لم تستطع الأقاوبل والشائعات أن تشوه الوجه الحقيقي لمدينة طرابلس فلهذه المدينة دور بارز وحضاري وتاريخي مشرّف، فمنذ حوالي الألف وخمسمائة سنة ق.م بدأ التاريخ يتحّدث عن مدينة طرابلس التي تُعتبر العاصمة الثانية للبنان وقد أسّسها أجدادنا الفينيقيون في ذاك الحين وتعاقب عليها العديد من الأمم والشعوب منها الرومان والبيزنطنيون والعرب والمماليك والعثمانيون وصولاً إلى حقبة الانتداب الفرنسي. وبفضل التنوع الحاصل فيها وكلنا نعلم ان التنوع هو الغنى الحقيقي، صّنفت بالمدينة الأولى بتراثها الحضاري والثقافي .
عرفت المدينة بأسماءٍ عديدة منها «الفيحاء» لكثرة بساتينها وتنوّع أشجارها وورودها ورياحينها غير أنّها عرفت في العصر الفارسي بـ (أثر) بعد ان أصبحت تمثل اتحاد المدن الفينيقية بأحيائها الثلاثة، وإلى جانب هذا الاسم (أثر) أطلق عليها الإغريق اسم تريبوليس وعُرّبت اللفظة اليونانية من هنا جاءت كلمة "طرابلس"
وطرابلس تتميز بموقعها الجغرافي على ساحل البحر والتي تسامر غابة الأرز الشامخة وهي تبعد عن العاصمة بيروت نحو 85 كيلومتراً كما تبعد عن الحدود السورية نحو 40 كيلو متراً، وتبلغ مساحتها حوالي 15 كلم2، بما فيها الميناء، ويوجد أمام ساحلها مجموعة جزر صغيرة أهمها: جزيرة الرامكين والنخل وجزيرة سنني، وقد أعلنت جميعها عام 1993 محمية طبيعية بحرية تعرف باسم محمية جزر النخل.
عرفت طرابلس النهضة الحقيقية في العصر الروماني ولكن عادت ودمرت خلال العهد البيزنطي بفعل زلزال أدّى إلى انقضاض البحر عليها.
ولكنها عادت للعب دور هام كقاعدة عسكرية في عهد الأمويين. وفي العصر الفاطمي تميّزت بحكم ذاتي مستقّل وأصبحت مركزاً للعلم لا مثيل له في المنطقة ثمّ حوصرت وسقطت بيد الإفرنج الصليبيين وتضررت معظم معالمها بشكل كبير، وبخاصة مكتبتها المعروفة باسم «دار العلم» والتي كانت تضم ثلاثة ملايين مخطوط وكانت تنافس في غناها مكتبة بغداد.
بعدها دخلت تحت السيادة العثمانية، فازدادت عمراناً واتساعاً، وتضاعف عدد مساجدها ومدارسها وزواياها وتكاياها وحمّاماتها وخاناتها، ودام حكم الاتراك على طرابلس نحو أكثر من أربعة قرون باستثناء ثماني سنوات خضعت فيها للحكم المصري حين دخلها إبراهيم باشا ابن محمد علي الكبير واتخذها قاعدة عسكرية أثناء حملته على بلاد الشام وأقام فيها ثم عادت بعدها إلى الأتراك العثمانيين بعد جلاء المصريين عنها لتخضع بعدها للانتداب الفرنسي سنة 1918 م. فكانت «ساعة التل» آخر ما تركه العثمانيون من آثار في طرابلس.
وكانت المدينة في كل عهود التاريخ شهيرة بغنى طبيعتها وحسن رونقها وازدهارها. وكانت حاصلاتها غزيرة جداً بفضل المياه التي تتدفق إليها من نهر أبو علي الذي يتدفق من مغارة قاديشا في أعالي جبل المكمل، وهو يعرف بنهر أبو علي نسبة إلى «أبو علي بن عمار» أحد ولاتها من أسرة بني عمار الذين حكموا طرابلس في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي.
ونستطيع القول ان طرابلس ليست بمدينة عادية، فهي مدينة العلم والعلماء والعيش المشترك الواحد بين جميع مكونات المجتمع الذي يعيش فيها.
وهي اضافة الى ذلك تعتبر من أهم المراكز التجارية والصناعية نظرا لموقعها الجغرافي المهم، تقتطنها خيرة العائلات وأرقاهم من مختلف الطوائف والملل واهلها بغالبيتهم مسالمين غير متطرفين ووطنيين ولطالما امتازت بهذا النسيج والخليط الوطني بامتياز من اهل السنة، المسيحيين، والعلويين وستبقى كذلك..
لذا ولأنها طرابلس دون غيرها ،فقد طلب الناشط السياسي والبيئي د. بول الحامض من اهل مدينة طرابلس الفيحاء التريث والابتعاد عن الفتن والمشاكل لأن العمل جاري لجلب الاستثمارات وفرص العمل لشباب المدينة وأهلها لتعود وتنطلق من جديد وتستعيد تاريخها ودورها الريادي من ضمن العواصم المعترف بها عالميا ودوليا من الناحية الإقتصادية حسب ما صرح لموقعنا..
ها هي طرابلس مدينة التلاقي والعيش المشترك وعروس الشمال تأخذ جرعة امل من جديد .. فلا تدعوها تغرق في وحول الفتن وزواريب السياسة والطائفية..