التبويبات الأساسية

لا أحد يعرف حتى الآن تمام المعرفة إذا كان نادر الحريري قد تخلّى عن مهامه كمدير لمكتب إبن خاله سعد الحريري من تلقاء نفسه، أم أن ثمة معطيات أخرى لم تتضح بعد، وإن كان ثمة كلام كثير حول الأسباب والخلفيات، كانت وراء "إبعاده" عن دائرة الضوء، بعدما كان "الرجل الأول" في "التيار الأزرق"، الذي كان قادرًا إلى حدّ بعيد على تصوير الأسود على أنه أبيض حتى تسير الأمور وفق ما يرتئيه صوابًا، بعد أن يكون قد نسّق كل خطواته مع رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، وبعد أن يبصم الرئيس الحريري على بياض نادر – جبران.

وفي عودة، ولو سريعة، إلى الوراء، وبالتحديد عندما عاد الرئيس الحريري إلى لبنان منذ عامين تقريبًا بعد رحلة تغييب دامت حوالي ثلاث سنوات، وكان حاملا معه مشروع ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، حصل تفاهم معراب ورشحت "القوات اللبنانية" الجنرال ميشال عون للرئاسة ولحق بها في ما بعد سعد الحريري الذي تبنى هذا الترشيح.

وقد جاء ترشيح الحريري لعون بعد إتفاق حصل بين نادر الحريري والوزير باسيل نوقشت في خلاله كل ملامح وتفاصيل المرحلة المقبلة وكان أهمها تسلم الحريري رئاسة الحكومة.

لكن ظهر في ما بعد أن هذا الإتفاق بات يتحكم بمفاصل الدولة وأزعج العديد من الأفرقاء اللبنانيين كالرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط و"القوات اللبنانية"، إذ أن كل الملفات التي كانت تطرح في مجلس الوزراء كانت ثمرة إتفاق مسبق بين نادر وجبران، وكان يظهر موقف التيارين موحدًا في العديد من القضايا على قاعدة المحاصصة والصفقات بإستثناء الفترة التي تلت لقاء باسيل بوليد المعلم في نيويورك.

وبعد إستقالة الحريري من الحكومة وعودته عنها لاحقًا، تراجعت أسهم نادر الحريري ولم تعد كلمته مسموعة كما كانت من قبل، حتى أتت الإنتخابات النيابية الأخيرة، وهي كانت مخيبة لآمال "التيار الأزرق"، الذي أتخذ من "الخرزة الزرقاء" شعارًا في حملته الإنتخابية.

وبنتيجة هذه الخسارة التي كان البعض يتوقعها لتيار "الخرزة الزرقاء"، أصبح الكلام داخل التيار وفي الأطر الضيقة كلامًا مختلفًا، إذ وجّهت أصابع الإتهام للحلقة الضيقة المحيطة واللصيقة بالرئيس الحريري محمّلة إياها مسؤولية الفشل، مع ما سبق ورافق هذه الإنتخابات من تطورات متسارعة على خط معراب – السفارة السعودية في بيروت، وإستبدال السفير السعودي السابق وليد اليعقوب بالقائم بالإعمال وليد البخاري، وعدم تجاوب الحريري مع رغبة الرياض بقيام تحالف بين بيت الوسط ومعراب. وقد يكون وجود نادر الحريري إلى جانب إبن خالته وتحالفه مع الوزير باسيل قد حال دون تلاقٍ "قواتي – مستقبلي"، أقله في مرحلة الإنتخابات.

أما وقد أسفرت الإنتخابات عن تقدّم ملحوظ لكتلة "القوات اللبنانية"، وبعدما أصبح موقف الرئيس الحريري كمرشح لترؤس الحكومة العتيدة ضعيفًا، فإن معالم المرحلة المقبلة باتت تفرض عليه تغيير تكتيكاته وتحالفاته فكان قرار"إبعاد" نادر عن الواجهة من ضرورات "عدّة الشغل" للمرحلة الآتية في مواجهة "حزب الله" سياسيًا، وهذا الأمر يعيد طرح المسائل من زوايا مختلفة عما كانت عليه في الماضي، خصوصًا إذا لم يعاد تسمية باسيل وزيرًا محتملًا في التشكيلة الحكومية المقبلة، مع مراعاة حيثية علاقات الحريري بالعهد، ولكن من دون أن تكون معادلة نادر – جبران من ضمنها.

صورة editor11

editor11