تابع مؤتمر "الأمن في خضم الإنحلال" الذي نظمه "بيت المستقبل" بالتعاون مع مؤسسة "كونراد اديناور" اعماله في سرايا بكفيا بسلسلة جلسات عمل عن "دور اللاعبين الإقليميين والدوليين في استفحال عملية التفكك او عكسها"، وعن المقاربات المطروحة لذلك، شارك فيها الرئيس أمين الجميل، السفير الالماني مارتن هوت، ممثل المؤسسة مالتي غير وعدد كبير من ممثلي مراكز الأبحاث الأقليمية والدولية والمفكرين واساتذة الجامعات والصحافيين.
التأمت الجلسة الرابعة بعنوان "دور اللاعبين الإقليميين والدوليين في استفحال عملية التفكك او عكسها، وادارها الصحافي والباحث من البحرين عبيدلي عبيدلي، اعتبر فيها ان "لبنان ما زال رئة الديموقراطية في العالم العربي للباحثين والمفكرين"، وأثار مجموعة من التساؤلات عن الأمن في المنطقة.
واعتبرت ايلينا سوبونينا من المعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية، أن "الشرق الأوسط حقل الغام، وان اشكاليات الشرق الاوسط تتجاوز الجيوسياسية لتصبح صراعا بين القوى العظمى، وخصوصا بعد فشل الولايات المتحدة في سياسة القطب الواحد". وتطرقت إلى "تجربة التعاون الروسي التركي الايراني لخفض التصعيد في سوريا"، واعلنت ان "روسيا استعادت دورها اللائق في الشرق الاوسط بعد مرحلة تراجع، ويمكن تقسيم تاريخ الحضور الروسي بعد السوفيات الى ثلاث مراحل: مرحلة الغياب شبه الكامل فترة غيبوبة يلتسين، المرحلة الثانية تبلور فيها الموقف الحازم دون المشاركة الفاعلة، اما المرحلة الثالثة فهي قرار المشاركة في المعارك السورية لمحاربة الارهاب عام 2015 الذي قلب موازين الدول في سوريا وجعل روسيا من اكثر اللاعبين تأثيرا في هذه البلاد. وتطرقت لنجاح روسيا في سوريا وسعيها إلى إعادة الاستقرار الى سوريا والسلام عبر المفاوضات".
وسألت: "هل يمكن تحقيق السلام في سوريا في ظل جهوزية اميركا لقلب الزورق في المنطقة ومشاهدة ركابه يغرقون كنقل السفارة والاتفاق النووي، ولكن رغم ذلك تفهم روسيا ان التنسيق مع الولايات المتحدة مطلوب وهي مستعدة للتعاون مع الجميع لتخفيف التوتر في ملفات كثيرة مثل فلسطين وايران. ويهم روسيا ان تبقى سوريا دولة موحدة، هذه الجهود ستستمر بها ولكن بصعوبة في ظل عرقلة اميركا".
وتطرقت لزيارتها لقاعدة حميميم "هذه القاعدة اللافتة في التنظيم والتجهيز، وروسيا ستتخذها موقع قدم لها في المنطقة لتستعيد موقعها اللائق فيها. رأيت هناك صورة دب كان يوزع شيئا ما لحمامات السلام بعد أن اقتربت منها اكتشفت انه يوزع دروعا تلبسها حمامات السلام".
اما السياسي الباحث في جامعة برينستون في الولايات المتحدة الأميركية حسين موسوفيان فقال: "طلب مني التحدث عن تحديات الترتيبات الامنية في الشرق الاوسط ودور تركيا وايران. ان مساحة كبيرة من اسيا الغربية تعاني من الفوضى والحروب الدائرة التي تتسبب في معاناة كبيرة ولا مجال لرؤية حل في المدى القريب. الإرهاب يهدد المنطقة وما بعدها وعدم الاستقرار يؤثر على الاستقرار والامن الدوليين: هناك نزاعان بين القوى الاقليمية وبين القوى الدولية. لا يمكن تحقيق السلام في المنطقة الا اذا كانت العلاقات جيدة وهناك تعاون بين دول الاقليم. لا يمكن تحقيق السلام اذا كانت القوى الاقليمية والدولية معارضة له. القضية المركزية هي غياب اي نظام للتعاون الاقليمي اضافة الى التدخل الاجنبي".
واعلن "الحاجة الى مفاوضات اقليمية وعن ثلاث مبادرات مهمة من اجل تعزيز التعاون وهي الاستقرار والتعاون في المجال الامني اولاقتصادي والثقافي، انشاء نظام للتعاون الامني والاقليمي في دول الخليج على ان تتضمن التعاون الاقتصادي والاجتماعي والامني والسياسي". ورأى ان "على دول الخليج ان تختار بين المواجهات المستمرة وفي هذه الحال سيزداد عدم الاستقرار والطائفية وسطوة المتطرفين واندلاع حرب اقليمية يصحبها تدخل القوى العظمى، او التعاون الديبلوماسي والدخول في حوار مباشر، يرافقه انشاء منتدى حواري يكون لمصر دور فيه، ومن هدفه الحوار بين السنة والشيعة. وعلى هذه الدول ان تتحاور وفق احترام السيادة وعدم استخدام العنف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة والحدود واجراء المفاوضات على مستوى رفيع حول المسائل الامنية مما يعزز التعاون الامني."
وكانت كلمة للباحث الزائر في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط- الولايات المتحدة جو باحوط قال فيها: "نحن على شفير حرب باردة تختلف عن السابقة مع عدم قدرة اللاعبين المعنيين على فرض حلول لازمات الشرق الاوسط، فطالما ان الدول الاقليمية غير متفقة، هناك صعوبة في التوصل الى حل. ما يجري في سوتشي واستانا يمكن ان يصل الى هدنة ولكنه لن يصل الى حل وخصوصا في ظل عدم وجود مباركة دولية لهذه المفاوضات. يجب الا ننسى التناحر بين روسيا وايران، فالتنافس محتم بينهما وهناك نوع من الاحتكاك سنراه يتبلور بشكل كبير".
الجلسة الخامسة
وعقدت الجلسة الخامسة بعنوان "خلاصة، مناقشة مفتوحة للمقاربات" ادارها مدير مركز فارس لدراسات شرق المتوسط في جامعة تافتس الولايات المتحدة نديم شحاده، وركزت على السيناريوهات المحتملة في الشرق الأوسط مع تحديد المقاربات اللازمة لإدارة التدعيات السلبية للأحداث التي تشهدها المنطقة وبحث الخطوات المقبلة. وتحدث فيها الباحث في معهد الشرق الأوسط والمدير في "ميدل ايست الترناتف" في واشنطن حسن منيمنة وقال: "لا شك ان الجماعة البشرية من المحيط الى الخليج تتصرف وكأنها تلطم في ما يتعلق بتاريخها. الانحدار ابتدأ منذ ان ابتدأ التاريخ العربي وسردياتنا سرديات تراجع تعمل دوما لتنجو من الغرق. لا اسعى هنا الى طرح رومانسي للمسألة ولكن اسعى للتأطير الذي كان ولا يزال تأطير سقوط وتراجع وفشل. عندما ننظر الى المستقبل ونستشرف، علينا ان نقر انه ليس لاستعادة مجد بل لتحقيق شيء جديد. عندما نتحدث عن الامن فهو ليس فقط الامن الصعب بل هو امن الموارد والامن الثقافي حيث يكون للانسان الحق بان يعيش دون ان يكون عرضة للازالة".
واعتبر ان "داعش أبشع امثلة القضاء على الامن الثقافي وهو التحدي الاكبر للحداثة غير المكتملة في منطقتنا".
وكانت كلمة للرئيس السابق للجامعة الكاثوليكية في باريس جوزيف مايلا قال فيها: "ركزنا في هذا المؤتمر على البعد الاستراتيجي والامني وهو المشكلة الاكبر التي نواجهها اليوم، فما نواجهه فشل الدول العربية التي كان بعضها وما زال استبداديا وعنفيا وحيث حقوق الفرد فيها هي حقوق الجماعة".
ورفض مقولة ان "سايكس بيكو انهار بل ان الدول المعنية عجزت عن تحقيق الحاجات الاساسية وهذا السبب الاساسي للعنف إذ اصبحت الدولة أداة يتم استخدامها". واعتبر ان "عدو الوطن العربي هو المواطن العربي فما نشاهده اليوم في سوريا نظام يقصف الشعب يعبر خير تعبير عما نقوله". وقال: "الدولة الوطنية ليست بخطر فكل الحراك الذي حصل في العالم العربي وما سمي بالربيع العربي حصل ضمن هذه الدول، وكان المطلب تغيير النظام وليس تفكيك الدولة، فحدود الدول ما زالت موجودة ولكن ما تم تحديه هو ثقافة الدولة. رفض الناس ان يحكموا بالطريقة السائدة. ارادوا الديموقراطية والكرامة والحقوق الاجتماعية، والوحيدون الذين طالبوا بزوال الدول المدنية هم "داعش" من خلال إقامة الدولة الاسلامية".
ورأى ان "الدول العربية فشلت لانها عجزت ان تتعاون مع بعضها". وختم: "نحن في حاجة الى خطة مارشال ثقافية لتعزيز دور المجتمع المدني وتمكين الشباب وتعزيز التعليم والتعددية اكثر والطائفية أقل ومكافحة استخدام الدين كأداة للحروب".
أما البروفسور في جامعة شيربروك في كيبك - كندا سامي عون فاعتبر ان "التفكير الآن ينصب على ما بعد النظام القطبي والداعشي والأنظمة الاستبدادية"، وراى أن "من الصعب تحديد ما يجري في النظام العالمي ما بعد النظام القطبي الواحد. اما الداخل والخارج في المسألة العربية فمن الصعب تحديده في لعبة تعدد الحروب او الحروب الرابعة او بالوكالة. في النظام الدولي هناك تيه يجعل المفكر غير قادر على التحكم بما يجرى خصوصا بعد مرحلة اوباما". واعتبر ان "الازمة في الديموقراطية الليبرالية الغربية انها متأرجحة في الداخل ومتأزمة في النظام العالمي، لان العصر هو عصر بوتيني عصر الزعيم الذي يريد ان يحكم الى الأبد".