انتهت معركة الاستحقاق النيابي، وعاد بعض المرشحين من جبهات الخطاب التحريضي الى مربعاتهم الأولى معلنين التهدئة.
أما القانون النسبي المبنيّ على أساس التحالفات الانتخابية الجديدة فقد أربك القوى السياسية، وهزّ ركائز "الزعيم الأوحد" فأظهر واقع الأحجام الذي حسم خارطة العبور نحو المجلس النيابي القادم ورفع الحصار عن الطائفة السنية التي ظنّ البعض أنه يمكن احتكارها.
وبالعودة الى "الهدنة" في الخطاب السياسي فإن الرئيس سعد الحريري مشغول اليوم في اعادة حساباته من جديد، ويظهر ذلك من خلال خطابه الأخير في المؤتمر الصحافي والذي وصفته أوساط متابعة لشؤون الانتخابات بـ"خطاب الخيبة"، إذ أن الضربة الموجّهة التي تلقاها رئيس "تيار المستقبل" في بيروت، والتي تمثلت بالخسارة الفادحة في مقاعده، وكذلك في صيدا حيث فازت النائب بهية الحريري يقابلها مقعد للمرشح الفائز المدعوم من "حزب الله" أسامة سعد، من شأنها أن تدفع بالحريري الى اعادة النظر في تحالفاته السياسية واستشعار الخطر حيال المشهد البرلماني في المرحلة المقبلة.
ما لا شك فيه أن "حزب الله" هو الفائز الاكبر في هذه الانتخابات التي جرت بموجب القانون النسبي المعدّل ولا سيّما ان تحالفه الثابت مع حركة "أمل" عززّ قواعده الشعبية، الأمر الذي تكشّف في عدد المقاعد التي انتزعها في بيروت حيث حقق فوزاً لا يستهان به في عقر دار "المستقبل".
وفي المقابل فإن خسارة "التيار الازرق" لـ 8 مقاعد، اي ما يقارب الربع من اصل عدد المقاعد السابقة، هو دليل كافٍ على ان الرئيس سعد الحريري قد خاض منذ البداية رهانا خاسرا من خلال نسج علاقات متينة مع اخصامه السابقين والتي ذهبت الى حدّ ابعد من التحالفات خصوصا في قضاء الكورة شمال لبنان، حيث تمنى الحريري على مناصريه اعطاء الصوت التفضيلي "للصديق جبران" مما أثار غضب شريحة واسعة من الناخبين الذين رفضوا ان يكونوا جزءاً من التحالفات "الوهمية" التي سينتهي سحرها حتما بعد الانتخابات.
من جهة اخرى، فإن تراجع "كتلة المستقبل" النيابية وانحسار مقاعدها، قابله تضخّم في عدد المقاعد البرلمانية لحزب القوات اللبنانية الذي احرز فوزا ساحقا في العديد من الدوائر الانتخابية، مخترقا تلك التي تخضع للنفوذ "البرتقالي"، وكذلك الأمر في "بعلبك - الهرمل" حيث تمكّنت "القوات" من الفوز بمقعد واحد رغم صلابة الثنائي الشيعي.
أما في دائرة الشمال الثانية، فإن طرابلس التي بايعت نجيب ميقاتي قبل الإنتخابات، نصّبته بعدها زعيماً "اصيلا" في الشمال، ومنحته ثقتها وطالبته بالعمل على تسلّم مفاتيح السراي الحكومي، ورغم ان تيار "المستقبل" كان قد سخّر كافة مؤسسات الدولة لخطف طرابلس، وأغرق شوارعها باتهامات وافتراءات وإشاعات بحق الرجل الذي احتضنها وأبناءها يوم تخلى عنها من يدعي "وصلها"، الا ان حساب الحقل "الحريري" لم يطابق حساب البيدر "الميقاتي" وانتفض الشارع السني الطرابلسي ليقول للحريري "كفى"! وقد اثبتت طرابلس صيغة العيش المشترك الذي لطالما تغنّى بها الحريري لكنه "أغفلها" في صناديق الإقتراع، فتلقفها مناصرو "العزم" وأوصلوا أربعة نواب من كافة مذاهب وطوائف المدينة.
لم يكن نجيب ميقاتي الوحيد ضمن بنك أهداف الحريري في طرابلس. أشرف ريفي الذي واجه منفرداً ظلم "بيت الوسط"، أتعبه قانون الإنتخابات فسقط مرفوع الرأس ونال أصواتاً متقاربةً مع "فائزي" المستقبل، المدجّجين بالترسانة الزرقاء.
طرابلس لم تعد "زي ما هي" ولن تكون زرقاء بعد اليوم. وعود الحريري "الخلّبية" التي زرعها في حملته الإنتخابية لم تثمر في يوم الإستحقاق "سمعاً وطاعةً" بل "نضوجاً" نحو التغيير ونفض غبار التبعية المؤلمة التي أعادت عاصمة .الشمال إلى العصور الحجرية، وجسدت انتكاسة "حريرية" موجعة.
لبنان 24