ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في بكركي، وعاونه النائب البطريركي المطران بولس صياح، والمطارنة: حنا علوان، عاد ابي كرم وغريغوري منصور.
حضر القداس وفد من الكهنة البولونيين، رئيس مجلس بلدية لحفد ابراهيم مهنا وأعضاء المجلس البلدي، راهبات العائلة المقدسة المارونيات - البترون ورئيسة الجامعة الاخت ماريا دو كريست، رئيسة ثانوية مار الياس الاخت جورج ماري عازار وأفراد الهيئتين التعليمية والادارية.
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان:"طوبى للأعين التي ترى ما أنتم تنظرون"
(لو 10: 23)، ومما جاء فيها: "رأى تلاميذ يسوع وجهه إنسانا، فآمنوا به ربا ومعلما، وأحبوه وتبعوه، وأصغوا لكلامه، خلافا للذين رأوه فحسدوه ورفضوه ووجدوا فيه منافسا لزعامتهم ثم قتلوه صلبا. لكن الرب جاء خادما متواضعا محبا، يقول الحق ويعيش ببساطة. يقترب من المرضى والخطأة وذوي الاحتياجات، ليشفيهم نفسا وجسدا. ولهذا قال للتلاميذ: "طوبى للأعين التي ترى ما أنتم تنظرون" (لو10: 23).
وقال: "يسعدنا أن نلتقي معكم ونحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية. فأرحب بالجميع وعلى الأخص بسيادة اخينا المطران غريغوري منصور مطران ابرشية مار مارون - بروكلين في الولايات المتحدة الاميركية، وهو من اول الوافدين الى سينودس الاساقفة الذي سيعقد الاسبوع المقبل. كما ارحب بوفد الكهنة البولونيين الآتين من كاراكوفيا، وبرئيس مجلس بلدية لحفد الجديد، السيد ابراهيم مهنا، واعضاء المجلس. فنهنئكم ونتمنى لكم النجاح في عملكم وسعيكم إلى تأمين ازدهار لحفد العزيزة التي اصبحت بفضل ابنها الطوباوي الأخ اسطفان مركز حج ديني وطني واقليمي وعالمي. ونرحب براهبات العائلة المقدسة المارونيات الآتيات من البترون العزيزة، رئيسة الجامعة الأخت Marie du Christ، ورئيسة ثانوية مار الياس الأخت جورج ماري، وبعضا من أفراد الهيئتين الادارية والتعليمية. وقد أسعدنا بزيارة هاتين المؤسستين التربويتين منذ اسبوع، ووضعنا الحجر الاساس لكنيسة مار الياس في المدرسة. ندع لهما دوام الازدهار في خدمة اجيالنا الطالعة. كما نحيي كل الهيئات القضائية والامنية والاعلامية الحاضرة معنا".
أضاف: "تعلمون أن سينودس أساقفة كنيستنا البطريركية المارونية يعقد اجتماعه السنوي طيلة الأسبوعين المقبلين: في الأول يخلد الآباء للصلاة والتأمل في الرياضة الروحية. وفي الأسبوع الثاني، ينصرفون لأعمال السينودس وفقا لجدول الأعمال الذي يتناول مواضيع ليتورجية وإدارية وتدبيرية، والاطلاع على أوضاع الأبرشيات في بلدان الانتشار والنطاق البطريركي وحاجاتها، وشؤون التنشئة الكهنوتية في مدارسنا الإكليريكية وكليات اللاهوت، وخدمة العدالة في محاكمنا المارونية وتطبيق الإرادة الرسولية "يسوع العطوف الرحوم" حول إصلاح أصول المحاكمات القانونية في دعاوى إعلان بطلان الزواج، التي أصدرها قداسة البابا فرنسيس ودخلت حيِز التنفيذ في 8 كانون الأول 1915. هذا بالإضافة إلى التباحث في ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في لبنان وبلدان الشرق الأوسط. فنطلب أن ترافقونا بالصلاة لكي تأتي الرياضة الروحية بثمارها المرجوة، وتؤول أعمال السينودس المقدس إلى مجد الله وخير الكنيسة وأبنائها".
وتابع: "طوبى للأعين التي ترى ما أنتم تنظرون" (لو10: 23).يطوِب الرب يسوع الذين ينظرون بعين الجسد ويرون بعين القلب والعقل والضمير، حقائقَ تفوق ماديات رؤية العين. عندما نظر توما إلى جراح المسيح في يدَيه ورجلَيه آمن بألوهيته وهتف: "ربي وإلهي!" فقال له يسوع: "ألأنك رأيتني، يا توما، آمنت؟ طوبى للذين لم يرَوني وآمنوا" (يو 20: 27-29).
تلميذا يوحنا المعمدان عندما سألا يسوع: يا معلم أين تقيم؟ وقال لهما: تعاليا وانظرا، وذهبا ونظرا أين يقيم، وآمنا أنه المسيح المنتظر وقالا لبطرس: لقد وجدنا المسيح (راجع يو1: 38-41). وفيليبس لما لبى دعوة يسوع لابتاعه فرآه وآمن، جاء يقول لنتنائيل: "إن الذي كتب عنه في شريعة موسى وفي الأنبياء قد وجدناه. إنه يسوع ابن يوسف من الناصرة" (راجع يو1: 43-45).
ويوحنا الرسول، عندما أتى مع بطرس إلى القبر صباح أحد قيامة الرب، ورأياه فارغا إلا من المنديل والأكفان، قال عن نفسه: "دخل التلميذ الآخر ورأى وآمن"(راجع يو20: 3-8). وفي مستهل رسالته الأولى، كتب يوحنا: "ذاك الذي كان من البدء، ذاك الذي سمعناه ونظرناه بعيوننا، وشاهدنا ولمسنا بأيدنا، ذاك هو كلمة الحياة، به نبشركم" (1يو1: 1).
أضاف: "نحن من جهتنا نرى الرب يسوع في جسده السري، جماعة المؤمنين، المعروفة بالكنيسة. نراه في "إخوته الصغار": الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين (راجع متى 25: 34-40). نراه في شخص الكاهن الذي أولاه، رعاية الخراف التي اقتناها بدمه، لكي باسم المسيح وبشخصه يكرز بكلمة الحياة، ويوزع نعمة الأسرار، ويبني الجماعة المؤمنة موحَدة على أساس الحقيقة والمحبة.
فنرجو أن نؤمن به مثل الذين ذكرناهم، ونبني علاقة شخصية معه، فنعمل بموجب كلامه، ونتقدس بنعمة أسراره، ونسهم في بناء كنيسته".
وتابع: "إن العلاقة بشخص المسيح، وبواسطتة بالله الواحد والثالوث، لا تقتصر على الشأن الروحي - العمودي وعلى الشأن الداخلي في الإنسان، بل انطلاقا من هذه العلاقة يستطيع كل واحد منا أن يبني علاقة سليمة على المستوى الاجتماعي-الأفقي. "فسلام مع الله، سلام مع الخليقة كلها". من العلاقة الروحية مع الله تولد القيم الأخلاقية، وقاعدة التمييز بين الخير والشر، بين العدل والظلم، بين الحقيقة والكذب".
وقال: "أن الأزمات التي تحدث في العائلة والمجتمع والدولة، إنما تعود في الأساس إلى أزمة علاقة غير سليمة مع الله، وبالتالي إلى فقدان قاعدة التمييز بين الخير والشر الموضوعيين. إذا فكرنا بالأزمة السياسية عندنا التي بلغت إلى حالة تفكك أوصال الدولة، بدءا من بتر رأس الدولة بعدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنتين وعشرة أيام، فنجد أن هذه الأزمة السياسية هي نتيجة انتهاك لهذه القاعدة التي يحددها الدستور والميثاق الوطني. ولذا، بات من واجب الكتل السياسية والنيابية الإقرار والاعتراف بهذا الخطأ الفاضح، وعدم تخبئته وراء اتهامات متبادلة ومشاريع فئوية غامضة ومصالح مبهمة ومواقف متحجرة. يجب إعادة إحياء الدولة بمؤسساتها التي تجعل منها دولة قادرة منتجة، تعلو فوق الأشخاص والفئات، وهي وحدها تحمي الجميع، وتوفر خيرهم، فيعيش الجميع في ظل قانون يضمن الحقوق والواجبات لكل المواطنين. ولا يمكن بناء الدولة بمؤسساتها الا بدءا برأسها وبانتخاب رئيسها".
وتابع: "إذا تناولنا مأساة بلدان الشرق الأوسط التي تعيش معاناة الحرب والعنف والقتل بالآلاف والتهجير بالملايين والهدم والدمار، ندرك تماما أن أمراء هذه الحروب لا يعترفون بالله ولا يخافونه، وبالتالي يمارسون السلطة الشرعية لبلوغ الغاية الاليمة التي نشهدها في مأساة الشعوب، ولبلوغ مصالحهم السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. إننا نصلي لكي يمس الله ضمائرهم وضمير الاسرة الدولية فيوقفوا الحروب ويجدوا الحلول السياسية، ويوطدوا السلام العادل والشامل والدائم، ويمكنوا النازحين واللاجئين والمخطوفين من العودة إلى بلدانهم وممتلكاتهم".
وختم الراعي: "نسأل الله أن يمنحنا نعمة رؤيته بالايمان، فيما ننظر علامات حضوره المتعدد الوجوه. فندخل في علاقة داخلية معه من شأنها أن تصلح كل علاقاتنا الخارجية مع جميع الناس. ومعا نرفع نشيد المجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".