رغم ارتفاع عدد الوفيات والإصابات اليومية بفيروس “كورونا”، لا يزال البعض على حاله من الإستهتار. كأن الأرواح التي تزهق كل يوم في المستشفيات لا صدى لها. فبعض “الأبطال” ما زالوا يمارسون حياتهم اليومية كالمعتاد. زيارات ومناسبات وتجمعات في البيوت بدلاً من المقاهي المغلقة. أما عبور حواجز القوى الأمنية فيخضع عند هؤلاء لما اعتادوا عليه من “شطارة” وكذب.
أمام هذه الصورة تعلو صرخات المصابين وعائلاتهم الممنوعة من رؤيتهم، فضلاً عن الموت الذي يبدو وكأنه لأناس من آخر الدنيا. كأن المتوفى فارق الحياة في صحراء وما عليه بضعة أفراد من عائلتهم سوى القيام بواجب الدفن.
مشاهد مأساوية نحياها ونرجو من الله في هذا الوقت أن يضاعف من رأفته بنا، في بلد غير قادر حتى على خدمة نفسه، فكيف بالتعامل مع وباء عالمي؟
لا يقدم الطبيب ن.ج. في حديثه لــ “لبنان 24” سوى ما يؤكد ضرورة تمديد الإقفال وإنزال أشدّ العقوبات بالمخالفين والمستهترين بحياة الناس.
إذ يكشف، وهو فعلياً عند خطّ الدفاع الأول، معايناً مرضى “كورونا” ومكلفاً بعلاجهم، “إن الوفيات في تصاعد مرعب، وهو الرقم الذي يفترض أن يجعل اللبنانيين أكثر خوفاً على حياتهم”.
أما الأخطر من ذلك فما كشفه أن فئة كبيرة من الشباب المصاب في حالة يرثى لها، وبعضهم لم يتجاوز الأربعين من العمر، على عكس ما يشاع أن معظم ضحايا الفيروس من كبار السنّ. ويقدم وصفاً لحالة رئة المصابين الراقدين في غرف العناية الفائقة بالقول “صايرة متل لوح زجاج، معظمهم حالتهم صعبة وعلى مشارف الموت، مع العلم أنهم صبايا وشباب”.
ويشرح أحد الأطباء للبنان 24 أن ما يراه الطبيب لا يراه معظمنا. فنحن لا نسمع مثله أنين المرضى ولا توسلات المتعبين. وحدهم من فقدوا أقرباءهم وشهدوا عذاباتهم يدركون معنى الإصابة بــ “كورونا”.
“الحكي دائماً أنه انفلونزا وبيمرق مش مقبول. هذا الأمر يجعل الناس تخاطر بحياتها وحياة غيرها على اعتبار انه مجرد رشح وخلصنا”، يقول الطبيب ويضيف: “الناس فعلياً عم تموت، وما في علاج واضح ونهائي ومضمون للفيروس حتى وقت يوصلنا”.
ويسرد الطبيب اللبناني الدي يعمل في احدى المستشفيات الكبيرة في بيروت أن فئة كبيرة من الشباب لا تعاني من التهاب رئوي فحسب، بل أن بعضهم يتعرض لجلطات قوية تسدّ الرئتين أو تضرب عضلة القلب، وفي الحالتين فإن الوفاة مرجحة بشكل كبير.
لكن ماذا عن المعلومات التي تتحدث عن تلاعب بحالات الوفاة؟
“هذا وارد”، يجيب الطبيب، “وكما كل شيء فإن الفساد غير بعيد عن القطاع الطبي، لكن هذا لا يعفينا من التعامل مع واقع مرعب. “كورونا” اليوم فيروس قاتل، والضغط كبير وفقدنا زملاء لنا أصيبوا به”.
ويتذكر زميله الطبيب الذي قضى بالفيروس قبل أشهر وهو يرى بأم عينيه كيف أصاب ما يشبه “التشمع” رئتيه كأنهما لوحان من الزجاج قبل أن يفارق الحياة.
“تجربة صعبة. أخرج من البيت وأعلم أنها قد تكون آخر مرة أرى فيها عائلتي. إما أن أصبح في الحجر وأنفد بجلدي أو أن تشتد عليّ العوارض وأصبح في عداد المرضى وأموت كما هي الحال مع الكثيرين اليوم”.
ثم يضيف أنه “من المؤسف أن يصبح الموت أمراً عادياً. أخشى أن نعتاد هذا الوضع. أن يصير الموت كأي شيء آخر ولو بأعداد كبيرة. يجب أن نستيقظ. يجب أن يعاقب كل من يتهاون بحياتنا وحياة أي شخص”.
وإلى حين وصول اللقاحات، يبدو أن الحزم وحده ينقذنا من الأسوأ. لماذا لا يعاقب المخالفون عن سابق إصرار وتصميم بالسجن؟ الإستهتار قتل، والقتل عقوبته واضحة، ماذا تنتظر السلطة لتتخذ قراراها؟