من المُحاولة الفاشلة لربط إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجُمهوريّة بتوافق مُسبق على "سلّة" تفاهمات، مُرورًا بمحاولة منع حُصول الرئيس المُنتخب على حصّة وزاريّة مُستقلّة، وبالمُطالبة بتوسيع التمثيل الوزاري ليشمل مختلف القوى السياسيّة بشكل فضفاض ومبالغ فيه، وُصولاً إلى محاولة فرض "فيتو" على حُصول حزب "القوات اللبنانيّة" على حقيبة "سياديّة" أو على تمثيل وازن... كلّها مُحاولات مُتكرّرة قد تبدو للوهلة الأولى أنّها تصبّ في خانة عرقلة إنطلاق العهد الجديد، أو في خانة إقفال الطريق على نجاح رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري في تشكيل حكومته، لكنّ وإضافة إلى هدف الزكزكة السياسيّة في هاتين النقطتين، الهدف الأكبر يتمثّل في محاولة منع نجاح التحالف بين "التيّار الوطني الحُرّ" وحزب "القوات اللبنانيّة" من قبل العديد من المُتضرّرين، لأسباب متعدّدة ومختلفة ولمصالح مُتداخلة بين جهات عدّة.
أوّلاً: لم يُمانع أحد في منح الرئيس السابق العماد ميشال سليمان حصّة وزاريّة، بينما جرت مُحاولات جدّية لحرمان الرئيس المُنتخب العماد عون هذا الحقّ، تارة بحجّة أنّه يملك كتلة نيابية كبيرة، وطورًا لأنّ هذا الأمر سيفتح الباب أمام مُطالبة رئيس المجلس النيابي والحكومة بحصص مُستقلّة أيضًا، وكأنّه تُوجد محاولات لإضعاف فعاليّة دور الرئيس في السُلطة التنفيذية تُضاف إلى ما جرى سحبه من سُلطات وصلاحيّات في "إتفاق الطائف"، وذلك في إطار الخط العام الرامي إلى بقاء القيادة السياسيّة المسيحيّة على ما هي عليه من تشرذم وضعف، لما فيه مصلحة العديد من الأطراف الأخرى.
ثانيًا: لم يُمانع أحد في منح حزب "الكتائب اللبنانيّة" حصّة من ثلاثة وزراء في حكومة تمام سلام المُستقيلة التي تضمّ 24 وزيرًا، علمًا أنّ عدد نوّاب "الكتائب" هو خمسة، بينما إرتفعت الأصوات إعتراضًا على مُطالبة "القوّات" بحصّة وازنة في الحكومة المُقبلة، علمًا أنّ عدد نوّاب "القوات" هو ثمانية، إضافة إلى أنّ تبنّي "القوّات" لترشيح العماد عون شكّل حجر أساس في كرة ثلج التأييد النيابي الذي كبر تدريجًا وأوصل "الجنرال" إلى قصر بعبدا، ما يدلّ على إستهداف سياسي واضح لحزب "القوّات" بالتحديد، مُستمرّ منذ نهاية الحرب اللبنانية، وهو إستعر أخيرًا بعد تحالفها مع "التيار الوطني الحُرّ" في خطوة إستراتيجيّة ترمي إلى إستعادة الكثير من الحقوق المسيحيّة المسلوبة.
ثالثًا: طالبت حركة "أمل" بالتنسيق مع "حزب الله" بحقّ التمثيل الشيعي في الحكومة المُقبلة، واشترطت الإحتفاظ بحقيبة المال المُصنّفة "سياديّة"، وطالب "تيّار المُستقبل" بحقّ التمثيل السنّي وبالإحتفاظ بوزارة الداخليّة المُصنّفة "سياديّة" أيضًا. وكلاهما رفض التنازل عن أي مقعد وزاري لأي طرف شيعي أو سنّي، غير الذي يُسمّيه أو يُوافق على تسميته على الأقلّ، وذلك في مُقابل تنازلات لصالحه من مذاهب أخرى. وطالب "الحزب التقدمي الإشتراكي"، الذي تحدّث رئيسه النائب وليد جنبلاط عن "طفيليّين" يُعرقلون تشيل الحكومة، بوزارات مُعيّنة وحدّد الأسماء التي يرغب بتوزيرها، وهو ذهب أبعد من ذلك عبر تحديد من يحق له نيل الحقيبة الدرزيّة الإضافية، حيث إختار حصرًا رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان أو من يمثله، مُقفلاً الطريق على رغبات وآمال رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهاب الذي لم يجد أمامه عندها سوى الإمتعاض من الحلفاء والحديث عن وفاء كلبه!
رابعًا: كل ذلك حصل بشكل علني في ملاعب الشيعة والسنة والدروز-إذا جاز التعبير، وبمجرّد أن أصبحت الكرة في الملعب المسيحي، خرجت الأصوات المُعترضة على تفاهمات مُبطّنة بين "التيار الوطني الحُرّ" و"القوات اللبنانيّة"، وكأنّ توزيع الحصص بين "حزب الله" وحركة "أمل"، أو بين "تيّار المُستقبل" وبعض الشخصيّات السنّية المُستقلّة، أو بين "الجنبلاطيّين" و"الأرسلانيّين" ليس ناجمًا عن تفاهمات ثنائيّة. وبُمجرّد أن أصبحت الكرة في الملعب المسيحي، خرجت الأصوات المُعترضة على أن يحتكر "التيار الوطني الحرّ" و"القوات" التمثيل المسيحي، وكأنّ الأحزاب الصغيرة والشخصيات المعارضة لدى الشيعة والسنة والدروز ممثّلة بالعشرات في الحكومة. وبُمجرّد أن أصبحت الكرة في الملعب المسيحي صار من الضروري التمثيل الوزاري وبحقائب وازنة، لكل من "تيّار المردة" الذي وضع كل ثقله لإفشال وُصول العماد عون إلى الرئاسة، ولحزب "الكتائب" الذي حصد في إنتخابات جامعة اللويزة الطالبية مطلع الشهر الحالي والتي جرت وفق قانون النسبيّة، مقعدًا واحدًا في مقابل 30 مقعدًا لحزب "القوات"، وللحزب السوري القومي الإجتماعي الذي لم يتذكّر أحد أهمّية تمثيله على الوحدة الوطنيّة عند تشكيل الحكومة السلاميّة.
ويُمكن القول إنّ ما يحصل حاليًا ما هو إلا محاولات حثيثة مُستمرّة منذ توقيع "إتفاق النوايا" بين "التيار الوطني الحُرّ" و"القوات"، والذي تلاه ما عُرف بإسم "تفاهم معراب"، لإفشال هذا التحالف بين "الأقوياء"، أو على الأقلّ لإضعافه. والهدف طبعًا هو منع "المسيحيّين" من تشكيل قُوّة سياسيّة ضاربة يُمكن أن تقلب الموازين في أي معركة إنتخابيّة، أكانت نيابية أو بلديّة أو حتى نقابيّة، ويُمكن أن تُشكّل أيضًا قوّة ضغط سياسيّة كبيرة ضمن نظام الحكم اللبناني. لكنّ ولأنّ الأمور لم تعد شبيهة بما كان الوضع عليه قبل العام 2005، كما ذكّر وزير الخارجية جبران باسيل أخيرًا، فإنّ مرحلة إستعادة الحقوق المسيحيّة ستبدأ عبر حصّة كل من "التيار" و"القوات" الحكوميّة، وستُستكمل في الحصّة النيابية التي سيحصدانها في الصيف المقبل