة التاريخ الحافل بشتّى أنواع الخدمات الإنسانيّة ليس فقط على مستوى الوطن إنّما على مستوى العالم كلّه.
عن الدار وأهل الدار يتحدث الأب حداد بشغف فيقول: «تأسسّت هذه المؤسسة المخلّصيّة الاجتماعية في العام 1979 في بلدة حوش الامراء قبل ان تنتقل إلى زحلة - كسارة تحت اسم قرية الصداقة مع المطران عصام درويش»، مشيراً إلى ان «الانطلاقة كانت مع تأسيس ميتم دار الصداقة الذي توالى على رئاسته كلّاً من الأب حنا سليمان والأب اندريه حداد».
هذا ويشير الأب طلال الى أنّ «المؤسسة اتخذت وظيفتها ونهجها التربوي والاجتماعي بشكله الحالي مع المطران عصام درويش التي اراد ان تكون لهذه الرهبنة في زحلة والبقاع رسالة اجتماعية على غرار دار العناية في الصالحية - صيدا التي كانت المؤسسة المخلصيّة الأولى التي تعنى بالعمل الاجتماعي في لبنان، بحيث اعتبر الآباء بأنّه كان لا بدّ من تأسيس عمل اجتماعي لتكريس الرسالة الروحيّة المخلصيّة».
وهنا، يتوقف الأب تعلب عند تسمية «دار» التي تعني البيت أو المنزل بمعنى المكان الذي يشعر فيه الفرد بالراحة والأمان ولا سيّما الأولاد. حيث يقول: «بالفعل يمكن اعتبار قرية الصداقة مؤسسة اجتماعية نموذجية ان لجهة شكلها الهندسي الخارجي أو لجهة نظامها التربوي والتي تتيح للأولاد الذين يرزحون تحت ضغوط معيّنة تجاوز كافة الصعوبات النفسيّة».
لا شروط للانضمام إلى الدار بل معايير محددة، يقول الأب طلال الذي أوضح أن هذه المعايير تقضي بأن يكون الولد يعاني نقصاً معيّناً سواء معنويّاً، ماديّاً، اجتماعيّاً، اقتصاديّاً أو حتى تربوياً أو يكون قد فقد احد الوالدين. وبالتالي تحتضن الدار من ضمن برنامج الرعاية الداخلية الأولاد سواء كانوا صبياناً او فتيات بين عمر الـ 4 والـ 15 يتوزّعون على بيوت الرعاية حيث يتمّ الإعتناء بهم بمؤازرة مرافقين نفسيين واجتماعيين ليتمكنّوا من شقّ طريقهم واجتياز الصعوبات والعوائق بأقلّ اضرار ممكنة..
وإلى جانب برنامج الرعاية الداخليّة توجد مجموعة من برامج الرعاية الأسريّة التي تندرج كلّها تحت عنوان تأمين بيئة عائليّة صالحة ومستقبل أفضل لكلّ الأولاد الذين قست عليهم ظروف الحياة من دون ذنب، فعلى سبيل المثال تُعنى دارالصداقة أيضاً بمشروع حماية الأحداث المعرّضين لخطر الانحراف بين عمر الـ 14و 18 سنة بالإضافة إلى النساء المعنّفات، حيث يقول الأب طلال: «للأسف، مع ازدياد الصعوبات المعيشيّة قلّ الإهتمام بالعائلة وابتعدنا عن القيم الإنسانية الأساسيّة لذلك كان لا بدّ لنا من الإنخراط والتدخل بهدف مرافقة المراهقين لسنّ 18 ومساعدتهم لكي يخطوا اولى خطواتهم في الحياة».
على خطّ موازٍ، يتوّقف مدير دار الصداقة عند الجانب التربوي الذي يُعتبر ركناً أساسيّاً في بناء المجتمعات الصالحة، حيث يشير إلى ان هذه المؤسسة الإجتماعية كانت من اولى الجمعيّات التي منحت التعليم المهني الأهميّة المطلوبة، بحيث عمدت الى تأسيس مهنيّة دار الصداقة بالفرزل في العام 1989، والتي سعت من خلالها إلى اكتشاف مهارات الأولاد ومساعدتهم على تطويرها. من هنا، يوجّه نداءا لكافة الأهالي لتشجيع أبنائهم على خوض تجربة التعلّم المهني لأنه يشكلّ احد الأبواب الرئيسيّة للوصول الى دولة تجاريّة وصناعيّة ناجحة ومتطوّرة باعتبار ان التعليم المهني شريك في النجاح.
وردّاً على سؤال حول التمويل، يقول الأب طلال ان الربّ هو المموّل من خلال نعمه ومباركته الى جانب سيّدة زحلة التي ترعى الدار واهله بصورة دائمة، مشيراً في الوقت نفسه الى ان المحبّين كثر والمجتمع الزحلاوي بطبعه كريم ويحب المساعدة. ويضيف: «لا أكشف سرّاً اذا قلت ان الصعوبات باتت كبيرة بظلّ هذه الظروف التي نمرّ بها، إنّما وجودنا ورسالتنا تقتضي ان نكون الى جانب الشعب. فنحن في قلب العالم ومع الناس ونتقاسم المعاناة معهم».
هذا ولفت الى ان كلمة شكر من شخص يعاني هي بمثابة صلاة وتعزية بالنسبة لنا، وأضاف:»في الحقيقة، العناية الالهية ترافقنا في كلّ محطة وعند كلّ استحقاق وفي كلّ مطلب للمؤسسة التي تعتاش بكمشة من القمح وفنجان من الزيت».
إنما وبالرغم من كلّ الأجواء السلبيّة التي تطغى على المشهد العام، يشدد الأب طلال على «أننا أبناء رجاء وقيامة وعلينا ان نبقى متمسكين بالأمل والأرض مهما اشتدت الظروف»، مذكرّاً بأن التحديّات والصعوبات كانت موجودة مع تأسيس الكنيسة الأولى، وبالتالي لا مجال للاستسلام والرضوخ مهما بلغت التضحيات».