التبويبات الأساسية

لا يخفى على اي متابع لمواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما موقع تويتر، مجموعة "الهاشتاغات" التي تصدّرت العام 2017 وبداية الـ 2018، الا أن أكثرها انتشارا كانت تلك التي استنكرت الاجراءات القمعية التي طالت نشطاء واعلاميين وأمنيين لبنانيين.

فبدءا من هاشتاغ #الستاتوس_مش_جريمة الذي اجتاح تويتر في مرحلة سابقة دفاعاً عن باسل الأمين وعباس الزهري وهنادي جرجس وعمر قصقص وطارق بو صالح والصحافي فداء عيتاني والقائمة تطول من الذين جرى استدعاؤهم واستجوابهم وأحياناً توقيفهم بسبب "ستاتوس" على فايسبوك انتقدوا فيها "العهد الجديد"، مروراً بـ #اللايك_بالغلط_مش_جريمة الذي جاء كردة فعل على نقل رئيسة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية المقدم سوزان الحاج حبيش من منصبها بسبب "لايك"،عن طريق الخطأ، على تغريدة ساخرة للمخرج "شربل خليل" من المرأة السعودية بعد منح ولي العهد الامير"محمد بن سلمان" لها الحق بالقيادة، والعديد من الهاشتاغات التي سجّلت حملات على "السوشيل ميديا" كرفض لسياسة كمّ الأفواه، ثم قضية الاعلامي مارسيل غانم الأخيرة والتي شغلت الرأي العام، وصولا الى مقدم برنامج "لهون وبس" على شاشة الـ LBCI هشام حداد.

وقد علّق "حداد" على الإدعاء القضائي بحقّه على خلفية تناوله في احدى حلقات برنامجه الساخر لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بأنه لم يجد حقا ما يستدعي الإدعاء، إذ أنه لم يقصد التعرض للسعودية بل ان الدعابة جاءت في سياق التهكّم على توقعات "ميشال حايك" التي جرت العادة أن يطلقها ليلة رأس السنة من كل عام، مؤكدا في برنامج "أقنعني" على "جرس سكوب" أن ما حصل "لن يغيّر علوّ السقف، والحلقة القادمة سيكون سقفها أعلى، وإذا كان ذلك سيستدعيه للنوم في السجن فليكن ذلك".

حملةٌ واسعة من التضامن أطلقها نشطاء عبر هاشتاغ #هشام_حداد عبّرت عن تململ اللبنانيين من سياسة الترهيب المتّبعة بحقّ الاعلاميين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي التي على ما يبدو باتت تزعج "العهد القوي" برمّته الذي يسجّل له "أقوى" أشكال الانتهاكات لمبدأ حرية الرأي والتعبير والتي تعود بذاكرة الناس الى أيام لطالما جهدوا لنسيانها معتبرين أن الاحتلال الذي ناضلوا لإخراجه من لبنان طيلة أعوام وانتصروا عليه في انتفاضة الاستقلال عام 2005، قد استُنسخ بهوية لبنانية.

الحريات في لبنان باتت في خطر، حيث أننا وفي جولةٍ سريعة على الفضاء الالكتروني لا يمكننا الا ان نلحظ الرعب الذي يتملّك في نفوس المواطنين من ذكر "العهد" أو أحد ممثليه، وكأن حرية التعبير أصبحت تهمة يلاحق بسببها النشطاء والتي غالباً قد تنتهي عقوبتها بتعهّد خطي بالصمت كشرط لإطلاق سراحهم او بغرامة مالية فاضحة، وقد تقضي في أحيان اخرى الى الزج في السجون. تلك الملاحقات المتتالية أثبتت للبنانيين أن التاريخ القمعي الذي عانوا منه على مدى سنوات ما زال يختبىء في زوايا النظام اللبناني، "يهزّ عصاه" كلما دعت الحاجة!

حالةٌ من التذمّر والقلق تسيطر على المواطنين، فحرية التعبير باتت خجولة أمام وقاحة الإجراءات، وفروض الطاعة والولاء أضحت واجباً إلزامياً وإلّا "فركة ديني" بحسب "هشام حداد" الذي أشار الى أن كل ما يحصل هو استهداف واضح لمحطة الـ LBCI، "ولكل المحطات اللبنانية خصوصا أننا على ابواب الانتخابات النيابية".

حركة القضاء اللبناني مؤخرا باتت تطرح علامات استفهام كبيرة لدى الرأي العام، إذ أن الجوارير حُبلى بملفات الفساد التي تضرب رقماً قياسياً في لبنان، في حين أصبحت "الحريات" أمّ المصائب، والأكثرها فداحة بحق الوطن مقارنة مع خطورة الملفات الأخرى في عهد "الاصلاح والتغيير"، إضافة الى أن الصمت السياسي الذي يرافق هذه الانتهاكات بات أقوى من هتافات المواطنين استنكارا لإسكات الأقلام الحرة وخنق أصوات المعارضين، فهل يتحوّل النظام في لبنان من ديمقراطي الى ديكتاتوري بغية التعتيم على الفساد؟

يبدو أن مسلسل القمع مستمرّ في عرض أبشع مظاهر التعسّف على الاطلاق بهدف القضاء على أي وجه من وجوه الاختلاف مع "العهد" السائد، وعرض العضلات وزجّ القضاء في مستنقع التحديات وإخضاعه لاعتبارات سياسية بحجة تطبيق القانون، لا يشطب حق حرية الرأي والتعبير الذي كفله الدستور اللبناني في مقدمته، بل يعيد الوطن أعواماً الى الوراء ربما الى ما قبل الاستقلال وصولاً الى عهد النظام البائد ولا بدّ ان يكتب التاريخ عن حقبة مرّت على لبنان ما بعد تحريره من أغلال الاحتلال كانت مليئة بالمطبات والعثرات المشينة، لعلّ شهادته يوماً تفضح عورة التعدّيات!

وعلى الرغم من أنها شعرةٌ تفصل ما بين حرية التعبير وحرية التشهير إذ أنّ جوهر الحرية لا يجوز ان يستخدم لانتهاك حرية الآخرين وجرح مشاعرهم والنيل من معتقداتهم او المساس بكراماتهم، الا أنه "لهون وبس"!! فقد طفح الكيل من تلك الممارسات العشوائية والصارمة لأسباب واهية بهدف "تضييق الخنّاق" على الحناجر المعارضة وتقليص مساحة حرية الرأي، ولعلّ عبارة "شرّف عالتحقيق" اعتبرت في السنوات الاخيرة سوطاً يُجلدُ به كل من أشهر قلمه بوجه السُّلطة أو من كان كلامه غير مطابق لمواصفات العهد!

صورة editor11

editor11