التبويبات الأساسية

قيل الكثير عمّا تضمنه قانون النسبية الجديد من ثغرات كان من الممكن تفاديها لو لم يضع واضعوه مصلحتهم الإنتخابية الشخصية قبل المصلحة العامة، ولو لم تأتِ حساباتهم التفضيلية على حساب المرشحين الآخرين، الذين ليس لديهم سلطة تخّولهم تقديم الخدمات للناخبين الذين سيجدون أنفسهم منحازين طوعًا لتفضيل مرشحين معينين على سواهم ممن لا يستطيعون خدمتهم عندما يحتاجونهم. وهذا الأمر يقودنا إلى الإعتقاد أن ثمة تباينًا وتمييزًا واضحين بين من يملكون "النعمة الوزارية" وبين المرشحين العاديين، الذين لا يملكون سوى ما يطمحون إليه من خلال ما يؤمنون به صوابًا، وفي ذلك ما يكشف إصرار البعض على حصر التفضيل بصوت واحد لا غير.

من غير المنطقي أن يتبارى مرشحان على المقعد نفسه غير متكافئين من حيث الأرجحية والأفضلية. وبغضّ النظر عن أسماء المرشحين لا يمكن لعاقل أن يفهم كيف أن وزيرًا منوطة به مهمة الإشراف على الإنتخابات ينافس آخرين لا يملكون المواصفات الوظيفية نفسها، إذ أن القانون يفرض أن يكون جميع اللبنانيين متساوين بالحقوق والواجبات. وهذا ما لحظه معظم الأحزاب حين فصلت بين النيابة والوزارة، من دون أن يعني ذلك أن ثمة وزراء حاليين هم مرشحون طبيعيون للإنتخابات النيابية (حسين الحاج حسن من "حزب الله"، الرئيس سعد الحريري ونهاد المشنوق وجمال الجراح وجان اوغاسبيان ومعين المرعبي من تيار "المستقبل"، بيار ابو عاصي من "القوات اللبنانية"، غازي زعيتر وعناية عز الدين وعلي حسن خليل من حركة "امل"، جبران باسيل وسيزار ابي خليل من "التيار الوطني الحر"، مروان حماده من الحزب التقدمي الإشتراكي، طلال إرسلان من الحزب الديمقراطي)، أي أن أربعة عشر وزيرًا يتقدّمون حكمًا على منافسيهم الآخرين، أولًا بالحاصل الإنتخابي وثانيًا بالأصوات التفضيلية.

صحيح أن ثمة قرارًا متخذًا من قبل "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" وجاراهما بذلك مؤخرًا "حزب الله" بفصل النيابة عن الوزارة، ولكن ذلك لا يمنع أن يكون وزراء حاليون مرشحين على الإنتخابات النيابية، وكان الأفضل الأّ يترشحوا لكي تكون العملية الديمقراطية سليمة مئة في المئة ولا تشوبها اي شائبة، تمامًا كما فعل الرئيس نجيب ميقاتي عندما كُلف برئاسة حكومته الأولى التي أنيطت بها مهمة الإشراف على الإنتخابات النيابية أخذ وعداً على نفسه بعدم الترشح للنيابة ضماناً لحياد حكومته التي قامت بإجراء إنتخابات في موعدها في شهر أيار من العام 2005، بديمقراطية ونزاهة بإعتراف كل القوى السياسية اللبنانية والجهات الدولية المعنية. وهذه كانت المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يلتزم فيها رئيس حكومة الحياد في الإنتخابات، إلى حد تخليه عن ترشيح نفسه.

ما فعله يومها الرئيس ميقاتي كان أمرًا بديهيًا وأتى منسجمًا مع مبدأ وقوفه على الحياد من دون أن يكون لتدخّله عبر ترشيح نفسه أي تأثير على مجرى الإنتخابات، وهذا ما يُفترض أن يقوم به الوزراء الحاليون إعترافًا منهم بأحقية التنافس المتكافىء بين المرشحين ولضمان ديمقراطية العملية الإنتخابية.

(أندريه قصاص- لبنان 24)

صورة editor11

editor11