هي بلدة شوفية تمتاز بطابعٍ قرويّ أصيل بفعل طبيعتها الجبليّة النقية ومعالمها التراثية التقليدية، غير ان الحركة التجارية - الإقتصادية المزدهرة التي تشهدها جعلت منها أشبه بمدينة صغيرة في قلب لبنان.
هي داريّا البلدة السبّاقة في إبتكار المشاريع الرياديّة وإيجاد الحلول الناجزة لمختلف المشكلات المحليّة بفضل مجلس بلديّتها النشيط وعلى رأسه العميد المتقاعد باسم بصبوص الذي لا يكلّ ولا يملّ بحثاً عن الأفضل للبلدة وأبنائها. فالبشر كما الحجر في طليعة إهتماماته، وتفكيره في الصغار يسبق تفكيره في الكبار، فلا مكان للتفرقة عنده والأولويّة هي للإنماء بمختلف أشكاله سواء الثقافي، الرياضي، الإجتماعي أوالإقتصادي.
أسرة موقعنا التقت العميد بصبوص الذي وضعنا في صورة الورشة الإنمائية التي تشهدها البلدة والمشاريع المستقبلية. وفي ما يلي أبرز ما دار في الحوار.
1- في البداية كيف تعرّفون عن هذه البلدة الجميلة؟
داريا تعدّ واحدة من بلدات إتحاد بلديّات إقليم الخروب الشمالي في قضاء الشوف كما أنّها واحدة من 4 بلدات تحمل نفس الإسم في لبنان، إرتفاعها عن سطح البحر يتراوح بين 700 و 800 متراّ كما تبعد عن العاصمة بنحو 45 كلم. تتميّز البلدة بموقعها الجغرافي على إعتبار أنّها كباقي بلدات الشوف تقع في قلب لبنان، هذا وتنتشر البلدة على مجموعة من التلال والهضاب التي تتشكل منها مدرجات زراعية تصلح لزراعة الزيتون والعنب والتين وغيرها، كما تنتشر على أراضي البلدة مجموعة من غابات السنديان والملول والحور. بالنسبة إلى السكان فإن عددهم يبلغ حوالي 4500 نسمة يضاف إليهم نحو 2000 نازحاً سورياً. وهنا أحبّ أن أشير إلى أن بلدتنا صنّفت بين البلديات العشر الأوائل في مسابقة البلديّات الرائدة التي نظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع الجامعة العربية علماً ان 250 بلدية إشتركت في هذه المسابقة .
2- ما هي الإنجازات التي حققتها البلديّة في إطار إنماء البلدة؟
إنّ أوّل وأهمّ إنجاز تمّ تحقيقه هو استردادنا المركز الثقافي في منطقة الحرش الذي كان بشراكة إدارية مع جمعية الوعي والمواساة حيث انتقل المركز البلدي إلى هذا المبنى، علماً بأن قاعاته الواسعة تصلح لاستخدامات متنوعة مثل محاضرات ومناسبات اجتماعية وغيرها. هذا وتقوم البلديّة منذ تسلمّها مهامها بورشة إنمائيّة شاملة، بحيث عمدت الى تجميل مداخل البلدة الأربعة الى جانب أعمال توسيع بعض الطرقات وتعبيدها، كما تمّ افتتاح شارعاً يحمل اسم اللواء ابراهيم بصبوص تقديراً لخدماته وعطاءاته لأهل البلدة فضلاً عن أعمال ترميم مختلفة لمقامات البلدة. كذلك قامت البلديّة بافتتاح أهمّ الحدائق العامة في اقليم الخروب والتي تحوّلت الى مقصد ومتنفسّ لأبناء المنطقة وليس فقط لأبناء داريا في خلال حفلٍ ضخم، وكان قد سبق هذا الإفتتاح تنفيذ أعمال تتعلّق بتجميل الساحة الملاصقة للحديقة من خلال بناء جدران واحواض لزراعة الأشجار، كما قامت بلديّة داريا بالتعاون مع اتحاد البلديات ببناء 3 بيوت صغيرة هي في الحقيقة عبارة عن غرفٍ يمكن استثمارها كمطاعم او مقاهي، ونحن اليوم بصدد اقامة حديقة جديدة مخصصة للكبار تصلح لرياضة المشي وغيرها، ان كلّ هذه الأعمال تترافق طبعاّ مع أعمالنا الروتينية مثل التشجير وتنظيف الأحراش ورشّ المبيدات وغيرها.
3- ماذا ينقص داريا بعد؟
في الحقيقة ما ينقصنا اليوم هو استكمال مدّ شبكة الصرف الصحي وقد تلقيّنا وعوداً كثيرة في هذا الصدد، وأنا لدي خطة لإنشاء نادٍ مخصص لكبار السن حيث يجتمعوا به لتمضية وقتهم بالإضافة الى إنشاء ملاعب ميني فوتبوال. الأفكار موجودة انما نحتاج الى بعض الدعم من أجل التنفيذ.
4- ماذا عن الدورة الإقتصادية في بلدتكم وما سرّ ازدهارها؟
تشكل داريا شرياناً تجاريّاً حيوياً بالنسبة للمنطقة، فهي تعتبر عصباً اقتصادياّ اساسياً في اقليم الخروب بحيث يوجد فيها مؤسسات ومصانع ومعامل متنوعة.
5- هل ساعدتكم خلفيتكم العسكرية في تولي مهامكم البلدية المدنية؟
في الحقيقة أنا اعتبر بأن ابن المؤسسة العسكرية يمتلك من الجديّة والتنظيم والخبرة ما يخوّله إدارة بلديّة وأكبر من بلديّة، فغالبية رؤساء دول العالم كانوا في الجيش، فهؤلاء يتمتعون بحنكة معيّنة وبقدرة على القيادة وإدارة المؤسسات وغالباً ما ينجحون في مهامهم.
6- كيف يتفاعل أهالي داريا معكم؟
للأسف توجد لدينا ثقافة محليّة معيّنة تكمن في إضفاء الصفة العائليّة على العمل البلدي، وانا من جهتي، أحاول إزالة هذه الفكرة الراسخة في عقول الناس، فنحن نعمل لصالح جميع الأهالي ولا نعرقل عمل أحد بسبب انتمائه العائلي او بسبب خياراته في الإنتخابات.
7- كيف تستعدون لموسم الصيف؟
نحن طبعاً سنستكمل العمل في مشاريعنا التي سبق وذكرتها، بالإضافة الى ذلك نحن بصدد التحضير لنشاطات رياضية متنوّعة الى جانب نشاطات خاصة بالأطفال تشمل عروضٍ مسرحية وترفيهية خاصة بهم.نحن نتمنى ان يمرّ هذا الفصل بهدوء وسلام كما نرّحب بجميع الناس التي تأتي الى داريا بهدف التعرّف على هذه البلدة ومعالمها.
ونحن في هذا البلد نفتقد لحسّ الإنتماء الوطني، وكذلك نفتقد لحسّ الإنتماء البلدي، من هنا أحبّ أن اوضح للجميع بأن البلدية لن تستطيع الإستمرار بأعمالها من دون جباية، فنحن نسخّر طاقاتنا وجهودنا من أجل تأمين حقوق المواطنين لكن في المقابل نصطدم بثقافة معكوسة عند هؤلاء نتيجة تقاعص دولتنا المركزية وعدم اهتمامها بشؤونهم، انطلاقا من هنا نحن ندعو الدولة الى تحمّل مسؤولياتها والمواطنين الى الإلتزام بواجباتهم وعدم الطمع ببلداتهم.
اللواء بصبوص رجل دولة سيذكره التاريج..
لا يخفى على أحد أن أبرز شخصيات بلدة دارايا هو اللواء ابراهيم بصبوص المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي والذي يعتبر شخصية محبوبة على صعيد الوطن ككل، فخلال وجوده في الخدمة الفعلية كان يولي اهتمامه للضعيف قبل القوي، للفقير قبل الغني، يقف إلى جانب المظلوم ليرفع عنه الظلم فتربيته لا تسمح له إلا بهذا، هو من القلائل الذين لم تغرهم المراكز ولا المناصب حتى لأنك تحسبه زاهداً بهذه الأخيرة.
نحن لا نتكلم من باب المجاملة بل كنا أثناءها وما زلنا نتابعه ونتابع إنجازاته ونعلم جيداً من هو اللواء ابراهيم بصبوص والذي نكن له كل احترام وعرفان بالجميل حتى نحن كصحافة قد مد لنا يد العون ولم يتوانَ عن مساعدتنا وما زال لعلمه المسبق عن مدى معاناتنا وما تتعرض له هذه المهنة من تهميش ومحاربة وضغط. وسنسرد لكم بأمانة ما كنا قد رأيناه في النهار الأخير له في الخدمة الفعلية فلدى وصولنا إلى المديرية آنذاك شعرنا أن هناك شيئاً غير إعتيادي، كثافة ناس وفود ووفود تجلس منتظرة دورها للدخول إلى مكتبه ضباط حاليون ومتقاعدون شخصيات دينية، سياسية، إجتماعية كان هذا المشهد قلما تعودنا رؤيته في الطابق الخاص بمكتب اللواء ولدى استفسارنا واستغرابنا عما يجري قمنا بسؤال العميد برادعي فأجابنا: “الجميع موجود هنا ليقوم بتوديع اللواء وإلقاء التحية عليه مثلنا تماماً. في قرارة نفسنا كنا ندرك جيداً مدى محبة الناس له ولشخصه ولنزاهته وإنسانيته وهنا تذكرنا حكمة جاء فيها ما يلي: «ماتت خادمة القاضي فجاء التجار والأعيان يعزونه فيها، بعدها مات القاضي فلم يحضر أحد فقد ذهبوا يباركون للقاضي الجديد...» بما معناه أن لا مجد للناس بل المجد للكراسي إلا مع هذا الرجل الذي قلب المعادلة فهو قد شكل ظاهرة تعتبر نادرة ليس فقط في وسطنا اللبناني بل العربي ككل إلا قليلين من أصحاب المصالح والمنافع والذي سرعان ما يفتضح أمرهم. من هذا المنطلق جاءت كلمتنا هذه لنعطيه لو القليل القليل مما هو عليه وإذا كنا سنكمل سرد صفاته فلا يكفينا فيه مجلد بأكامله كما وأننا لا نستطيع المرور مرور الكرام عن بلدته الأم دون ذكر رجل عظيم ولد ونشأ وترعرع فيها وإذ نحن نفتخر به وبأمثاله من رجالات هذا الوطن، ولطالما قلنا سابقاً ونقولها اليوم وسنقولها على الدوام إنّه رجل دولة سيذكره التاريخ دائماً وأبداً.