التبويبات الأساسية

اليوم وبعد أن أصبح الحمل كله ملقى على عاتق البلديات في ظلّ غياب للدولة بشكلٍ كبير، فإن البلدية الضعيفة لن تصمد في ظروف قاسية وصعبة في هذه الأثناء، لا سيّما وهي التي تقوم حالياً بدور الدولة إلى حد كبير، ومن البلديات التي حققت إنجازات لافتة وكثيرة وتحملت مسؤولياتها على أكمل وجه لا بل أكثر هي بلدية برج قلاوية الجنوبية.
وهذه الأخيرة تستحق فعلاً أن تكون نموذجاً يُحتذى به لما حققته على أرض الواقع رغم ما يعانيه الوطن والجسم البلدي من نزيف إقتصادي.
هي علامةٌ فارقةٌ في سماء العمل الأنمائي الإجتماعي وحتى البيئي... ورغم صغر مساحتها الجغرافية إلى أن قلوب أهاليها مفتوحة لجميع قاصديها بمحبتهم المعهودة وكرمهم وحسن إستقبالهم للضيف حتى أنك لا تشعر بأنك غريب أو أنّك تقصدها للمرة الأولى.

في مقابلة أجريناها مع رئيس البلدية الناجح والنشيط الحاج محمد نور الدين تناولَ الحوار الشّؤونَ البلديَّة والإنجازات والتَحدّيات والرّؤيا التي يسعى إليها المجلسُ البلَديّ في القرية. واستهلَّينا حوارنا بكلمة ترحيبيّة لرجل أعطى الكثير الكثير لبلدته، كيف لا وهو يعشق حبّات ترابها، وأرضها أرض الأبطال والمقاومة، ويسرد لنا تاريخ وتطوّر بلدَتِهِ وبلَدَيّتِه في عَهدِه كرئيسٍ للمَجلس البلدي.

وفي سؤالٍ عن أبعادِ البلدَة الجغرافيَّة قالَ الرّئيس أنَّ مساحةَ بُرج قلاوية لا تزيد عن 3 كلم مربّع، وعددَ سكّانها حوالي ثلاثة آلاف نسَمَة، صَيفاً وشتاءَ، مع العلم ان العديدٍ من النّاس اللذين يقطنوها وهم ليسوا بالأصل من نفس برج قَلاوية. وتبعدُ عن العاصمَة بيروت حوالي المئة كلم، وتقع عند تقاطع هامّ بين أقضيةٍ أربعَة: بنت جبيل والنَّبطيّة ومرجعيون والشّوف. وهذا الموقع، كما وَضَّحَ لنا، جعَلَ البلدَة تسعى حثيثاً لإنشاءِ مؤسَّساتٍ هادفةٍ لخدمة نفسِها والجوار أيضاً، منَ البُنى التَحتيَّة، وصولاً إلى المركز الصِحّي الضَّخم الذي إستفادَ منه الكثيرون من أهالي مُحيط البلدَة. يتابعُ الكلام، كانَ المركزُ يستوعب 288 مريضاً، وتجاوزَ الآن العشرة آلافٍ في الشَّهر الواحد. وهذا المركز يوفّرُ على المواطن تكلفاتٍ وأعباءَ كثيرَة لقاصديه، من حيث التَغطية الماديَّة والخدمة العالية.

ثمَّ تابعَ الرّئيس نور الدين في شرحِه لموضوع ترميم الطّرُقات والتَّحديث الذي تمَّ تنفيذُه والشّبكاتِ الجديدة التي شُقَّت. وَنوَّهَ بالشُّكر على دَعم وتمويل الهيئَة الإيرانيَّة لتأهيل الطّرقات، خصوصاً بعد حَرب تمّوز 2006، لمساعداتِها الهامَّة في هذه المشاريع، وبالتَّحديد في إنشاء الأوتوسترادَين كون البَلدَة مفترقَ طرُق ونقطةَ رَبطٍ بين الأقضيَة. وهذا حتماً أدَّى إلى نقلةٍ نوعيّةٍ في الحركة التِجاريّة والإقتصاديّة فيها. وعلى المستوى التربوي تحدَّثَ عن المدرسة الرَسميّة في البلدَة ونجاحِها في تأديةِ مهامِها وفي تأهيل أجيال المستقبل، التي يستفيد منها حوالي 14 قرية مُجاورة، وهي بمثابةِ تجمُّع لمدرَسَتَين إثنتَين.

فضلاً عن الزّراعَة في البلدَة حيث هناك مجموعة من الطّروحات تمَّ تنفيذُها كالتَّعاونيّة أو الجمعيَّة الزّراعيّة كرديفٍ للبَلَديّة في العَمَل الزّراعي، فتمَّ بناءُ معصَرة زيتون حَديثة تفي بالغرَض على مستوى القريَة والجوار. ثمَّ هناكَ أيضاً نقلةٌ نوعيّة على المستوى البيئيّ، وهي نقلة جريئة وقياسيّة بحسَب تعبير الرّئيس في موضوع تحديث مكَبّ النّفايات في منطقةٍ مهمَلَةٍ قريبةٍ منذ أيّام الإحتلال الإسرائيلي. وسَعَتِ البلَديّةُ أيضاً إلى مشروعٍ رئيسيّ يضمّ مجموعةً من الأنشطة، لتأمين فرَص عَمَل لمجموعةٍ لا بأسَ بها من اليَدِ العاملة والتّلاميذ في فترة الصّيف في البلدَة. وهذا المشروع يندرجُ تحتَ عناوينَ عدّة: الرّياضيَّة والتّرفيهيَّة والسّياحيَّة. وفي العنوانِ السّياحيّ إستقطبت البلدَة أيضاً المزيدَ من الزوّار في الصَّيف. وبين عامَي 2018 و 2019 قدِمَ إلى البلدَة ما يقاربُ الـــ 600 ألف زائر. وهكذا أصبَحَت برج قَلاوية بلدةً سياحيّة بإمتياز. مع الحفاظ على الرّوحِ الرّيفيّة فيها، وبساتين الزّيتون والخرّوب والصّنوبَر، رغم الحركة التّجاريّة والإقتصاديّة والإنشاءَات والطّرقات.

وعن المميّزات الكثيرة لهذه البلدة الجنوبية الرائعة بطبيعتها وأهلها وناسها فأجابَ الرّئيس أنّ أهل البلدَة لا يعتمدون على الزّراعة بل على المهَنِ الحرّةِ أيضاً وهناك قسم لا يستهان به من أهلها في بلاد الإغتراب وقسم آخر في دائرة الوَظيفة. وهي تتفرد بطموحاتِ أبنائِها وجُرأتِهم في طرحِ الرّؤى والمشاريع. وهم يعملون كفريق عمل واحد على قلب واحد وهدف واحد، وهذا سببه تواجد عُنصر المحبّة بين الأفراد كما الغِيرة على مصلحة البَلدَة. وفي هذا لفت الحاج نور الدين إلى أن المحبَّةُ أقوى منَ السّلطة وأقوى منَ السّلاح. والمرء عليه الإنطلاق من بيتِهِ، فإذا كان بيتُه مستقرّاً ناجحاً فهو حتماً ناجح في بلدَتِه وعمله كما يجبُ على رئيس البَلديَّة أن يضع نصب عينيه مصلحة لبنان أوّلاً، لكي يسعى إلى مشاريع لها علاقة بالمحيط والمنطقة، فتؤدّيَ إلى نموّ البلدة والبلد والجوار معاً، ضمن إطار رؤيا شاملة لبناءِ الوطَن. وعندما يتمُّ العَمَل على أساس إنتماءٍ شامل على مساحة البلد ككل يكون الأفقُ مفتوحاً.
وفي السّؤال عن بعض المشاريع الجديدة مثل التَفرُّد في مكافحَة التّدخين، فما كان منه إلا أن أوضح لنا: «أنّ هذا إمتياز أو تميُّز وليس تفرُّداً. في البلدة حريّةُ معتقَد وتَعبير، هناكَ
نمط حياة منفتح ونمط آخر مُحافظ. وهذا ينمّ عن التّسامح وقبول الإختلاف كما قبول الآخر. وكانت البلدية قد طرَحَتِ فكرةَ الحَدّ من التّدخين، وهذه الفكرة إنبثقت أوّلاً من مضرّة هذه الآفة التي قد تكون لاحقا مدخلاً لآفة المخدّرات. فتمَّ أخذُ القرار بمنع التّدخين لما دون سنّ الـ 18 في المقاهي والأماكن العامّة. ونفِّذَ المشروع خلالَ 5 أشهر. وهذا المشروع، كما جاء برنامج الحدّ من التدخين الذي يُحاكي الأسرَة بشكل كامل ويضع الإرشادات والحوافز ليشكل برنامجا كاملا لاحتواء هذه الآفة أي انّ هناك عمَل على تطوير الوَعي داخلَ الأسرة لعدَم التّشجيع على التّدخين. وكان مساهماً في حفظ الفئة الناشئة من الشباب.
وعن مشاريع فصل الصّيف القادم، علق قائلا: «في الصّيف نعمل على ترميم الطّرقات والتّزفيت ومتابعة المشروع السّياحي، وهو النّادي السّياحي الرّياضي لبُرج قَلاويه والجوار. هناكَ الملاعبُ والمسابح والمقاهي، و مدرّبون يهتمّون بتعليم الرّياضات المتنوّعة وتنمية المهارات والتربية البَدَنيّة وغيرها، وهناكَ مجموعة من المدارس والمعاهد يتمّ التّعاونُ معها. هذا المشروع الحلم كما وصفه كان عبارة عن مشاع بلدي تبلغ مساحته 55 دونماً وكان مهملاً، فبادرنا إلى وضع مخطَّط توجيهي لإنشاء مدينة رياضية ترفيهية على كامل مساحة المشاع. وكلفته باهظة لكن بالتعاون والعمل يتحقَّق كل شيء، وهذا ما حصل من خلال تعاضد أعضاء المجلس البلدي وتعاون أبناء البلدة الذين تبرع العديد منهم بمساعدات مالية وعينية بالإضافة إلى الدعم الذي تلقيناه من بعض الجهات والمنظمات الدولية».

وسرد لنا أن الأمر الذي أوصله إلى العمل في الشأن العام وعن كيفيّة توليه رئاسة البلدية، ففي هذا قالَ: «انّ طبيعة عملِه الخاص في البدايةِ كان معَ البلديّات، كونه متعَهّد عقاريّ وبناء وإستصلاح أراضٍ وترميم طرُقات، وله خبرة طويلة في هذا المجال. وعملُه هذا كانَ جوازَ مرورِه إلى الشّأن العامّ ورئاسة البلَديّة. وبالكلامِ عن مواصفات الرّئيس النّاجح فعقب فائلاً : «انّ خلفيّة العَمَل بالنسبة له كما يجب أن تكون بالنسبة لأي رئيس آخر إذا أراد النجاح في مهامه كما يجب فيما خص الشأن العام، هي عبارة عن رسالة التي تجعل منه عملاً ممتعاً ومشوّقاً. والرئيسُ النّاجح برأيِه هو الآدمي والخَلوق وحديثُ السِنّ، لأنَّ العنصر الشَاب يفجّرُ طاقاته وطموحَاته في البناء والتَّنمية. والرئيسُ الكُفْؤ هو من يملك الأمانة والإدارة والخبرة ورصيدَ عالي من المحبّة والثقة في قلوبِ النّاس، و «مش بعَينو». ونوّهَ كذلكَ بأنَّ الخلفيَّة السّياسيَّة الدّاعمَة للعَمَل البلَدي في الجنوب، أي المقاومَة، هي جوهر نجاح بلديته وعن إمكانيّة وجود أي تعاون بين البلَديّة والقوّات الدُّوَليَّة في الجنوب، فأكَّدَ أنَّ التّعاون موجود على جميع الأصعدة، والتزاماً بمعايير الـــ 1701. والعلاقة ناجحَة وهناك تنسيقٌ دائم. كما وتحدث عن موضوع المكنَنة ومواكبة البلَديّة للتكنولوجيا، وأكّد أنَّ كلّ المعاملات والجبايات والقيود والوثائق والرّخص والعقود ممَكننَة بواسطة الحواسيب. وتعتمدُ البلَديّة أيضاً على مجموعةٍ من الكاميرات في مختلف القطاعات. وهذا التّحديث يوحي بالثّقة للمواطن بأنَّ كلّ شَيء محفوظ وموثَّق وممكنَن.
وختم بقوله أنَّ اللبناني قادر على أن يقدّم أشياءَ عَظيمَة، وقيمة والإنسان بما يَتركُ من عَمَل صالح بين النّاس يتذكرونه به كما وشَكرَ أهل قريته على حسن تعاونهم في جميع الإنجازات والنّجاحات في البلدَة.

صورة editor14

editor14