التبويبات الأساسية

أصبح التناغم بين العاملين في الحقل العام ضرورة قبل سقوط الهيكل على الجميع

أحمد الأيوبي

شكّلت الندوة التي دعا إليها “مركز إشراق للدراسات” حول مشكلة الكهرباء والطاقة، محطّة التقاء لعدد من نخب طرابلس، ومنصّةً اعتلاها رئيس غرفة طرابلس الكبرى توفيق دبوسي ليصارح الحاضرين ومن يصل إليهم خبر هذا اللقاء بأنّ هناك معضلة استعصت على الحلّ لكن لم يعد ممكناً تجاوزها مع تفاقم الأزمات، وهي فشل نخب وجمعيات المجتمع المحلي في التعاون فيما بينها، رغم ازدياد أعداد أصحاب الكفاءة والمبادرة والنجاح.

لماذا انتفض دبوسي

وكاشف الجميع؟

ربما يتساءل الكثيرون: ما الذي دفع برئيس غرفة طرابلس لطرح هذه الإشكالية في هذا التوقيت وبهذه الطريقة، والحقيقة أنّ العارف بالأدوار التي يقوم بها توفيق دبوسي في عوالم الاقتصاد والدبلوماسية وفي مسالك السياسة التي يجتازها مُكرَهاً ليؤمِّن مسالك الحقوق في الإغاثة والتنمية وتوفير ما أمكن من فُرصٍ للصمود الاجتماعي، وهو يرى هذا التفرُّق المتمادي في الوقت القاتل، ويشاهد الكثيرين يتصرّفون وكأنّهم في سباق على الشهرة والتصوير والإعلام، وأنّ الناجحين يغرّدون وحدهم من دون تفكير بكيفية التشبيك والتكامل، وأنّ الجهات المانحة تتراجع ثقتها بالمدينة بسبب قصور السياسيين وتشتّت المجتمع المدني.

قدّم توفيق دبوسي للحاضرين نموذج التدخل لتشغيل المحطات الكرومائية لصالح كهرباء قاديشا وتالياً لصالح مصلحة مياه لبنان الشمالي، وهذا تدخّل كان يستلزم تحرّك نواب المدينة لمواكبة الخطوات وحمايتها في السياسة والإدارة والتنفيذ.

لهذا كلّه وغيره:

قالها توفيق دبوسي بصراحة ووضوح: إن من الطبيعي أن نجتمع سوياً ولكنّ المشكلة هي أنّنا لا نقدر على التناغم والتنسيق والتعاون فيما بيننا، فإذا بنا يكرِّرُ بعضُنا بعضاً في الأنشطة والجهود، ورغم أنّ المدينة أصبحت كبيرة من حيث عدد السكان وكثرة الجمعيات، إلاّ أنّ الانفراد والتباعد يجعل كلّ واحدٍ منا يغنّي على ليلاه! علينا أن نعترف بأنّ عندنا مشكلة ثقيلة: نحن لا نتمكن من استيعاب بعضنا ولا التكامل فيما بيننا.

طرابلس المدينة

الحاضرة دائماً للنجاح

يذكّر توفيق دبوسي أهل طرابلس بأنّ لمدينتهم موقعاً تستطيع من خلاله أن تلعب دوراً كبيراً على مستوى لبنان والمنطقة، فهي قادرة بأن تكون مرفأ ومطار ومنصة نفط وغاز المنطقة العربية، وأن تكون مدينة سياحية محافظة تجتذب السياح من جميع أنحاء المعمورة، بهويتها الحضارية المعروفة.. ويذكّر الجميع بأنّ حجم الملاحة الدولية في شرق المتوسط هو 60 مليون حاوية، وقدرة مرافئ لبنان وسوريا مليونين ونصف المليون حاوية كحدٍّ أقصى، وهذا يعني أنّ المنطقة تحتاج إلى مرفأ إقليمي دولي، وتؤكّد كل الدراسات في هذا المجال أنّ باستطاعة طرابلس أن تكون هذا المرفأ المطلوب وتكون عقدة مواصلات ومركز اقتصاد متكامل.

الانعزال

ليس من صفات طرابلس

يكمل دبوسي مصارحته لنخب طرابلس قائلاً إنّ أحد العوائق التي تحول دون أخذ المدينة لدورها، هو الصراع الطائفي والمناطقي الذي يريد الاستحواذ على كلّ شيء وعزل الفيحاء عن حقوقها في التنمية.. لذلك نحن قلنا إنّ مشروعنا هو طرابلس الكبرى من البترون إلى أقاصي عكار، لأنّ مدينة العلم والعلماء ترفض الطائفية وتنبذ الانعزال، وتتوق إلى الشراكة والتعاون مع محيطها الطبيعي، ولو أنّ استفزاز الآخرين قد يؤدّي في بعض الأحيان إلى ردود فعل دفاعية عن الذات والهوية، لا ترضينا ولا نرضاها.

طرابلس الكبرى..

حنين متبادل لعودة الجوار

أوضح دبوسي أنّ قسماً كبيراً من أهل عكار والضنية والمنية يسكنون طرابلس، وكان قسم كبير من أهالي الكورة والبترون وزغرتا وبشري يقطنون فيها، وهم يطمحون ويحنّون للعودة إليها، لأنّها جزءٌ من حياتهم وذواتهم التي عاشت أفضل الأيام في رحابها.. ونحن نبادلهم الحنين والشوق لعودة التلاقي ونعمل لهذه الغاية.

قال دبوسي بصراحة أيضاً: إنّ صعوبة الظروف توجب علينا أن نتواصل مع بعضنا أكثر ونجتمع ونتقارب ونضع أفكارنا لنخرج بحلول تعطي نتائج أكبر وتعالج المشاكل بطريقة فعالة وجذرية إذا استطعنا إلى ذلك سبيلاً، خاصة أنّ في المدينة رجالاً وسيدات، قياديون وقياديات في شتى المجالات.

مبادرات ناجحة

تحفّز على الصمود

لا يزال توفيق دبوسي مصرّاً على رفض وصف طرابلس بأنّها المدينة الأفقر على ساحل البحر المتوسط ورفض استدرار التعاطف مع أهلها بالاستعطاء، وهم يملكون ما يملكون من طاقات بشرية مبدعة وإمكانات استثمار واسعة وفوق عادية، فدعا أهل طرابلس إلى ملاحظة أنّهم لا يزالون في أوضاع أفضل من سوريا والعراق واليمن، حيث ضربت الحروب والكوارث أهلها، وأنّ هذا محفِّزٌ لرفض الاستسلام وللتحرّك نحو أخذ عناصر القوة لمقاومة الانهيار، وهناك قدراتٌ كامنة تستطيع النجاح، كما يحصل في مبادرات كثيرة، منها مبادرة رئيسة جميعة “أنا وأنت” السيدة ياسمين غمراوي زيادة لإنارة شوارع طرابلس، وما حقّقه المبدع عدنان بكري في الخارج بعد أن قصّر الواقع اللبناني عن الاستجابة لطموحاته، بينما احتضنته أوروبا ليفجّر إبداعاته، ومبدرة مركز “إشراق” والجهد الذي قدّمه الدكتور أيمن عمر وروعة فتفت وغيرها الكثير من المبادرات.

معادلة مستهجنة:

نجاح الأفراد والجمعيات وفشل الدولة

كانت المقاربة الأكثر قساوة هي المقارنة بين قدرة الجمعيات والأفراد على الإنجاز وبين عجز الدولة ومؤسساتها عن القيام بواجباتها ولو بالحدود الدنيا وفشلت في كلّ شيء، وهنا كانت لافتة المداخلة التي قدّمتها السيدة ربى شلق خلال حديث الرئيس أحمد قمر الدين عن الواقع البلدي وخلاصتها رفض تبريرات الفشل والعجز مقابل جهود أفراد ينجحون مع جمعياتهم في تحقيق الإنجازات.

الإنسان رسالة..

ختم دبوسي برسالة وجدانية قائلاً:”لن يعيش الإنسان آلاف السنين، بل إنّ عمره القصير فرصة ورسالة، وواجب بأن يترك بصمة خير وراءه، والأهمّ أن يتعاون الناس فيما بينهم إخوة في الدين والجوار والوطن والإنسانية”.

صورة editor16

editor16