في وقت يعيش خمس سكان المنطقة العربية تحت خط الفقر، حسب دراسة حول مستقبل التنمية في المنطقة العربية صدرت عن للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا(الاسكوا) في عام 2017، وبالتزامن مع انهماك لبنان بالتحضير للمشاركة في 3 مؤتمرات دولية في كل من روما وبروكسل وباريس، الغاية منها تعزيز امنه واستقراره وتحفيز الدول المانحة في اطار الاستجابة لازمة النزوح السوري على الانتقال من التدخل الانساني الى التدخل التنموي المستدام والاستثمار في تحديث البنى التحتية وخلق فرص عمل، بدأ المؤتمر الإقليمي الثامن لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني اعماله أمس تحت عنوان: "دعم الاستقرار والتنمية في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط".
مؤتمر يستمر على مدار 4 ايام في فندق مونرو، ويشارك فيه نخبة من الباحثين والأكاديميين والدبلوماسيين والإعلاميين والعسكريين من لبنان و20 دولة.
العميد ابي فرّاج
وتتوزع جلساته الحوارية على ثلاث مجموعات هي: "التعايش السلمي والتنمية المجتمعية، استراتيجيات التنمية الاقتصادية، وأنظمة الحكم ومستقبل المسار الديموقراطي في المنطقة"، حسبما أعلن مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني العميد الركن فادي ابي فرّاج في الجلسة الافتتاحية.
فأهمية التنمية حسب أبي فرّاج تبرز في "الحفاظ على تماسك المجتمعات والأوطان، وكلما واكبت هذه التنمية متطلبات العصر وحاجات المواطنين، كان الاستقرار بمفهومه الشامل أكثر ديمومة وقدرة على مواجهة المصاعب والمتغيرات".
المدير الاقليمي للبنك الدولي
المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الاوسط في البنك الدولي، الدكتور ساروج كومار جا، لفت الى عدم امكانية تحقيق تنمية من دون استقرار والعكس صحيح، بدليل أن ملياري شخص يعيشون في بلدان تشهد فيها التنمية ركوداً بسبب الهشاشة والنزاعات والعنف"، متوقعاُ أن تبلغ نسبة فقراء العالم الذين يعيشون في ظروف غير مستقرة او في اوضاع متضررة من الصراعات نحو 46 في المئة".
وقال كومار جا: "نحن في حاجة الى الامن، وهنا تلقى مسؤولية كبيرة على اكتاف جيوشنا، والامن هو المسؤول عن صون التنمية. فايجاد الحلول الملائمة للمشاكل الاقتصادية والسياسية والامنية التي تعيق التنمية وتوقع الدول الضعيفة في فخ العنف يحتاج الى تعزيز دور المؤسسات الوطنية ، الجيوش بصورة خاصة ، وتحسين الحوكمة من خلال اعطاء الاولوية لمصالح مواطنينا".
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين التنفيذي للجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا(الاسكوا) الدكتور محمد علي الحكيم ركّز في مداخلته على الأبعاد المتداخلة للإستقرار والتنمية، مُنطلقاً من خطة التنمية المستدامة لعام 2030
كإطار لتحقيق التنمية والاستقرار وتعزيز المسار الديمقراطي، مشدداً على التعايش السلمي مدخلاً لتحقيق التنمية المجتمعية التي تشكل اساس التنمية الاقتصادية المستدامة.
وعرّج الحكيم على التحديات الماثلة امام تنفيذ خطة 2030 في الدول العربية من تراجع دور الدبلوماسية المتعددة الاطراف في حل النزاعات وتصاعد نفوذ التيارات الانعزالية المتطرفة والاصولية في بلدان الشمال والجنوب، وتأثير النزاعات المسلحة وحالات عدم الاستقرار في الدول العربية وعمليات مكافحة الارهاب على عملية التنمية.
وأشار الحكيم إلى انّ "الأسكوا" تقترح لمعالجة تحديات الامن والسلام والتحول السياسي والمؤسساتي والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، تعزيز قدرة الدول الاعضاء على معالجة الاسباب الجذرية للنزاعات وتحليل اثرها على التنمية
والتخفيف من تداعياتها الجانبية وتطوير نهج وطنية وإقليمية للتصدي لاثارها غير المباشرة والطويلة الامد، وتسهيل قيام منابر حوار تقنية دائمة وطنية وإقليمية تجمع الشركاء في التنمية لدعم عملية بناء السلام بعد النزاع، وتعزيز القدرات الوطنية والاقليمية للتخفيف من آثار الاحتلال الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي
رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان السفيرة كريستينا لاسن رأت أنّ "عدم الإستقرار بات العرف السائد في المنطقة في العقد الاخير، وأنّ الاتحاد الاوروبي يرى تلازماً بين مساري التنمية والاستقرار، وهذا ما خصلنا اليه في استراتيجية الاتحاد الاوروبي للسياسة الخارجية في عام 2016".
وأشارت الى أنّ الاتحاد الاوروبي يعتبر "أنّ الامن لا يمكن مقاربته من دون الاستثمار الواسع في منع النزاعات وتحديد الجذور الرئيسية لعدم الاستقرار، مع تحفيز النمو، وإيجاد فرص عمل"، مُوضحةً انّ "الاتحاد يُدرك أنّ لا امن مستدام في الاتحاد الاوروبي من دون سلام في دول الجوار".
وذكّرت لاسن بأنّ الإتحاد الاوروبي وقبل الازمة السورية وقّع اتفاقية الشراكة مع لبنان في 2006، وقد قرر تعزيز تعاونه مع لبنان في اربعة مجالات وهي الامن ومواجهة الارهاب، والحوكمة وسيادة القانون، والنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، والهجرة".
ولفتت لاسن إلى أنّ "تحقيق تقدم في هذه المجالات الاربعة يساهم في تحقيق الاستقرار والتنمية في لبنان، وهذا سيكون محور المؤتمرات الثلاثة المرتقبة في باريس وروما وبروكسل"، مشددةً على أنّ "تجديد الحكومة اللبنانية الالتزام بسياسة النأي بالنفس من شانه تعزيز الاستقرار في منطقة تغرق بالصراعات".
وتابعت: "نتطلّع الى المخطط التوجيهي للاستثمارات الذي ستقدمه الحكومة في مؤتمر باريس، وأجدد التأكيد أنّ الإتحاد الاوروبي كان سبّاقاً في مساندة لبنان وكل دول الجوار التي استضافت اللاجئين ولم يغفل النازحين داخل سوريا ، ولكن وحده الحل السياسي يمكن ان ينهي المأساة في سوريا".
المنسق المقيم لأنشطة الامم المتحدة
المنسق المقيم لأنشطة الامم المتحدة ومنسق الشؤون الانسانية في لبنان فيليب لازاريني أكّد انّه مع دخول الازمة السورية عامها الثامن، "لا يزال لبنان في طليعة الدول المتأثرة بالازمة السورية، وهو ما يعوّق النمو الاقتصادي ومسارات التنمية".
واعتبر أنّ "هدف المؤتمر التركيز على الترابط بين التنمية والاستقرار، وهو اهر مشابه لمقاربة الامم المتحدة لبنان والتي تقوم على ثلاثة ركائز ، السلام والامن، الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية – الاجتماعية".
وقال لازاريني: "صحيح أنّه منذ بدء الازمة السورية تلقى لبنان مساعدات إنسانية بقيمة 6 مليار دولار لمساعدته للتعامل مع آثار الازمة، ولتحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي، وقد استفاد من هذه المساعدات اللاجئون السوريون والمجتمعات المضيفة على حد سواء، ولكن هذا الدعم السخي لم يكن كافياً لتلبية كافة الحاجات ولم يمنع من ازدياد مظاهر الهشاشة والضعف في لبنان. فالتوتر بين المجتمعات المضيفة والنازحين يتصاعد وحتى بين داخل المجتمعات نفسها، في ظل المنافسة الحادة على فرص العمل في الوظائف التي لا تتطلب مهارات عالية".
وختم لازاريني قائلاً: "لقد وصلنا الى نتيجة مفادها بان التدخل الإنساني لا يكفي وحده لقلب الموجة، بل يجب ان يتكامل مع الجهود لتحقيق التنمية وبناء السلام. نحتاج ان نعمل معاً من اجل وقف الانحدار الاقتصادي بالاستثمار في قطاعات انتاجية رئيسية وتحديث البنى التحتية للبنان، وتشجيع الاصلاحات البنيوية الرئيسية".
حاكم مصرف لبنان
ويبقى في نظر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّ "الإستثمار في القطاع الخاص ودعم نشاطاته هو المفتاح الأهم لتحفيز عملية النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة، لما في ذلك من تأثير إيجابي على مستوى الإنتاجية وخلق فرص العمل والحد من الفقر".
وفي رأي سلامة أنّ "وجود سياسات إقتصادية ملائمة تؤمن بالشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص، وبالتنافسية ليكون النمو عملية مستدامة، من شأنها تأمين الاستقرار المالي والاجتماعي".
فالشراكة بين القطاع العام والخاص ستؤدي إلى "تطوير البنى التحتية من دون إرهاق الدولة بديون إضافية وبالتالي من دون العودة الى زيادة حجم الدين العام الى الناتج المحلي"، حسب سلامة، لكن ذلك سيبقى متعذراً إن لم يتم التنسيق بشكل متكامل بين الوزارات والادارات المعنية ووجود ورؤية موحّدة لمستقبل لبنان الاقتصادي لكي ينتج عن ذلك قوانين تحفّز القطاع الخاص على الاستثمار.
يتابع المؤتمر الإقليمي الثامن جلساته النقاشية، فيما تغرق غالبية دول العربية في صراعات وحروب وأزمات طال أمدها، واحتلال اسرائيلي لفلسطين منذ سبعة عقود. الامل معقود على ان يخلص المشاركون إلى تقديم توصيات، تكون قابلة للتطبيق في مجال بناء أسس التنمية المستدامة، وهذا ما عوّدنا عليه مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني في مؤتمراته السبع السابقة، لكن من دون افراط في التفاؤل على امكانية ترجمتها الى سياسات عامة، فالكرة تبقى في ملعب الطبقة السياسية الحاكمة.
لبنان 24