التبويبات الأساسية

رغم التحديّات والعراقيل والأفخاخ سار المهندس المخضرم في طريقه بكلّ مهنيّة وحرفيًة واضعاً مصلحة قطاع الزراعة والمزارعين فوق كلّ إعتبار. فكان صاحب مسيرة ناصعة سجّل في خلالها العديد من المشاريع والإنجازات التي تصبّ في مصلحة لبنان وكلّ اللبنانييّن من دون تفرقة أو أدنى تمييز.
ولأنّه إختبر الظلم وعاش كافة تفاصيله، إرتقى إلى رتبة المدير الحكيم الذي يخيّط قراراته بكلّ دقّة وعناية رغم الذبذبات التي تحاول التشويش على عمله بين الحين والآخر، فكان لويس لحود المهندس الزراعي الصلب الذي نذر وقته ووضع كلّ كفاءته وخبرته ومقدّراته العلمية وطاقاته لدفع الوزارة بإتجاه آفاق جديدة تحاكي الواقع الزراعي ومستقبله.
أسرة مجلتنا التقت ابن زحلة، مدير عام وزارة الزراعة المهندس المتألّق لويس لحود وكان هذا الحوار الذي تطّرق إلى مختلف قضايا الوزارة بالإضافة إلى أبرز المحطات التي طبعت حياته المهنية.
وفي ما يلي أبرز ما جاء في الحوار.

- في البداية ما تعني لكم زحلة؟
زحلة هي القلب النابض دائماً وأبداً، لقد كان لي الشرف أن أُولد وأترعرع في المدينة الأهمّ بالنسبة لي، وهي ترافقني بكلّ لحظة في حياتي، في أفراحي وأحزاني وعملي وسفري وكل تحرّكاتي ومشاريعي، فعروس البقاع تبقى ملاذي الآمن ومصدر فخري وإعتزازي.

- ما الذي يميز هذه المدينة عن غيرها من البلدات اللبنانيّة برأيكم؟
للحقيقية زحلة هي قرية كبيرة، فاليوم ورغم كافة الظروف الصعبة التي نمرّ بها، تبقى الحياة الإجتماعية فيها متميّزة، ففي الشدائد والأفراح يكون الناس والجيران جنباً إلى جنب. ومن يعيش في المدينة يفهم جيّداً ما أقوله، ذلك ان إبن زحلة لا يستطيع أن يعيش في أي منطقة أخرى، فهنا تتجسد روح العائلة بكافة تفاصيلها وأعمق معانيها، ذلك أن لهذه المدينة تاريخ عريق ورسالة إستثنائية تحتّم على الزحالنة المحافظة عليها. وهي بالفعل رسالة جوهرية توارثت عبر الأجداد بفعل حملها لعناوين التواضع والمحبّة والحنان والانفتاح.
وأنا أستغلّ هذا المنبر، لأشدّد على أهميّة هذه الميزة وضرورة المحافظة عليها. فلا ننسى ان عروس البقاع لديها تنوّع بكنائسها بحيث تضمّ أكثر من 40 كنيسة، وهي بالمناسبة تقرع أجراسها تزامناً اثناء رفع الصلوات في ظاهرة رائعة إفتقدناها خلال فترة التعبئة العامة. فالزحالنة يتعبدّون للقربان المقدس والكلّ يعلم عن حادثة 1825 حين كان يهدد الطاعون أبناء المدينة، وهذا بالتحديد ما دفع الناس لرفع الصلوات في آذار الماضي ليبعد الله شرّ الأمراض عن المدينة. من هنا، نجد ان للزحالنة إيمان كبير وهو بالفعل مصدر الصلابة التي يتمتعون بها، فتراهم يتدافعون لمواجهة الأخطار من دون ريبة أو خوف، وأنا مثلهم أعتبر أن أحد أهمّ أسباب نجاحي هو إيماني العميق الذي أستمدّ منه القوّة لآخذ القرار المناسب عند كلّ استحقاق.

- ماذا قدّم لويس لحود إلى زحلة؟
أنا لا أعتقد بأنني قدّمت ما يكفي لزحلة التي لها فضلٌ كبيرٌ علينا، غير أنني أحاول وأسعى لمنح المدينة ما تستحق من إهتمام بالنظر إلى دورها الريادي التاريخي، فهي عاصمة الزراعة والصناعات الغذائية في لبنان، وهي عاصمة المطبخ اللبناني من دون منازع. وهنا، نتذكر كيف شكّلت المدينة محط أنظار العالم العام الماضي مع إطلاق وزارة الزراعة برعاية فخامة الرئيس «يوم العرق الزحلاوي»، الذي هدف لإعادة إنعاش إنتاج هذا المشروب الذي يعتبر من المنتجات اللبنانيّة التقليديّة الأصيلة والتراثية التي يتميّز لبنان بصناعتها. واليوم هناك عمل مستمرّ على موضوع المطبخ والمونة اللبنانية، ولهذه الغاية أطلقنا مع السفارات والبعثات المنتشرة في الخارج حملات من أجل التشجيع والمحافظة على تراث المطبخ الزحلاوي العريق.
أيضاً وعلى خط موازٍ، نحن بصدد العمل على تعزيز وجود منطقة خضراء في المنطقة ككل من خلال زيادة المساحات الحرجيّة، لأنّه ليس هناك من سبيل لمواجهة التصحّر إلاّ من خلال زيادة المساحات الخضراء، كما نركز إهتمامنا أيضاً على تعزيز دور التعاونيات بهدف بلوغ مرحلة الإكتفاء الذاتي الغذائي. إنطلاقاً من هنا، ومن خلال موقعي أسعى مع الوزارات الأخرى لمتابعة ملفات المدينة مع المنظمات والهيئات المانحة، بما أن القطاع العام وحده لا يستطيع تأمين كافة الإحتياجات، لذلك نحن نسعى لإقامة المشاريع التنموية بالتكامل والتعاون مع الجهات المانحة والقطاع الخاص.

- كيف تقيمون تكاتف اهل زحلة في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها لبنان؟
المعروف أن أهالي زحلة يتمتّعون بشجاعة قلّ نظيرها، فهم قادرون على إجتياز حقل ألغام من دون خوف أو تردد، حيث لديهم إندفاع لخوض المواجهات، فلا ننسى ان المدينة قدمت رجالاً مهمّين على كافة الأصعدة والمستويات من رؤساء وأدباء ومفكرين ورجال علم أبدعوا و تركوا بصمات كبيرة محليّاً وعالميّاً. وفي هذه الظروف العصيبة التي نمرّ بها، أدعو الزحالنة ليبقوا عائلة واحدة متكاتفة ومتضامنة لإجتياز هذه الأزمة، وأنا كلّي ثقة بقدرتهم على مواجهة الصعاب مهما بلغت حدّتها.

- برأيكم، ما الذي ينقص المدينة على المستوى الإنمائي؟
إن ما ينقص المدينة اليوم هو الإنماء المتوازن، فالكلّ يعلم وضع طريق ضهر البيدر التي توصف بطريق الموت. المطلوب في هذا الإطار، توفير طريق آمنة لأهالي البقاع لتسهيل عملية إنتقالهم. من ناحية اخرى، يجب إيلاء موضوع الليطاني الإهتمام اللازم لما يشكّل من أهمية حيويّة بالنسبة لأهل زحلة والبقاع عموماً، وهنا يجب توجيه تحية لمدير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الذي يقوم بجهد جبّار على هذا الصعيد.
كذلك، على المستوى الإقتصادي والتجاري، توجد اليوم جهات ومؤسسات متميّزة وناشطة جدّاً يتوّجب علينا دعمها ومساندتها، والدولة تتعاون مع غرف ولجان التجّار ونقابات الصناعيين والزراعيين من أجل النهوض وتحقيق الإنماء.

- ماذا تقولون عن تجربتكم الشخصية كمدير عام؟
في الحقيقة، أفتخر بأننّي أصغر مدير عام تمّ تعيينه في عمر 26 سنة. لقد مرّت تجربتي بعدّة محطات وتعرّضت لظلم كبيرٍ، ولكن بفضل إيماني وصلواتي تخطيّت هذا الظلم. فأنا وضعت بتصرّف لمدّة 6 سنوات من دون أي مبررّ فقط لأنني رفضت تسيير بعض الملفات، حتى أنّه وبعد فوزي بحكم قضائي صادر عن مجلس الشورى، لم يعمد إلى تطبيق الحكم بحيث بقي المركز شاغراً لمدة 4 سنوات. إن هذا الدرس علّمني قيمة الظلم، لذلك أحرص عند إتخاذي لأي قرار إلى التأكد من عدم ظلم أي شخص. من هنا يمكن القول بأن طريقي في الوزارة كانت أشبه بحقلٍ محفوف بالألغام، لكن ورغم كلّ شيء بقي طموحي كبيراً واستمريت في العمل من أجل تحقيق الإنجازت لبلدي وبالفعل فقد تمكّنت، بدعم الخيرين ومن خلال التكامل ما بين القطاع الخاص والأهلي والهيئات المحلية، من تحقيق بعض المشاريع التنموية والضرورية.

بإختصار، أعتبر تجربتي مهمّة وهي تشبه إلى حدّ بعيد خدمة علم مدنية، فأنا أعمل بكلّ إخلاص وتفاني رغم يقيني بأن المخصصات تبقى متواضعة بالمقارنة مع العمل الذي نقوم به. إنما وبغضّ النظر عن الشق المادي، فإنني أشعر بفرح عميق وسلام داخلي لا يوصف عند إنجاز أيّ مشروع يصبّ في خدمة المجتمع.
اليوم، كلّنا نعلم أن ظروف البلد صعبة لكنني سأقاتل حتى تأمين حقوق المزارعين. علماً انه لا بدّ من التوضيح بأن الوزراة تحظى بأصغر موازنة، بالرغم من أن أكثرية مجتمعنا هي من شريحة المزارعين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فالأولويّة اليوم يجب أن تكون موّجهة لدعم المنتجين والمنتوجات المحلية، لذلك يجب تشجيع الإستثمار في المجال الزراعي على غرار الدول المجاورة التي تمنح هذا القطاع أولويّة مطلقة بإعتباره ركيزة إقتصاديّة أساسيّة، بحيث يجب ان ندعم البنى التحتية ونحصّن منتوجاتنا لجعلها قادرة على المنافسة. واليوم تحديداً، المطلوب دعم المستلزمات الزراعية كالأسمدة والبذور واللقاحات لمساعدة المزارع وتشجيعه حتى يبقى بأرضه. وهنا أوجه نداء للشباب من اجل العودة إلى الجذور والعمل بالأرض.

- نلاحظ اليوم وجود إستفاقة زراعية إذا صح القول، لماذا برأيكم وهل سيكون لها تأثير ما على القطاع؟
في الحقيقة، نحن في لبنان عشنا مرحلة إتكالية، بحيث لم يتمّ إعتبار القطاع الزراعي جزءاً أساسيّاً من الإقتصاد رغم كلّ التحديات التي نواجهها، إنما اليوم وبفعل الظروف التي نمرّ بها برزت أهميّة تطوير قطاع الزراعة بحيث تبيّن أنه ومن دون تطوير هذا القطاع لا يمكن الحديث عن أمن إقتصادي، لذلك نوجه الناس للزراعة بهدف تحقيق إكتفاء ذاتي وبالتالي تخفيف الإستيراد. ونحن بالمناسبة أطلقنا مبادرة كبيرة مع البطريرك الراعي لوضع أراضي الكنيسة بتصرّف الجمعيّات الزراعية، وهنا أيضاً دعوة للبلديّات للاستفادة من الأراضي اذا ما وجدت وتخصيصها للزراعة فهذه هي ثروتنا الوطنية.

¡ هل من كلمة ختامية؟
نحن نشكر مجلّتكم الكريمة لتخصيصها زحلة بملفٍّ خاص. كما نتمنى لهذه المدينة العريقة دوام الإزدهار، فاليوم الجميع مدعوون للمشاركة في ورشة انماء عروس البقاع بما يليق بتاريخها الحضاري وأخص بالذكر المغتربين من أصحاب الأيادي البيضاء الذين لم يبخلوا على المدينة وعلى لبنان في يوم.

صورة editor3

editor3