تحت عنوان أزمات "إفلاسية" تضرب المصارف، كتب محمد وهبة في "الأخبار": سلسلة من الأزمات ستلاحق المصارف خلال السنة المقبلة على رأسها تدهور العلاقات مع المصارف المراسلة التي قد تلجأ إلى رفع دعاوى إفلاس في وجهها إذا تخلّفت عن سداد قيمة التزاماتها معها، والخلافات مع مدقّقي الحسابات حول تطبيق المعيار المحاسبي IFRS9 الذي يفرض اقتطاع مؤونات قد تتجاوز قيمتها الـ 30 مليار دولار. أما استحقاق زيادة الرساميل (بالدولار) تطبيقاً للتعميم 532 الصادر عن مصرف لبنان، فمن المتوقّع، خلافاً لكل التوقعات، بأن يتمكن العدد الأكبر من المصارف من الإيفاء به قبل نهاية السنة الجارية.
التحويل ممنوع
قبل أيام قليلة، اندلع نقاش حادّ بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبين المصارف يتعلق بطلب المصارف الحصول على السيولة بالدولار من أجل تسديد التزاماتها في الخارج. المصارف أبلغته أن أموالها المودعة لدى مصارف المراسلة الأجنبية ليست كافية لتسديد التزاماتها، وخصوصاً بعد خفض تصنيف لبنان إلى درجة (CC) الذي يفرض على مصارف المراسلة أمرين: أن تزيد قيمة الضمانات التي تحصل عليها من المصارف اللبنانية لفتح الاعتمادات بمختلف أنواعها، وأن تخفض سقوف التسهيلات التي كانت تمنحها للمصارف اللبنانية لإجراء التحويلات ولفتح الاعتمادات.
وبحسب مصادر مصرفية، فإن سلامة مدرك بأن الأموال الموجودة في حسابات المصارف في الخارج قد لا تكفي حتى نهاية شباط، إلا أنه رفض رفضاً قاطعاً أن تحصل المصارف على دولارات موجودة لديه من أجل تحويلها إلى الخارج، مشدداً على أنه يتوجب على المصارف أن تتدبّر أمورها.
في المقابل، تقول المصادر إن رئيس جمعية المصارف سليم صفير التقى ممثلاً من مصرف "JP Morgan" الذي يتعامل مع عدد غير قليل من المصارف اللبنانية ليكون مراسلاً لها في الخارج، وحاول التفاوض معه على آليات تأجيل تسديد الالتزامات، إلا أن ممثل المصرف المراسل رفض متذرّعاً بالمعايير المحاسبية العالمية التي تحظّر على المصارف مثل هذه الممارسات.
في الواقع، إن العلاقة بين المصرف اللبناني وبين المصرف المراسل هي علاقة تعاقدية بين طرفين بهدف تسهيل عمليات التبادل التجاري وتسديد قيمة الشحنات بين مصدّر في بلد ما ومستورد في لبنان. بمعنى أوضح، إن المصرف اللبناني ومصرف المراسلة يعملان لحساب طرفين آخرين. مصرف المراسلة يعمل كضامن لتسديد المبلغ المتّفق عليه بين المصدّر والمستورد مقابل تصدير الشحنة، فيما يعمل المصرف اللبناني كضامن لتسديد المبلغ من قبل المستورد للمستفيد بعد استلام الشحنة. فعلى سبيل المثال، يأتي تاجر إلى مصرف لبناني، فيطلب منه فتح اعتماد لاستيراد شحنة ويبلغه الاتفاق مع المصدر حول القيمة ووقت تسديد الاعتماد وسواهما. عندها يخاطب المصرف اللبناني، مصرفه المراسل ويبلغه بأن تسديد الأموال من التاجر مضمون من جهته وأن أوراقه سليمة. بعدها يتصل المصرف المراسل بالمصدّر طالباً منه المباشرة بشحن السلع للمستورد مقابل ضمانة الدفع من قبله أيضاً بعد موافقته على قيمة المبلغ ووقت تسديده كما تسلمه من المصرف اللبناني.
هذا هو باختصار ما يُسمى "خطاب الاعتماد" أو "فتح الاعتماد". هناك أكثر من مسار لهذه العملية، فهي قد تكون "غبّ الطلب"، أي أن المبالغ تدفع فور التأكّد من تسليم الشحنة، أو أن تكون مقسّمة على دفعات محدّدة. وفي كل الأحوال، يتطلب الأمر أن تكون هناك علاقة تجمع المصرف اللبناني بوصفه زبوناً لدى مصرف المراسلة، أي أن تكون لدى المصرف اللبناني حسابات لدى مصرف المراسلة سواء أكانت مجمّدة أم جارية مقابل تسهيلات مصرفية أو سقوف لفتح الاعتمادات أو سواها...
تخضع هذه العلاقة لقواعد معيارية تفرضها درجة المخاطر والربح بين الطرفين. وبما أن تصنيف لبنان انخفض إلى درجة قريبة من درجة التخلّف عن السداد، فقد بات محتّماً على المصارف المراسلة وتبعاً لتطبيق المعيار المحاسبي IFRS9 أن تخفض سقف التسهيلات للمصرف اللبناني وأن تفرض عليه ضمانات مالية أكبر تجاه الاعتمادات المفتوحة لديه، وهذا الأمر أدّى إلى تآكل ما يُسمى الموجودات الخارجية للمصارف اللبنانية سواء أكانت على شكل ودائع لدى مصارف المراسلة أم أي أصول أخرى. يتردّد بين المصرفيين أن هناك أقلّ من مليار دولار قابلة للاستعمال سواء من أجل تمويل عمليات تجارية أم عمليات تحويل إلى الخارج، وبالتالي سيكون على المصارف وقف فتح الاعتمادات.
مؤونات تفوق الرساميل
الأزمة الثانية التي تواجه المصارف، تكمن في أن تطبيق المعيار المحاسبي IFRS9 والذي ألزمها به مصرف لبنان اعتباراً من مطلع 2018، يفرض عليها اتخاذ مؤونات تجاه التوظيفات التي زادت مخاطر توقفها عن السداد، وهذا الأمر ينطبق على أكبر زبون لدى المصارف، أي الدولة اللبنانية. فالمصارف توظّف أموالاً بقيمة 14.7 مليار دولار موظّفة في سندات الخزينة بالعملات الأجنبية، ولديها أيضاً 22.7 مليار دولار موظّفة في شهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان، وليس معروفاً ما هي قيمة الودائع بالدولار التي أودعتها لدى مصرف لبنان، إلا أنها تقدّر بنحو 46 مليار دولار منها 20 ملياراً احتياطات إلزامية. المؤونات المترتبة على هذا المستوى من التصنيف للأصول بمعدل 45% تبعاً للمعيار المحاسبي المذكور، وبعد استثناء الاحتياطات الإلزامية من هذا الحساب، تصل إلى 29 مليار دولار، أي ما يعادل مرة ونصف مرة قيمة رساميل المصارف البالغة 20 مليار دولار.
المصدر: الأخبار