أسست وساهمت في تأسيس أكثر من 25 شركة
هو رجل فكرٍ وإقتصادٍ وأعمالٍ من الطراز الرفيع، صاحب مسيرةٍ صاخبة بالتميّز والنجاحات والتألق على مستوى الشرق الأوسط وأبعد. مسيرته المُشرقة جعلته قيمةً مضافة لا بل مصدر فخر واعتزاز لعائلته الصغيرة والكبيرة، ذلك ان تجربته العميقة وخبرته الواسعة في مجالي الزراعة والصناعة حَوّلَته إلى مرجعٍ إقتصاديّ وطنيّ وعربيّ كبير، ورغم ذلك، هو لم يبخل يوماً على الحبيبة زحلة ولا على الوطن، بل وضع كلّ إمكانيّته العلميّة وغير العلميّة في خدمة تطوير الإنتاج المحلّي وحمايته.
في قلبه الكثير من الحبّ والتعلّق والوفاء لتراب عروس البقاع، وفي عقله الكثير من الخطط الإستراتيجية الإقتصادية التي يمكنها أن تنقل لبنان من حالة الإهتراء التي يعانيها على كافة الأصعدة والمستويات إلى حالة إزدهار تليق بالشعب اللبناني وتطلّعات شبابه.
هو المهندس الزراعي البارز ونقيب منتجي الدواجن في لبنان الأستاذ موسى فريجي، الذي يتحدث إلى أسرة مجلّتنا عن تجربته ونظرته إلى التحديّات التي تواجه إقتصادنا الوطني وسبل المواجهة والإنقاذ، وهو الذي يكتب مقالات وينشر دراسات معمّقة قد تكون خشبة الخلاص الوحيدة لهذا الوطن الصغير.
من زحلة ... وإلى زحلة نعود
عن الطفولة والعشق لمدينة زحلة، يتحدث فريجي فيقول: «ولدت في المعلقة وعشت سنوات طفولتي ومراهقتي في تلك المدينة حيث تلقيّت دروسي في المدرسة الإنجيليّة».
ويضيف: «بعد إنهاء دراستي الثانويّة إنتقلت إلى بيروت وتخصّصت في الهندسة الزراعيّة في الجامعة الأميركية، وفي تلك المرحلة كانت العلاقة مع زحلة تقتصر على علاقاتي الشخصيّة فقط. وبعد التخرج إنكبّيت على العمل في الإنتاج الزراعي، فصحيحٌ أنني تواجدت بزحلة وسكنتها وبدأت فيها مسيرتي المهنيّة إلاّ ان ظروف العمل كانت تدفعني للسفر بصورة مستمرّة».
هذا ويتحدث فريجي بإسهابٍ عن بداياته، حيث يقول: «لقد تسلّمت الإدارة الفنيّة وإدارة الإنتاج والمبيعات في شركة «عزيز ورده وشركاه» لمدّة 13 عاماً، وبالفعل تحوّلت الشركة في ذاك الوقت إلى إحدى أهمّ شركات الدواجن في الشرق الأوسط. إنّما بعدها ولأسباب إدارية معيّنة قررت أن أنسحب لأنطلق في مسيرتي الخاصة حيث أسّست وساهمت في تأسيس أكثر من 25 شركة زراعيّة وصناعيّة في لبنان وسوريا والأردن والسعودية ومصر والسودان».
وتابع: «في العام 1973 أسّست «شركة التنمية الزراعية» في لبنان التي نميت وتطوّرت وهي لا تزال مستمرّة حتى اليوم، بعد أن أعدت هيكلتها في العام 1996 ووسعت دائرة نشاطاتها».
هذا ويُلفت فريجي إلى أنّ سنوات الحرب كانت قاسية جدّاً على البقاع، مشيراً إلى أنّ علاقته الإجتماعية والإقتصادية مع المدينة كانت شبه مقطوعة ما بين الأعوام 1975 و1992 وبالتالي كان الإرتباط بمؤسسات زحلة الثقافية والتجارية وغيرها محدود جدّاً. وقال: «عدت إلى زحلة للإهتمام بشركة تنمية وتطويرها في العام 1996، بحيث إعتبرت ان وجود الرئيس رفيق الحريري آنذاك يشكلّ ضمانة، وهو الوقت المناسب لأكون أوّل شخص يُحَدِّث صناعة الدواجن، وكنت مقتنع جدّاً بهذا المشروع وبالفعل سعيت إلى تطويره وتوسيع آفاقه حتى تحمّس غيري وبات هناك منافسة في القطاع».
مستمرّون رغم الظروف الموجعة
لا يغيب عن بال فريجي أهل المدينة الأعزّ على قلبه، لا يوفِّر وسيلة للمساعدة، فهو أمّن فرص عمل لنحو 400 موظفاً من المنطقة، رغم صعوبة الظروف الحالية، حيث يقول: «رغم أن التكلفة مرتفعة بالنسبة لنا، لكنا سنسعى للمحافظة على شبابنا مستفيدين من بعض العوامل كتكلفة العمالة والطاقة التي تدفع بالليرة اللبنانية». وأضاف: «نحن لا نعتمد على التصدير لتصريف الإنتاج إنّما على السوق المحلي، فصناعة الدواجن هي الصناعة الوحيدة التي نعتزّ فيها بلبنان لأنها متطورة وتستحوذ على أعلى معايير الجودة».
عن الأخطاء الفادحة ...والجريمة الكبرى بحق الإنتاج المحلي
بالإنتقال للحديث عن المأزق الإقتصادي الذي نعيشه وسبل الخروج منه، فيُشير فريجي إلى حصول خطأ في تنظيم الإستراتيجية الإقتصادية منذ العام 1992، حيث قال: «رغم وجود نيّة سليمة لدى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلاّ أنه تمّ إرتكاب أخطاء جعلت من لبنان بلداً غير صالحاً سوى للسياحة والخدمات سواءا التعليميّة أو الطبيّة، أي بلد ريعي وذلك بفضل توقيع إتفاقيّات تبادل تجاري حرّ مع مجموعات ودول لا يعنيها تدمير القطاعات الإنتاجية اللبنانية من صناعة وزراعة، بفعل وجود منافسة غير عادلة مع منتجات مدعومة الإنتاج والتصدير من بلدان منشأها».
والمؤسف، يتابع فريجي، أنّ هذه الإتفاقيات تحوّلت إلى قوانين بعدما تمّ إقرارها في مجلس النوّاب. هذا ويُلفت النقيب إلى أنّ إعتماد الوكالة الأميركيّة للتنمية لإعداد قانونَيّ حماية الإنتاج الوطني وحماية المستهلك، والتي تمّت صياغتهما عن طريق محاميتين معيّنتين من الوكالة الأميركيّة، أتى بأضرار كبيرة ونتائج عكسيّة، بحيث أن القانون الأوّل لا يوفر حماية الإنتاج الوطني بأيّ شكل من الأشكال، فيما يسمح القانون الثاني بملاحقة المُنتجين الوطنيّين ملاحقةً صارمة تجعل الإستيراد أهون الشرور.
كلّ ذلك إلى جانب تخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات بنتيجة التفاوض مع منظمة التجارة العالمية وتطبيق شروط الإنتساب إليها كعضو دائم.
وأضاف فريجي: «لقد أدّت هذه السياسة إلى إتجاه معظم المؤسسات الصناعية والزراعية إلى الإقفال وبالتالي جعل لبنان يعتمد على الإستيراد لتوفير غالبية حاجاته حتى بلغت قيمة المستوردات 20 مليار دولار سنوياً، بينما تضاءل حجم التصدير من 5 مليار إلى 2 مليار دولار أميركي. ومن أجل تعويض النقص الفادح في ميزانية الدولة، لجأت الحكومات المتعاقبة إلى إعتماد سياسة خبيثة بالتواطئ مع حاكم مصرف لبنان وفي الغالب بتوجيه وتخطيط من الدول الصناعية الغربية، وهنا تكمن الحلقة المُفرغة التي تبدأ بالإستدانة من البنوك اللبنانية بفوائد تفوق عشرة أضعاف الفوائد المعمول بها في الدول الغربية. ولكي تستطيع البنوك تأمين حاجة الحكومات المتعاقبة، إعتمدت سياسة تشجيع المودعين اللبنانيين المُقيمين والمغتربين والخليجيين لإيداع مدخراتهم لقاء فوائد مغرِية فاقت الـ 10% سنوياً على الدولار و 15% على الليرة اللبنانية. وقد نتج عن ذلك تدفّق الأموال إلى البنوك اللبنانية التي لم تجِد من يستخدمها لقاء فوائد مرتفعة سوى الحكومات اللبنانية والتُّجار الذين لجأوا إلى الإستيراد ومشاريع بناء المساكن وقلّة قليلة من أصحاب المشاريع الإنتاجية لقاء دعم لفوائد البنوك المرتفعة».
وتابع: «أمّا قدرة مصرف لبنان على تسديد قيمة الفوائد العالية للبنوك اللبنانية فقد تجلّت بإعتماد دفع الفوائد من الإستدانة الجديدة فتراكمت بذلك الديون المستحقة على مصرف لبنان لصالح البنوك وتبخّرت هذه الديون في وزارة الماليّة التي توزّعت بين رواتب القطاع العام ومصاريفه المحدودة وبين الهدر المُمنهج والذي أصبح معروفاً بالسرقات والمُحاصصة والنهب والفساد على مدى سنوات. وأكثر، لم يكتفِ مصرف لبنان بهندساته المالية بإفراغ البنوك من مدخرات أصحابها، بل لجأ للإستدانة من بنوك خارجية عجز عن سدّها عندما وقعت الواقعة فأصبح لبنان بلد متخلّف عن سداد ديونه الخارجية».
وردّاً على سؤال حول اذا ما كان هناك أمل لخروج من هذا النفق، فيلفت فريجي إلى أن الأمل موجود إذا ما عمدت الحكومة إلى إتخاذ خطوات جريئة كتجميد العمل بإتفاقيات التبادل التجاري الحرّ المُبرمة مع منظمات ودول لمدّة 15 سنة بحجّة الوضع الإقتصادي المأزوم، إضافة إلى تكليف المؤسّسة اللبنانية لتشجيع الإستثمار IDAL من خلال إعتمادها المرجع الوحيد لتوفير تراخيص الإنشاء والإستثمار في القطاعات الإنتاجية، صناعية كانت أم زراعية، وتولّي التعاطي مع المحافظات والوزارات المختلفة لهذه الغاية. كذلك يجب وضع رسوم جمركية لا تقلّ عن 50% على كل مُنتَج صناعي أو زراعي أو غذائي يمكن إنتاجهُ في لبنان تحفيزاً للراغبين بالإستثمار في هذه القطاعات، مشدداّ على أنّ هذه الخطوات كفيلة بتحفيز المستثمرين وخلق أجواء مناسبة للعمل.
هذا ولفت فريجي إلى أن شروط صندوق النقد الدولي تبقى ضد الإقتصاد المحلي، مشددًا على ضرورة السير بالخطوات المذكورة.
وفي نهاية الحديث، لفت فريجي إلى أن زحلة تبقى مدينة عريقة رغم كلّ الظروف، وهي مقصداً صناعياً وسياحياً وثقافياً وزراعياً، كما أهلها يتميّزون بالشجاعة والجرأة والقدرة على مواجهة التحديّات والصعوبات، لأنهم مستثمرون ناجحون ومزارعون نشيطون.
إلى ذلك، شددّ فريجي على أهميّة المبادرات التي قامت بها بلدية زحلة وهيئات المجتمع المدني والكنسي في المدينة من أجل التخفيف من وطأة الأزمة المالية على أهل البلدة، حيث يبقى تماسكهم ووحدتهم أقوى من كافة الخلافات.