ليس من عادتي أن أتحدث عن شخصيات محددة أو موضوع خاص. ولكن لفتني في هذا الظرف العصيب الذي يمر به لبنان أن المغتربين إحتاروا بكيفية مساعدة بلدهم وجاءتني عدة ايميلات ورسائل من أناس بحالة عوز شديد كان قد مد لهم يد العون من مغتربين لبنانيين وخصوصاً رجل الأعمال جيلبير شاغوري، الذي قلبه دائماً على بلده وأهله وناسه، إذ لا يترك فرصة إلا ويدعم وطنه الذي لطالما أحبه، مع العلم أن حياة المغترب وتحديداً «شاغوري» لم تكن يوماً سهلة، فهو الذي غادر الوطن قسراً سعياً وراء الرزق وتأمين مستقبل أولاده ولم يغادر الوطن قلبه..
في كل صيف تقريباً كان يأتي وعائلته زواراً ليتمتع وأبناءه بطقس الوطن. لا حر حارق ولا برد يجمد الأطراف. وليعزز روابط أبناءه بوطنهم الأم رغم بعد المسافات، وليكسر قاعدة «البعد جفا». كما يقول المثل «هنا مدرستي الإبتدائية، هنا الحارة التي تربيت فيها، هنا كان يجلس جدكم مع ختيارية الحارة على كراسي من القش في المساء. يرشون الأرض بالماء، يشربون الشاي ويتحدثون عن أيام زمان».
ما من مغترب الا والوطن يسكنه.كحال رجل الأعمال جيلبير شاغوري
فالمغترب مهما هجر وطنه يحب العودة الى الأرض والأهل. فما أحن على الإنسان من تراب وطنه. لا أشهى من عنب دالية أو حبات تين في الحوش العتيق. ولا ألذّ من فنجان قهوة من يد أم باعدت الغربة بينها وبين أبنائها. غادروا شباناً في مقتبل العمر وعادوا شياباً، وقد انحنى ظهرها وضعف بصرها وارتجفت يدها وهي تحمل الفنجان لفلذة كبدها فترتشق القهوة ليسارع إلى تناوله منها بضحكة مُرة «معلش كب القهوة خير» وإن سقط الفنجان أيضاً» معلش يا ماما.. «كله خير». وقد يعود المغترب ليقول لأبنائه «هنا كانت تطبخ جدتكم، وهنا تخيط ملابسنا وترتق ما اهترى منها، وهنا وهنا وهنا ضاع العمر في الغربة». مع العلم ان والدة شاغوري كانت تعيش مع عائلتها في الغربة.
هو صاحب شخصّية إستثنائية بكلّ المقاييس والمعايير، فهو ديبلوماسيٌ ماهرٌ ومستشارٌ إقتصادي من الطراز النادر. هو رجل أعمالٍ عملاق وصديقٌ مقرّب للعديد من الرؤساء والحكاّم وقادة الدول. هو وجه لبنان المشرق والمتنج الذي سطع وهجه في مختلف أنحاء العالم. لمع إسمه في مجال الأعمال والإستشارات، فكان خير مثالٍ للشاب اللبناني الشجاع الذي دفعه طموحه اللامحدود الى مغامرات عابرة للقارات جعلته يكون حاضراً، مشاركاً وفاعلاً في أهمّ مراكز صناعة القرار.
هو المسيحي المؤمن والكاثوليكي الملتزم الذي لم يجذبه نادي الأثرياء المغرورين رغم ما هو عليه، بل حافظ على موقعٍ قريبٍ من الناس ولمس أوجاعهم اليوميّة ليبقى واحداً من أكثر رجال الأعمال احتراماً في العالم بعدما إنحفرت بصماته في العديد من المشاريع الخيريّة، بفعل مساهمته السخيّة في مختلف المجالات والميادين.
هو متحدّر من أسرة لبنانيّة أصيلة، ولد في نيجيريا في العام 1946، حيث شهد على نهاية حقبة الإحتلال البريطاني وما رافقها من تطوّرات وتداعيات دراماتيكيّة أرست بثقلها على الحياة السياسية النيجرية، وهناك إختبر عن قرب مدى تحكّم اللعبة السياسية بأوضاع الشعوب الإقتصاديّة والإجتماعية.
قلبه دائماً على بلده وما يحصل به، لا يترك فرصة إلا ويحاول من خلالها دعم أهله وناسه في وطنه الأم.
بنى مسيرته المهنية الشيّقة بجهدٍ ومثابرة إنطلاقاً من رؤيةٍ حكيمة عنوانها التخطيط والتفاني في العمل. فهو آمن بضرورة تطبيق المبادئ الديمقراطيّة من أجل إرساء بيئة إقتصادية سليمة يستطيع من خلالها كلّ فرد أن ينمّي مواهبه ويستغلّ طاقاته من أجل تحقيق أحلامه وطموحاته.
شاغوري تلقى دروسة المدرسيّة في مدرسة الـ «فرير - طرابلس» قبل ان ينتقل مجدداً إلى نيجيريا، حيث التمس فرصة للإنطلاق بمشواره العملي. وبالفعل فقد بدأ السفير مسيرته التي كانت محفوفة بالتعب والجهد فسرعان ما طور تجارته من بيع الأحذية إلى السيارات. وقد أستدعت حماسته اللافتة انتباه أصحاب العمل، الأمر الذي دفعهم إلى ترقيته ليصبح بذلك أصغر مدير مبيعات على المستوى المحلّي ولاحقاً على المستوى الوطني في الشركة.
إلتقى شاغوري وتعرف على شريكة العمر ورفيقة الدرب روز- ماري شمشوم، إبنة مزيارة الراقية والمثقفة في «كوتونو قرب نيجيريا»، فتزوّجا في العام 1969 وأنجبا أربعة أطفال هم رامز، جيلبير- أنطوان، كريستوفر وآن ماري، فسهرا على تربيتهم أفضل تربية إلى أن باتوا شبابا ً ناجحين في المجتمع. ولكن شاءت الظروف وإرادة الله أن يخسرا ولدهما رامز الذي توفي بنوبة قلبية في باريس وهو أب لولدين.
اليوم أصبح جيلبير وروز- ماري جدّين لخمسة أحفاد ويتطلّعان إلى المزيد والمزيد.
«شاغوري غروب»... العملاقة
في رحلته المهنية
عمل رجل الأعمال المحترف على تحفيز طاقاته وتوسيع خبرته في مجال المبيعات والإدارة واضعاً مستقبله ومستقبل عائلته نصب عينيه. وضمن اطار رؤيته الإقتصادية، وجد شاغوري في دولة نيجيريا فرصة كبيرة للإستثمار في الأعمال التجاريّة الخاصة بعدد من الصناعات الناشئة والتي تنمو بسرعة، من هنا كان تأسيس «شاغوري غروب» في العام 1971 التي تعنى في مجال البناء والعقارات والتطوير العقاري إلى جانب الفنادق، والتي سرعان ما تطوّرت لتضمّ شركات صناعية تُعنى بالأعمال التجارية الزراعية ومصانع الدقيق وتعبئة المياه والزجاج والألمنيوم والأثاث وغيرها من الصناعات، بالإضافة إلى شركات أخرى مختصة في مجال الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتأمين والتمويل الدولي. واليوم تعتبر «شاغوري غروب» إحدى أكبر الشركات الرائدة في نيجيريا لا بل في إفريقيا كلها، بحيث يبلغ عدد العاملين فيها عشرات الآلاف من جنسيّات متنوعة ومختلفة.
وفي خضمّ زحمة السياسة والأعمال التجارية والمالية، يولي شاغوري حياته الروحية والإنسانية اهتماماً خاصاً، بحيث ينظر إلى الأعمال الخيريّة على أنها جزء لا يتجزأ من إستراتيجيته العمليّة، لا بل مصدر فرح يسانده في مواجهة التحديات وصعوبات العمل اليومية.
وكتحيّة شكر لعطاءاته وإخلاصه للكنيسة، منحه البابا يوحنا بولس الثاني شرفاً متميّزاً من خلال تقليده وسام القديس غريغوريوس الكبير من رتبة قائد في العام 1990، قبل أن يمنحه البابا بنديكتوس السادس عشر في العام 2009 «الصليب الأكبر»، الذي يعتبر أرقى تميّز ضمن أوسمة القديس المذكور. وبالفعل فقد استحق السفير شاغوري هذه الأوسمة عن جدارة، فهو لم يكتف بالمساهمة في إعادة بناء كنيسة «نوتردام» المارونية في باريس و الصرح البطريركي في بكركي وغيرهما، بل حمل راية الدفاع عن مسيحيي الشرق ليس بالكلام فحسب إنما بالعمل على إيلاء هذه القضية الأولويّة المطلوبة في أهمّ العواصم العالمية ولا سيّما في واشنطن.
إلى جانب التزاماته الكنسية، لم ينس شاغوري الأطفال الذين حظوا بمكانة عزيزة في قلب هذا الرجل الكبير، فهو عمل على تأمين بصيص أمل للموجوعين منهم والمتألمين، من خلال تسخير وقته وطاقاته المادية والمعنوية في سبيل دعم مستشفى «سانت جود» الذي يعنى بمعالجة الأطفال المصابين بأمراض مستعصية، وما تكريمه وتكريم زوجته سوى شكرٍ متواضع وبسيط على كرمهما اللامحدود ودعمهما الدائم للأطفال وذويهم.
ولمزيارة أيضاً مكانة مميّزة لدى شاغوري وزوجته، فالسفير أظهر التزاماً إنمائياً مشهوداً له تجاه هذه البلدة وأبنائها، إذ أخذ على عاتقه قضيّة تطويرها عبر دعم وتحديث مختلف القطاعات فيها ولا سيما قطاعي الصحة والتعليم من خلال توفير العديد من المنح الدراسية لطلاب البلدة، إضافة طبعا ً الى تطوير شبكات البنى التحتية.
العائلة أوّلاً واخيرا ً....
لقد أيقن منذ البداية أن العائلة تبقى أعظم مصدر للسعادة والإلهام في الحياة، لذا لطالما عمل على تعزيز القيم الأخلاقية والروابط الأسرية التي هي أساس كلّ نجاح وتقدّم. واليوم يمضي في مشوار رحلته وعينيه تراقبان الأفق البعيد حيث يرى أن لبنان كان وما زال وسيبقى أرض القداسة ولهذا لن يتخلى عنه قديسي لبنان وسيخرج من محنته معافاً وستندثر جميع المؤمرات التي تحاك له بإذن الله.