التبويبات الأساسية

ما مدى تأثير اغتيال الجنرال قاسم سليماني على الداخل الإيراني؟ وما انعكاسه على الصراع الدائر بين المحافظين والإصلاحيين في إيران؟ عقب الإغتيال بدا المشهد الداخلي الإيراني موحداً متماسكاً في مواجهة التهديدات الخارجية، إلّا أنّ تداعيات الأيّام اللاحقة، خصوصاً بعد اعتراف الحرس الثوري الإيراني بمسؤوليته عن إسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ، أظهرت أن اتحاد الجبهة الإيرانية الداخلية كان آنياً، ويخفي تحت رماده نيراناً قد تشتعل، في أيّ وقت كما حدث في أحداث "انتفاضة تشرين" 2019 التي عمت غالب المحافظات الإيرانية.

وكان لافتاً في أحداث الأيّام الماضية إقدام متظاهرين إيرانيين على إحراق صورة كبيرة لقاسم سليماني في طهران ومدن إيرانية أخرى، وهتافهم ضدّ النظام الإيراني، وضدّ المرشد الأعلى علي خامنئي، كما وجه المعارض الإصلاحي مهدي كروبي رسالة غاضبة للمرشد الأعلى طالبه فيها بالتنحي بسبب إسقاط الطائرة الأوكرانية.

ووفقاً لمراقبين، فإنّ النظام الإيراني سعى بعد مقتل سليماني إلى توظيف الحدث "لبناء صورة عن وجود وئام وطني بعد مقتله" لكن الواقع كما يؤكّد الإعلامي الأحوازي محمد مجيد "كان يقول عكس ذلك تماماً، لأن الشارع الإيراني ما زال يتداول قضية قمع احتجاجات نوفمبر، وحجب شبكة الإنترنت إلى عدة أسابيع في إيران". وأضاف: "ثم جاء مقتل سليماني، الذي رأى فيه الشارع أنه أسقط هيبة النظام الإيراني داخليا وخارجيا، خاصة بعد الرد الإيراني العسكري الفاشل على مقتل سليماني، وإسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ إيراني ومقتل 176 من ركابها، وهو ما يشير إلى وجود غضب عارم في الشارع الإيراني، والذي تفجر بعدما اعترف النظام بمسؤوليته عن إسقاط الطائرة بالخطأ".

وتابع: "يضاف إلى ذلك كله أنّ حجم المعاناة والمأساة والفقر، والإقصاء الذي يعاني منه الشعب الإيراني لا يمكن الالتفاف عليه تحت عنوان وذريعة مقتل سليماني على يد الأمريكان في العراق".

ولفت الأحوازي إلى أنّ "الرئيس الإيراني الأسبق أحمد نجاد وجه انتقادات شديدة للجنرال قاسم سليماني قبل مقتله، وكذلك انتقده الناشط السياسي الإيراني مهدي خزعلي وآخرون غيرهما، بسبب سياسة إيران الخارجية حيث كانت مجموعة من الإيرانيين إلى جانب الشارع الإيراني يرون أن جزءاً كبيراً من معاناة الشعب الإيراني الاقتصادية داخل إيران مرتبطة بأنشطة فيلق القدس خارج إيران".

وطبقاً للأحوازي "فثمة تذمر شديد في الشارع الإيراني بسبب أنشطة فيلق القدس، ذراع المرشد خامنئي لتنفيذ أجنداته في المنطقة العربية، وهو ما يستنزف ثروات الشعب الإيراني، بإنفاقها على المحور الإيراني بالمنطقة، الأمر الذي فاقم كثيرا من معاناة الإيرانيين".

من جهته؛ علق الأكاديمي العراقي، أستاذ الإعلام في الجامعات العراقية، الدكتور فاضل البدراني على صور تمزيق صور قاسم سليماني بالقول: "أعتقد أنّ من مزق صور سليماني هم من أتباع المعارضة الإيرانية بإيران، وربما بعضهم من أقارب ضحايا الطائرة الأوكرانية، التي تزامنت مع ضربات الثأر الإيراني من القوات الأمريكية جراء مقتل سليماني".

ولفت البدراني إلى أنّ "حادثة مقتل سليماني شابها الكثير من اللغط، والمحاولات الأمريكية للتأثير على الرأي العام الإيراني، وإحداث حالة التخبط بعيدا عن الوحدة الوطنية، لا سيما أن حادثة اغتيال سليماني جاءت في أجواء يعاني فيها الشعب الإيراني من ضائقة مالية خانقة منذ الحصار الأمريكي، الذي نال من موازنة إيران حوالي 201 مليار دولار".

وردا على سؤال "عربي21" إن كان مقتل سليماني وحد الإيرانيين بمحافظيهم وإصلاحييهم خلف القيادة الحالية، ذكر البدراني أن حادثة اغتيال سليماني حملت رسائل أمريكية للإيرانيين، منها لفت أنظارهم إلى ما تمتلكه أمريكا من قدرة عسكرية فائقة، تتمتع بقدر عال من الدقة، يمكنها استهداف الأهداف الإيرانية في أي وقت، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا للإيرانيين".

وأردف: "لكن حادثة الاغتيال وحدت قطاعات واسعة من الشعب الإيراني نحو وحدة وطنهم ضد مخاطر الأميركيين، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى وجود أصدقاء لأميركا داخل إيران، ممن يطلقون عليهم عملاء الخارج، فرؤية هؤلاء بالتأكيد بعيدة عن الاندماج في الرأي الوطني الإيراني"، على حد قوله.

بدروه، رأى الأكاديمي الأردني، الخبير بالشأن الإيراني، الدكتور نبيل العتوم أنّ "اغتيال سليماني زاد من صلابة ووحدة تيار المحافظين، وأوجد حالة من التعاطف العام، لكن لا يمكن القول إنه وحد الشارع الإيراني، لأن الشعب الإيراني مثقل بهموم وأزمات اقتصادية خانقة، والمشهد الداخلي الإيراني مأزوم، ومعدلات الفقر والبطالة في ازدياد دائم".

وواصل حديثه بالقول: "إضافة إلى وجود الانقسام بين تياري المحافظين والإصلاحيين، وهو ما أجج الاحتجاجات بعد مقتل سليماني، وبعد حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية، ومشاهد حرق صور خامنئي وسليماني وروحاني تبعث رسائل بأن الشعب الإيراني سئم من سياسات النظام، بشقيه المحافظ والإصلاحي".

وعن دلالة إقدام إيرانيين على حرق صور قاسم سليماني في طهران ومدن إيرانية أخرى، قرأ العتوم أنها "تبعث برسالة مفادها أن قطاعات من الشعب الإيراني ترفض فكرة دعم وتمويل المليشيات والأذرع العسكرية خارج إيران، التي بلغت في العراق 67 مليشيا، كما تنشط في سوريا 34 مليشيا، إضافة إلى حزب الله، والحركة الحوثية في اليمن، وهو ما يؤدّي إلى استنزاف ثروات الشعب الإيراني في معارك وحروب خارجية".

وحول مدى تأثير اغتيال سليماني على المشهد الداخلي، توقع العتوم أنّه "سيؤثر كثيراً على المشهد الإيراني الداخلي؛ لأنه صاحب كاريزما متميزة في إيران، وكانت الصحافة الإيرانية تطلق عليه (رامبو إيران)، وهو يمثل عضلات النظام، القادرة على قمع الإحتجاجات الداخلية، وتنفيذ سياسات التمدد الخارجية بنجاح".

ولفت في ختام حديثه إلى أن "المرشد الأعلى خامنئي كان يراهن على سليماني بصفته المرشح الأنسب للرئاسة عام 2021، وهو ما سيحقق لو تم هدفا مهما لخامنئي، بدعم ابنه مجتبى، الذي كان يعده لتولي منصب الإرشاد من بعده، فبفقده فقدت إيران الرجل الحديدي، صاحب المهمات الصعبة".

المصدر: عربي 21

صورة editor14

editor14