التبويبات الأساسية

في أحد اجتماعات أساتذة الجامعة اللبنانية، صرخ أحدهم من الصفوف الخلفية بصوت عال: «انهم يكرهوننا، ويكرهون الجامعة اللبنانية برمتها، ولا يريدونها من أساسها، بعضهم له مصالح شخصية مع جامعات خاصة، وبعضهم الآخر لديه غيرة من بعض التمرد الذي يلجأ إليه الأساتذة والطلاب من حين الى آخر، وجزء من الطبقة السياسية تتطلع الى الجامعة كمصدر لاختلال ديمغرافي أكاديمي لا تريد أن تتصوره في المستقبل».

ومناسبة هذا الكلام لأحد الأساتذة كان متابعة تداعيات الأضراب الذي أعلن في الجامعة منذ 6 أيار، وانتهى على زغل، ومن دون وضوح، بعد شهر ونصف الشهر على إعلانه.
والإضراب كشف عن الاختلال السياسي والبنيوي الذي يعانيه الوسط السياسي اللبناني، بحيث بدا معظم الوزراء أنهم غير مطلعين إطلاقا على شؤون الجامعة التي تضم ما يقارب 100 ألف بين أساتذة وطلاب وموظفين، ولدى هؤلاء المسؤولين أفكار غريبة عن الجامعة، وصلت الى حد التهكم من أساتذتها، او اتهامهم بأوصاف لا تليق.

وعندما يتعامل المسؤولون السياسيون باستخفاف مع شؤون التعليم والجامعات، فذلك ينذر بمخاطر على مستقبل البلد. وقد بدأت ملامح هذا الاستخفاف عندما سمحت الدولة بترخيص أكثر من 43 مؤسسة جامعية خاصة، لا تنطبق على أغلبيتها معايير الجودة الخاصة بالتعليم العالي، وبعد ذلك بدأت الجامعة اللبنانية الأم تتلقى السهام من المسؤولين، من خلال تهميش أساتذتها ومحاصرة مداخيلهم، ومن خلال تخفيض موازنة الجامعة، ومن خلال السماح بالتدخل السياسي والحزبي بكل تفاصيل عملها الأكاديمي والإداري، وفي جعلها مكانا خصبا لتمرير التنفيعات الخدماتية في التوظيف والترقي والتلزيم وغير ذلك (كما يقول أحد الأساتذة المخضرمين). الإضراب الذي أعلنه أساتذة الجامعة هذه المرة، سلط الضوء على مجموعة من الاختلالات على المستوى الوطني، ومنها اختفاء الحماسة عند قيادات الصف الأول لبحث شؤون الجامعة اللبنانية التي كانت عبر التاريخ وما زالت عصب التعليم العالي في لبنان، وهي رغم كل الصعوبات بقيت تحتضن 40% من الطلاب الجامعيين اللبنانيين.

وعلى سبيل المثال: فرئيس الحكومة الذي عيب على الأساتذة الإضراب علنا، رفض داخل مجلس الوزراء السماح لوزير التربية بعرض مطالب الأساتذة إبان مناقشة الموازنة. ووزير الخارجية قال في أحد تصريحاته: «لو كنت وزيرا للتربية كنت عرفت كيف أربي أساتذة الجامعة»، وغيرهم كثر من المسؤولين الذي عبروا بشكل سلبي عن آرائهم حول ما يجري في الجامعة.

الوعود والإجراءات التي اتخذت مؤخرا كمدخل لفك الإضراب، كان يمكن أن تحصل في الأسبوع الأول منه، مما يؤكد وجود لامبالاة واضحة، خصوصا أن أيا من الرؤساء الـ 3 لم يحدد موعدا لاستقبال رابطة الأساتذة، رغم أن هؤلاء يستقبلون رؤساء ومسؤولي الجامعات الخاصة في لقاءات متكررة.
أرخت هذه الأجواء بثقلها على الأساتذة والطلاب، وبدا شيء من التمرد في صفوف الأساتذة والطلاب تجاه أحزابهم. وتحولت قضية الجامعة اللبنانية الى قضية وطنية، أنتجت حالة عامة ترفض تسييس مؤسسات الدولة والتدخل الفاضح في شؤونها.

صورة editor14

editor14