تساءلنا وكتبنا مراراً وتكراراً: هل آحادية الزعامة تُتيح المنعة والقوة للطائفة السُنّية، أم هو إجماع السُنّة بتلاوينهم على وحدة الموقف فيما يختصّ بتطلعاتهم وشؤونهم وأمورهم ومصالحهم وحقوقهم؟
وكتبنا أيضاً: هل التعدّدية دليل انقسام وضعف؟ وهل يسري هذا القول مثلاً على الثنائية الشيعية، أو الثنائيّة المسيحيّة (مع وجود تعدّدية ممثلة على سبيل المثال بحزب الكتائب وتيار المردة)، أو الثنائيّة الدرزية (المُتجهة نحو تعدّدية ثلاثيّة).
التعدّدية لا تدلّ حكماً على تساوي أقطابها وهذا واضح للعيان في التعدّديات السياسيّة الحاليّة، والتعدّدية السُنّية لن تشذ عن هذه القاعدة ولن تعني قطعاً نفي صفة تقدّم أحد أقطابها على أقرانه من حيث حجم التمثيل ورقعة الإنتشار.
ثمّ ألا يلعب اختلاف الرأي (الاختلاف وليس الخلاف) ضمن الطائفة الواحدة دور الوسيط بين مُختلف الأفرقاء، والعازل الذي يمنع الإنقسام الحاد والتفجير في لبنان؟ ألا يدعو المثل الشعبي القديم إلى الحذر والحيطة بحيث "لا نضع البيض في سلة واحدة"؟ أليس في تنوّع الرأي غنىً لأن رأيين (أو أكثر) أفضل من رأي واحد؟ والأهمّ من هذا كلّه التوجيه الربّاني: "أمرهم شوَرى بينهم".
من المؤسف والمُعيب إتّهام كلّ منْ لم يصوّت لـ"تيار المستقبل"، أو منْ ترشّح في لوائح منافسة في الإنتخابات النيابيّة بأنّه خائن ومتواطئ مع "حزب الله" وعميل للمدّ الفارسي في المنطقة!
ولطالما تغنّى "تيار المستقبل" (ولا يزال) بأنّه تيّار عابر للطوائف، ومن هذا المنطلق ومن هذا التموضع الذي اختاره وأعلنه جهاراً وتكراراً، نستغرب أن يدّعي احتكار تمثيل السُنّة. كما أنّه منَ المنطقي والطبيعي أنْ نرفض أنْ يتفرد بقرار السُنّة تيّار يُديره مستشارون غالبيتهم من خارج الطائفة، الأمر الذي من المستحيل أنْ نراه لدى الطوائف اللبنانية الأخرى!
على أي حال حَسمت نتائج الانتخابات النيابيّة أمر احتكار التمثيل السُنّي حيث حصلت كتلة "تيار المستقبل" النيابيّة على عشرة نواب سُنّة فقط (بينهم عدد من الحلفاء) من أصل 27.
في الأيام الماضية صدرت عن الرئيس سعد الحريري مواقف نوعيّة إيجابيّة مُشجّعة حين ردّ على سؤال يقول هل سيكون التمثيل السُنّي في الحكومة لك وحدك؟ فأجاب: أنا لا أفكر كذلك وأنا ليست لدي مشكلة ولا تفكيري في هذا المنطق. كما ردّ على سؤال يقول هل ستكونون يداً بيد مع الرئيس ميقاتي بشأن الإنماء في الشمال؟ فأجاب: لما لا، الرئيس ميقاتي خير من يُمثل طرابلس والشمال، ويجب أنْ نكون دائما على توافق معه في المشاريع التي تخص المنطقة.
البعض يرى أنّ ردود الرئيس الحريري إنما جاءت في إطار اللياقة والمُجاملة، فإذا كان الأمر هكذا فهذه مُصيبة كبرى.
أما إذا كان الرئيس الحريري جاداً ومُخلصاً قولاً وعملاً، فمن باب الإستعارة والإقتباس والقياس، نستعيد ما قاله للدكتور سمير جعجع في احتفال البيال في 14 شباط 2016 مُباركاً الصُلحة مع العماد ميشال عون: "ليتك فعلتها من زمان لكنت وفرت الكثير على المسيحيين".
(عبد الفتاح خطاب - "اللواء")