ككلّ أبناء زحلة، يشعر المهندس الناجح وسيم رياشي بفخرٍ وإعتزاز لانتمائه لهذه البقعة من أرض لبنان العزيز، فزحلة هي المدينة الحلم بالنسبة لهذا الشاب الذي آمن ببلده وعمل على تحقيق أحلامه إنطلاقاً من إيمانه بوطنه وشعبه، ليرفع إسم لبنان في مجال الصناعة حتى إستحق كلّ تقدير على المجهود الجبّار الذي يبذله لا سيّما في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها البلد الجريح.
في حديثه عن المدينة الأحبّ على قلبه، يعتبر رياشي أن «كلّ من عاش في زحلة يُدرك قيمتها الحقيقية، فلهذه البلدة تاريخٌ عريقٌ مليئ بالتحديّات والبطولات الجديّة، ففي 300 سنة من حياتها، مرّت عروس البقاع بمراحل صعبة وقاسية، لكنّها ناضلت وتحمّلت وقاومت لتنهض من جديد محافظةً على كيانها، فهي معروفة بأرضها الخصبة وطيبة أهلها الذين تميّزوا بشجاعة لا مثيل لها وكانوا أصحاب نخوة وكرم وعزّة عبر التاريخ، كما أن هذه البلدة تعتبر أيضاً عاصمة الكثلكة في الشرق، وهي بالفعل شكلّت أوّل جمهورية في المنطقة ما بين أعوام 1858-1825، وأنا شخصيّاً أعتزّ بولائي لها، فصحيحٌ أنني من بلدة قاع الريم إنما سكنت زحلة منذ 40 سنة ولا أُفكر في الهجرة ابداً».
لا يُخفي المهندس الطموح تعلّقه بلبنان بشكلٍ عام وبزحلة على وجه الخصوص، حيث يستذكر أصدقاء الطفولة في كلّ حارة، بالإضافة إلى الطبيعة الساحرة والكروم الواسعة من دون أن ينسى نادي هنيبعل الرياضي الذي كان ولا يزال يتابع نشاطاته بحماسة لا توصف.
هذا ويشير رياشي إلى ان ما يُميّز زحلة، هو «انها كانت ولا تزال أشبه بقرية كبيرة، وكلّ الخدمات الأساسيّة التي يحتاجها المواطن متوافرة، إلى جانب روح القرية النموذجية التي تنتشر في أرجاءها، حيث قال: «هنا كلّ الناس تعرف بعضها، وكلّ شيء يذكرنا بالقرية اللبنانيّة الأصيلة من البيوت القرميدية المزيّنة بالقناطر وصولاً إلى العادات والتقاليد التراثية التي لا تزال تتوارثها الأجيال».
وتابع: «في عمق الأزمات الحياتية التي تعصُف باللبنانيين، ترى المواطن الزحلي حافظ على هامش معيّن من التميّز، فهو نجا من أزمة الكهرباء التي ترخي بثقلها على اللبنانيين وفي كلّ المناطق، وهو تجنّب أيضاً مشكلة النفايات، بحيث لم نشهد تكدّساً في شوارع المدينة على غرار ما حصل في شوارع أكبر المدن، بل أننا نرى أبناء المدينة وفي عزّ الإنقسامات والاصطفافات متضامنين متكاتفين يجتمعون على مصلحة مدينتهم».
عن مسيرته المهنية، يتحدث المهندس الطموح بشغف وحماسة، حيث يقول: «لقد تخرجت من الجامعة منذ نحو 20 سنة وبدأت العمل مع العائلة، إذ لدينا معامل تُعنى بتصنيع البلاستيك من مفروشات وأدوات منزلية وخزانات وعدة توضيب الأكل بالإضافة إلى تصنيع النايلون والكرتون، علماً ان المصانع تتواجد كلّها في زحلة، وهي مجهزة بأحدث المعدات، فنحن حريصون على مواكبة التطوّر التكنولوجي بشكل مستمرّ بحيث نعمد إلى المشاركة بكافة المعارض الدولية، وقد نالت صناعاتنا شهادات عالمية لناحية الجودة».
لم يكتفِ رياشي عند هذا الحدّ، بل أن أحلامه الكبيرة قادته إلى إفتتاح عمله الخاص وهو ذات أبعادٍ تجاريّة وسياحيّة، بحيث عمل على تحويل أحد أقدم المباني في زحلة إلى باحة مليئة بالأمل والحياة بانتظار أن تزول الغيمة السوداء كما يقول.
أما عن تراجع الأعمال وتدهور الوضع الإقتصادي، فيرى رياشي أن الأزمة تطال كافة القطاعات من صناعية وزراعية وتجارية وتربوية وحتى صحية، لافتاً إلى أن الأسواق العالمية كلها تأثرت وتراجعت بفعل إنتشار جائحة كورونا. وأضاف: «لا شكّ أن أعمالنا شهدت تراجعاً ملحوظاً وهي تفاوتت بين قسمٍ وآخر، إلاّ أان المعاناة واحدة وكبيرة لدى جميع الصناعيين. فأزمة المصارف كان لها تداعيات كبيرة علينا، ورغم سعي الدولة للمساعدة إلّا ان هذه المساعدة تبقى محدودة مقارنة مع الوضع الذي نمرّ به».
ولكن ورغم المأساة الكبيرة التي نعيشها، يشعر رياشي بالتفاؤل حيث يقول: «لقد عرف لبنان الكثير من الصعاب والويلات، وها نحن نخوض اليوم حرباً إقتصادية شرسة، لكن اللبناني يشبه طائر الفينيق إلى حدّ بعيد، وهو حتماً سينهض من تحت الرماد وسيتجاوز هذه المحنة مهما بلغت صعوبتها».
ومن رياشي لكلّ شاب لبناني يشعر باليأس رسالة، يقول فيها: «أدعو كلّ من يفكر بالهجرة إلى البقاء وبذل المزيد من الجهد للحفاظ على الوطن، فنمط العمل في العالم تغيّر وبات هناك فرص عمل «أونلاين» لا تستدعي السفر، أما لمن هو مجبر على المغادرة، فأنصحه بوضع خطة للعودة، فلا يمكن للبنان أن يقوم من دون الأدمغة، وهذه الأدمغة هي ثروتنا الحقيقية التي يجب أن نحافظ عليها».
أما لزحلة، فتمنى رياشي أن تمرّ هذه المحنة بأقل ضرر ممكن، وأن تعمّ راحة البال عند المواطنين، فهذه البلدة العريقة لا ينقصها الإبداع أو التميّز على الإطلاق، بل إنها مدينة نموذجيّة ويستحق أهلها مثل كافة اللبنانيين أن يعيشوا بسلام وطمأنينة.