كثيرةٌ هي التّسميات التي أُطلِقت على معركة طرابلس الانتخابية المقبلة، بدءاً من "أم المعارك" وصولاً إلى "معركة المفاجآت". وإذا أُطلقت تسمية معركة رئاسة الجمهورية المقبلة على الدائرة المسيحية في الشمال، فإنّ معركة زعامة الطائفة السنّية تُلاقيها في دائرة الشمال الثانية التي تضمّ (طرابلس - الضنّية - المنية)، والتي يبدو أنّها تُخبّئ الكثيرَ من المفاجآت والتناقضات.
تكمن أهمّية المعركة في طرابلس بأنّها تضمّ النسبة السنّية الأكبر بين كلّ الدوائر، إذ يبلغ عدد الناخبين السنّة في دائرة طرابلس - المنية - الضنية 285000 من أصل 343000 ناخب، ويتوزّع بقية الناخبين على الشكل الآتي: 21000 ناخب روم أرثوذكس، 21000 ناخب علوي، 11000 ناخب ماروني، 2000 ناخب أرمني، و4000 من طوائف مسيحية أخرى. ولهذه الدائرة 11 مقعداً تتوزّع وفق الآتي: 8 لطرابلس، 2 للضنّية، ونائب للمنية، وهؤلاء يقسَّمون على الطوائف، أي أنّ المقاعد الـ11 تُقسَّم كالآتي: 8 سنّة، 1 علوي، 1 روم أرثوذكس، 1 ماروني.
في جولة شمالية على المدينة المكتظّة بسكّانها وبكَمٍّ مخيفٍ من النازحين السوريين، تبدو متأهّبةً تترقّب عناوينَ الحملات الانتخابية للمعركة الشمالية التي تبدو بدورها مفقودةً وباهتة وغيرَ متجانسة، لا مع الواقع ولا مع الوقائع، فيحتار الناخبون كيف يتوجّهون بعد ضمور نجمِ فريقَي "14 و8 آذار". في المقابل حركةٌ انتخابية خجولة للأقطاب السياسية البارزة في المدينة، بمن فيهم المرشّحون المفترَضون الجُدد الذين يحاولون من خلالها إطلاق عناوين انتخابية رنّانة التجييشَ الانتخابي، لكنّها في الواقع استُهلِكت كلّها، ولم يطبّق أيُّ فريق شيئاً منها.
ويتوقع الخبراء الانتخابيون أنّ معركة طربلس وفي ظلّ القانون الجديد، لن تشبه بقيّة دوائر الأقضية في لبنان، إذ يَلزمها هندسةٌ رقمية تجريها الأقطاب السياسية الرئيسية بدقّة لتحقيق الفوز، فما كان سارياً في انتخابات العام 2009 لم يعد معياراً للنجاح في الانتخابات المقبلة، خصوصاً في ظلّ القانون الجديد واحتساب النسبية في الأصوات التفضيلية.
فما هي المفاجآت المتوقَّعة في طرابلس؟
- النواب الأوائل الفائزون سيكونون نوابَ المنية الضنّية، إذ يبدو أنّهم سيستحوذون على حصصِ أقطاب رئيسية في طرابلس، ولأنّ عددهم في الصوت التفضيلي أقلّ، وعدد المرشحين أقلّ، والأقضية صغيرة، في ظلّ العدد المنخفض للمقترعين، من هنا سيكون مرشّح الضنية في الطليعة عند عملية احتساب النِسب.
لذلك يجب على الأقطاب الذين يشعرون بضعف في قائمتهم استقطابُ مرشّحين من المنية الضنية، وكمثال على ذلك أنه في الوقت الذي تُرجّح الإحصاءات الحالية أن تكون الحصة الأكبر للرئيس نجيب ميقاتي في الدائرة الثانية، تُرجّح الإحصاءات نفسُها أن يكون المرشح جهاد الصمد في رأس اللائحة في تلك الدائرة.
خيارات ميقاتي
الإحصاءات تشير إلى قوّة ميقاتي في الانتخابات المقبلة، إنما لا يمكنه عدم التحالف مع أحد كما يشاع في المدينة، وليس من صالحه أيضاً التحالف مع الرئيس سعد الحريري أو اللواء أشرف ريفي، كما أشيعَ سابقاً. لكن من الضروري أن يكون لميقاتي حلفاء انتخابيون ضِمن قائمته، إنْ كان مع الوزير السابق فيصل كرامي أو مع آخرين من أقطاب "8 آذار"، لأنّ هذا الأمر هو ما تطلبه الحِسبة الانتخابية الدقيقة للفوز، شرط ألّا تبرزَ في الأفق نجوم من المنية الضنّية قد تعوق كلَّ القوائم الانتخابية. في المقابل يقول البعض إنه إذا تحالفَ ميقاتي مع جهاد الصمد وفيصل كرامي ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي يطالب بمرشحين علوي وأرثوذكسي، وإذا فاز الأربعة عملياً، يكون ميقاتي قد فاز بمقعده فقط. في وقتٍ يمكنه لو ترشّح منفرداً مع قائمة مستقلة تضمّ شخصيات مستقلة قريبة منه أن يؤمّنَ بواسطة حاصلِه الانتخابي المرتفع (25 ألف) الفوزُ بمرشّحين وربّما أكثر.
وبذلك يبقى عدم التحالف مع أحد خياراً جدّياً يَدرسه ميقاتي بحسب القريبين منه، فالحاصل الانتخابي في طرابلس هو بين 12 أو 15 ألف صوت ليصبحَ المرشح نائباً، فإذا كان ميقاتي قادراً على تحصيل 25 ألف صوت، فهذا يعني أنه يمكنه بمفرده تأمين نائبين أو أقلّه نائب ونِصف. ويتردّد أنّ من بين الأسماء المستقلّة التي قد يتحالف معها، الوزيرَين السابقين جان عبَيد ونقولا نحّاس، وخلدون شريف، إضافةً الى أحمد عمران أو سيّدة عن الطائفة العلوية وآخرين، في وقتٍ يُحكى عن اعتكاف نحّاس عن الترشّح. أمّا إذا اتّفقَ ميقاتي مع "8 آذار" فإنّ اللائحة ستضمّ مرشّحين لفرنجية علوي وأرثوذكسي، إضافةً إلى فيصل كرامي وجهاد الصمد.
وتشير شخصيات سنّية في المدينة الى أمرٍ مِن الجدير أن يُحتسَب له حساب وهو تنبُّه ميقاتي الى عدم استفزازِ السعودية عبر الترشّح من بوّابة فريق "8 آذار"، عِلماً أنّه حسابياً قد يكون هذا التحالف مضِرّاً بعكس حسابات البعض، في حين أنّه لو أوصلَ ميقاتي نواب "8 آذار"، فهل سيَضمن ولاءَهم المطلق له حين يَصِلون البرلمان؟!
في الكواليس الشمالية يُشاع أنّ كلّ الاحتمالات تبقى مرجّحة في ظلّ تكتُّمِ مختلف الأقطاب الرئيسة عن خططها وحساباتها.
خيارات ريفي
بالنسبة إلى اللواء أشرف ريفي، تقول الإحصاءات إنّ أسهمه الانتخابية لم تعد متصدّرة، والدليل أنّ الجميع في البداية كان يتسابق للتحالف معه، لكنّ الحماسة خَفّت اليوم لأسباب كثيرة:
1- القانون الجديد.
2- حربُه الكاسرة المباشرة مع السلطة.
3- خطابه المتطرّف والتصعيدي ضد الحريري
4- فشَله في التجربة البلدية.
لكنّ هذا الأمر لم يوقِف مكانته في قائمة أسماء الأقطاب القوية في الساحة الطرابلسية التي ستخرق حكماً في الانتخابات النيابية المقبلة، إلّا أنّ فوز ريفي الساحق في الانتخابات البلدية لن يكون مماثلاً في الانتخابات النيابية.
ومن الأسماء المتداوَلة في قائمة ريفي، شقيق رئيس بلدية طرابلس المهندس أحمد قمر الدين وشقيق رئيس بلدية الميناء الحالي عبد القادر علم الدين، المهندس عبد المنعم علم الدين، إضافةً إلى حسام قبيطر، مايا حبيب الحافظ عن المقعد الأرثوذكسي، بدر عيد عن المقعد العلوي، ومرشّح "القوات" إيلي خوري عن المقعد الماروني، أو شخصية شمالية متموّلة من بلدة مزيارة، بعد الحديث عن اتفاق غير معلن بين ريفي و"القوات اللبنانية" على قاعدة أنّ "القوات" لن يناسبَها تحالف "التيار الوطني الحر" مع تيار "المستقبل"، وسيَسعى بكلّ الوسائل الى مواجهته من خلال سيناريوهات عدة لتحالفات طرابلسية مختلفة، كما في دوائر أخرى، وقد يكون تحالفها غير المعلن مع ريفي من ضِمن هذه السيناريوهات، إنّما حتى الساعة لم يُعلِن ريفي مرشّحه الماروني في دائرة طرابلس، في وقتٍ قد ينضمّ مرشّح "القوات" إمّا إلى قائمة الحريري، أو إلى قائمة المجتمع المدني، وكلُّ ذلك تُحدّده اتفاقات اللحظة الأخيرة، إذ إنّ مفاوضات الحريري مع الدكتور سمير جعجع قائمة على قدمٍ وساق، ولا شيء محسوماً في الجبهة شمالياً بينهما.
وعلى رغم إعلان ريفي المستمر أنه سيتحالف مع «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» والمجتمع المدني، لا يبدو الأمر كذلك حسب المتابعين، إذ يقال إنّ ريفي يتفاوض اليوم مع شخصيات جديدة سياسية وغير سياسية لأسباب كثيرة، مِن تمويليةٍ وغيرها.
خيارات "المستقبل"
حتى الساعة لم يَكشف تيار "المستقبل" أوراقَه، إنّما وَضعُ الحريري في طرابلس أفضلُ حالاً اليوم من وضعِه الشعبي في زمن الانتخابات البلدية. لكن يجب معرفة حجمِ التكاتف الانتخابي العوني مع تيار "المستقبل" في موضوع الأقليات، فإذا كان التيار العوني يريد المقعدَ الماروني فمن المؤكّد أن يطمح "المستقبل" الى الحصول على المقعد الأرثوذكسي، وهنا لا يُمكن ضمان النتائج، كما أنّ التحالفات غامضة حتى الساعة ومتناقضة.
وفي هذا الإطار يشكّل النائب محمد كبارة الرافعةَ لتيار "المستقبل"، إذ تُرجّح أصواتُه التفضيلية أرقاماً مرتفعة، فيما يبقى النائب سمير الجسر من أبرز الوجوه التي تضمّها قائمة "المستقبل"، بالإضافة إلى النائب السابق مصطفى علوش، فيما يترقّب المتابعون قرار النائب أحمد فتفت. مع الإشارة إلى إمكانية تحالُف وليد كرامي مع "المستقبل" الواردة بَعد كسرِ حِلفه مع ريفي. وتجدر الإشارة الى وجود مرشّحين ينتظرون أن يدعوهم الأقطاب الثلاثة، أي ميقاتي وريفي والحريري، أمثالِ عزيز الصَمد من الضنّية، وعثمان علم الدين في المنية الذي ينتظر ريفي أو ميقاتي، لأنّ الحريري اكتملت قائمته بالنائب الحالي كاظم الخير.
(مرلين وهبة - الجمهورية)