التبويبات الأساسية

ستساهم الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، في تغيير ملامح الجغرافيا السياسية للعالم، وفق تقرير صحيفة "كلارين" الأرجنتينية.

وفي الوقت الذي تحاول فيه بكين إنشاء كتلة مع أوروبا لمواجهة واشنطن؛ أبدت بروكسيل عدم ثقتها في التحركات الصينية. وفي ظل هذا الوضع، من المتوقع أن تعلن العاصمة الصينية عن مفاجآت تاريخية خلال الأيام القليلة القادمة.

وقالت الصحيفة إنه على الرغم من الرياح السيئة التي تعكر صفو الوضع الحالي، إلا أن الصين تملك الكثير من المناسبات والأحداث لتحتفل بها. وفي كانون الأول القادم، ستحتفل الصين بالذكرى الأربعين لعملية الإصلاح والانفتاح الصيني التي تم الإعلان عنها في كانون الأول سنة 1978 من قبل الرجل الأسطوري، دنغ شياوبينغ. وقد حوّل هذا الرجل العملاق الآسيوي إلى قوة اقتصادية لها مكانتها في الوقت الراهن.

وأوردت الصحيفة أنه بعد أن تغلبت الصين على تأثير المذهب "الماويّ" وبدأت هذه الإصلاحات، كان العملاق الآسيوي يعاني من ركود حاد ويمثل نسبة 1.8 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. أما في الوقت الحالي، فقد أصبحت هذه النسبة في حدود 18.2 بالمائة. وفي منتصف هذه الفترة، أي قبل 17 سنة، انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، لترسّخ مكانتها في المنظمة بين بقية الجهات الفاعلة والمؤثرة في العولمة.

وبشكل عام، جعلت جميع هذه العوامل الصين تتمركز في مرتبة ثاني ناتج محلي إجمالي عالمي، بقيمة 11 مليار دولار، لتصطف مباشرة خلف الولايات المتحدة الأميركية التي تعد القوة الاقتصادية الأولى. في نفس الوقت، تعد واشنطن منافس الصين في الحرب التجارية التي اندلعت يوم الجمعة الماضي، مثيرة قلق ومخاوف العالم.

وأوضحت "كلارين" أن بكين تعتزم الاحتفال بمناسباتها السنوية وهي مقتنعة بأنها ستتمكن من التخلص من الضغط الشديد الذي فرضه البيت الأبيض. وتتمثل إستراتيجية الصين في تحويل حماية ترامب إلى وسيلة تكلفه الكثير، وإخضاع القطب الأميركي وتوجهاته غير العقلانية عبر هذه الضربة.

وفي ظل هذا الوضع، تؤكد الصين أن هذه الخلافات ستسبب أضرارا ذاتية للأطراف التي تولدها. فقط، يحتاج الأمر إلى التريث والانتظار ليظهر الواقع صحة هذه الحقيقة.

وبينت الصحيفة أن الصحافة الرسمية الصينية ذكرت، على نطاق واسع، شهادة أحد رجال الأعمال الأميركيين الذي حذر من توجهات ترامب التي أدت إلى تراجع عدد مواطن الشغل، وغيرها من التداعيات الأخرى التي تسببها هذه السياسات. في نفس الوقت، أدت توجهات ترامب إلى تذبذب الاحتياطي الفيدرالي؛ وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي. بالإضافة إلى ذلك، سلطت هذه التحذيرات الضوء على حالة عدم اليقين وتنامي المخاطر التي تهدد رجال الأعمال.

وأشارت إلى أن غرفة التجارة الأميركية نوهت "بسلسلة المخاطر" التي ستتولد بموجب تطور هذا الصراع، وإمكانية تحوله إلى "حرب تجارية دولية". وترى في نفس الوقت أنه في هذا السيناريو، ستعمل جميع الجهات الفاعلة على "عزل نفسها من أجل تثمين جهودها لضمان البقاء على قيد الحياة".

ونقلت "كلارين" أن ترامب لا يرغب في تحقيق التوازن بين الأسعار والكميات على نطاق عالمي. وتهدد حربه التجارية التوازنات التجارية العالمية أكثر من أي وقت مضى، وتجمد النمو الضئيل الذي سجله الاقتصاد العالمي.

علاوة على ذلك، ستؤدي الحرب التجارية التي يقودها ترامب إلى تقليص حركة التجارة العالمية، وستنقل حالة من عدم اليقين إلى البلدان التي تحاول النمو في ظل الشركات العملاقة. من جهة أخرى، يبدو أن الوضع سيزداد تعقيدا، نظرا لقيادة ترامب حروب أخرى، دعما لحمائيته المبالغ فيها، ضد حلفائه الأوروبيين وجيرانه الكنديين والمكسيكيين. وفي هذا الإطار، فرض ترامب ضرائب على الصلب والألمنيوم لهذين البلدين، ويهدد بفرض عقوبات مماثلة على صناعة السيارات الألمانية.

وأفادت الصحيفة بأن إستراتيجية الصين المعدة لمواجهة هذا التحدي تعاني من بعض نقاط الضعف المرتبطة بالتقدير المبالغ فيه لموقع قوتها. تبعا لذلك، يضعها هذا العامل في صف منافسها الأميركي، أكثر مما يساعدها على التميز عنه. ومن بين الأمثلة التي تسلط الضوء على هذا السلوك الصيني، نذكر أن بكين تحاول إنشاء كتلة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تواجه السياسات الأميركية.

في هذا الصدد، كان نائب رئيس الوزراء، ليو هي، اليد اليمنى للرجل الداعم للانفتاح على العالم لي كيكيانغ، أحد الوجوه الرئيسة التي أشرفت على المفاوضات، من بروكسيل إلى برلين، من أجل تكوين جبهة متحدة من شأنها أن تمارس ضغوطات موحدة على واشنطن. وفي ظل وجود مؤشرات تثير شكوكا حول فعالية هذه الأفكار، لم يخف الاتحاد الأوروبي شكوكه حول الطريقة التي تدير من خلالها الصين الوضع الراهن.

وأوضحت الصحيفة أن بكين ترى في الانجذاب نحو أوروبا فرصة لجعل الولايات المتحدة الأميركية تقف أمام طريق مسدودة عندما تفشل سياسة الاقتصاد المغلق. كما تساعدها هذه الإستراتيجية على منع واشنطن من كسب المعركة وجذب الاتحاد الأوروبي عبر الاتفاقات الثنائية للخروج من الحرب. في الأثناء، يمكن تتضح هذه اللعبة المعقدة خلال الندوة السنوية بين الاتحاد الأوروبي وبكين المتوقع عقدها بتاريخ 16 و17 تموز الحالي في عاصمة العملاق الصيني.

وبينت الصحيفة أن ما سيتم الإعلان عنه خلال هذه القمة سيحدد ملامح الجغرافيا السياسية للعالم. وفي هذا السياق، أكد نائب رئيس الوزراء، ليو هي، أنه سيتم الإعلان عن انفتاح على الاستثمارات الأوروبية، لم يسبق له مثيل. كما أكد أن هذه الإعلانات ستكون تاريخية.

وأضافت الصحيفة أن للعملاق الصيني معضلاته الخاصة به ومقارنات تاريخية مريرة في هذا السياق. وخلال الشهر الماضي، عانت العملة الصينية، اليوان، من أكبر انخفاض شهري لها منذ ربع قرن. نظرا لذلك، من شأن هذا الانهيار الذي وصل إلى حدود 3.3 بالمائة أن يعرقل الإستراتيجية التي تسعى الصين إلى تنفيذها.

وفي الختام، قالت الصحيفة إن هذا الانهيار المفاجئ في العملة الصينية يعد مؤشرا على بداية الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، لأن الأسواق تستبعد أن يتم التوصل إلى حل تفاوضي على المدى القصير. في الوقت ذاته، تحذر بعض المؤشرات الأخرى بشكل مسبق من مشاكل مالية خطيرة. وعلى عكس ما يعتقد ترامب، تؤكد العديد من العلامات أنه لا توجد جهة رابحة في هذه الحرب، ويوجد فقط أضرار وأكاذيب وانتكاسات.

(كلارين - عربي 21)

صورة editor11

editor11