التبويبات الأساسية

هي ليست مجرّد بلدة عاديّة في جبل لبنان، فهي تمثّل الجبل بشموخه وصموده، هي الجبل بتاريخه المشرّف وحضوره العريق، هي الجبل بخصوصيّته وامتيازاته الإستقلاليّة الأبيّة. فمن رحمها خرج المير فخر الدين المعني الثاني الكبير أحد أعظم الأمراء الذي تحدثت صفحات التاريخ عن بطولاته ودهائه ووطنيته، وفيها زرع الله طبيعةً خلابة إستثنائيّة حتى انطبق عليها قول «قطعة من السماء على الأرض».

هي بعقلين، عاصمة قضاء الشوف وابنته المدللة، هي نقطة ضعف أبنائها الذين لا يألون جهداً في سبيل إنماء البلدة الأحب على قلبهم والحفاظ على جمالها وتراثها. فهنا الحضارة، هنا الثقافة وهنا الريادة.

مع رئيس بلدية بعقلين الأستاذ عبدالله الغصيني نسلّط الضوء على مختلف المشاريع الإنمائيّة التي يقوم بها المجلس البلدي النشيط، بالإضافة إلى شؤونٍ إجتماعية إقتصادية تخصّ البلدة وأهلها.

1- ‬في‭ ‬البداية‭ ‬ريّس،‭ ‬ماذا‭ ‬تقولون‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬البلدة‭ ‬التاريخية‭ ‬وماذا‭ ‬تعني‭ ‬لكم؟

بعقلين هي عاصمة الشوف، صحيحٌ أن عاصمة هذا القضاء تنقلّت بين دير القمر وبعقلين إنّما عادت واستقرّت في بعقلين نظراً إلى أجواء الحرب المشؤومة التي سيطرت على لبنان في فترة معيّنة، ونحن نعتبر بعقلين عاصمة جامعة موّحدة، لا سيّما بعد مصالحة الجبل التاريخية في العام 2001 والتي تمّت برعاية البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ووليد بك جنبلاط والتي أمّنت عودة المسيحيّين إلى الأجواء الحاضنة لهم في أرض الجبل. بعقلين فيها من التراث والحكمة والأدب والمفكرين ما يجعلها مصدر فخرٍ واعتزاز بالنسبة لنا علماً أن أهل بعقلين هم من يعنيني بالدرجة الأولى.

‏2-‭‬كيف‭ ‬تعمل‭ ‬بلديتكم‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬جماليّة‭ ‬البلدة؟‭ ‬وماذا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإنمائي؟

نحن بلديّة منتخبة من قبل المجتمع المدني، ففي بعقلين توجد حالة مدنيّة متقدّمة جدّاُ، علماّ بأن شعارنا في البلديّة كان ولا يزال بناء البشر قبل الحجر، بمعنى أنّه لا يجب التركيز على الحجر بقدر التركيز على البشر والنسيج الإجتماعي. البلديّة طبعاً تقوم بواجباتها المنصوص عنها في قانون البلديّات والذي يعود للعهد العثماني للأسف، إنمّا الفكرة تكمن في إيصال أمانة الناس بكلّ دقّة وشفافيّة وهذا هو المسلك الأساسي الأهمّ بالنسبة لنا.

أمّا ما تبقّى من وعودٍ فقد تسير بويترة سريعة أو ربّما بطيئة في دولة مفلسة ومُقصِّرّة في كافة المجالات والقطاعات كما هي الحال بالنسبة للبنان. من هنا، فإنّ المشاريع التي نقوم بها كبلديّة، سواء على مستوى تحديث شبكات الصرف الصحي وغيرها نعتبرها أساسيّة وسنستمرّ بها بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار، وحتى في القطاع التربوي نجد أنفسنا معنيّين لا سيّما على مستوى الإنشآت وإحتضان الطلاّب سواء كانوا لبنانيين أو سوريين. في بلدتنا أيضاً توجد مشكلة على مستوى المياه ما دفعنا إلى حفر آبار إرتوازيّة، إنما للأسف وبفعل التلوّث البيئي بات لدينا مشكلة أخرى على هذا الصعيد نعمل حالياً على حلّها.

أمّا في ما يتعلّق بموضوع الكهرباء والشبكة التي تعاني من أعطال منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، فنحن في هذا السياق نقوم مقام الدولة، هذا طبعاً بالإضافة إلى مواضيع البيئة الصحيّة والنظافة ورفع النفايات ونقلها إلى معمل الفرز والتي تتحمّل وزرها البلديّة علماً بانّ تكلفهتا بلغت نحو 400 مليون دولار كمعدلٍ سنوي، وفي لغة الأرقام يعني ذلك 60 % من موازنة البلديّة فيما الباقي يتمّ صرفه بتروّي ودراسة لتفادي الوقوع في أزمة ماليّة.

3- ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬لكم‭ ‬مصالحة‭ ‬الجبل‭ ‬وكيف‭ ‬تعملون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيخها؟

المصالحة هدفت إلى إعادة اللحمة إلى الجبل فالأخير يحتاج إلى رئتيه للتنفس، ولا شكّ بأنّ الوضع الإقتصادي يؤثر بصورة مباشرة على الوضع الإجتماعي، من هنا فإنّ المسيحي في الجبل يعتبر مكمّلاً أساسياً في المنطقة وغيابه يعني غياب الجزء المنتج الماركنتيلي، المغترب. ذلك أن وضعه السوسيولوجي وثقافته وتعاليم كنيسته الدينية كلّها عناصر تؤهله ليكون عنصراً فاعلاً في محيطه، ونحن أيضاً تلقيّنا ثقافة الحياة من المعلّم كمال جنبلاط وقد بات هناك حالة أخلاقية بيننا نريد أن نعيشها إلى أبد الآبدين ونأمل من الدولة أن تساهم في هذا الأمر، أما بالنسبة إلى ترسيخ المصالحة فهناك لقاءات دوريّة مع رؤساء البلديّات كافة وتحت سقفٍ واحدٍ وهناك تلاقٍ دائم حتى نكون يداً واحدة في خدمة جميع المناطق.

4- ‬هل‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬تعيق‭ ‬عملكم‭ ‬البلدي،‭ ‬وكيف‭ ‬تواجهونها؟

نعم، طبعاً نواجه صعوبات عديدة في إطار عملنا البلدي، لكن في الوقت عينه نحن نلمس قبول الناس وترحيبها بطروحوتنا ومشاريعنا على مستوى البلديّة، لكن ما ينقصنا هو وجود جهاز في البلديّة يساعدنا على تطوير فكرة الربط الإجتماعي والإحتضان بيننا وبين المجتمع المدني، وبالفعل فقد أطلقنا بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروعاً تنموياً راقياً وبشفافية مطلقة، وأنا هنا لا أتحدث عن بلديّة رديفة إنّما أتطلع لعمليّة مشاركة في العمل البلدي مع البلديّة المنتخبة والتي توّقع كافة المعاملات الرسميّة، فأنا لدي مسؤوليّات أُحاسَب عليها أمام المجتمع المدني وأمام الرأي العام والسلطات المعنيّة. بالنسبة لنا، هناك ترابط بين أعضاء المجلس البلدي وإهتمامنا يصبّ على توثيق هذا الترابط لخدمة العمل التنموي، ونحن أيضاً نصرّ في هذا السياق على التواصل مع المعترضين بالسياسة ونعمل على إستمالتهم إلى الحاضنة البلديّة وليكن الجميع مشاركاً في عمليًة الإنماء.

5- ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬اللامركزيّة‭ ‬الإداريّة‭ ‬وهل‭ ‬تؤيدونها؟

أحبّ هنا أن أُشير إلى أن البلديّة السابقة كانت مشاركة في اللجنة المركزيّة للتحضير للامركزيّة الإدارية التي نعتبرها إحدى ركائز الإصلاح الضرورية التي من شأنها أن تقضي على الفساد والإقطاع السياسي، وأنا هنا لا أهاجم بيت وليد بك جنبلاط التقليدي العريق ولا الحزب التقدمي الإشتراكي فهؤلاء كانوا في طليعة من طالب في تطبيق هذا المبدأ وكان ذلك في العام 1971، ونحن نتلاقى مع الحزب في طرحه هذا، تماماً كمبدأ النسبية الذي طرحه كمال جنبلاط. واللامركزيّة كما هو معلوماً، تتطلّب إلغاء الإدارات العامة المركزيّة في الدولة بمعنى الوسائط والبدائل من قائممقام إلى محافظ وغيرهما وهذا الأمر من شأنه تطوير العمل وتسهيله بما ينعكس إنتاجاً مبدعاً في المناطق.

6- ‬كيف‭ ‬تستعد‭ ‬بعقلين‭ ‬لاستقبال‭ ‬موسم‭ ‬الصيف؟

إنّ مشاريع الصيف تهمّني تماماً كمشاريع الشتاء لا بل الأخيرة تهمني أكثر، ذلك أن الصيف في لبنان هو عبارة عن حالة موسميّة ونحن نتطلع إلى توفير حالة إنمائية مستدامة. أما بالنسبة لبعقلين فقد أنعم الله عليها بمقوّمات سياحيّة ممتازة فهي تضمّ مجموعة من المواقع الأثرية الخلابة، من بينها منتزهات نهر بعقلين حيث المياه المتدفقة والأشجار الرائعة توّفر الأجواء المطلوبة للقيام بنشاطات ترفيهية متعددة، وفي البلدة أيضاً توجد مقامات دينية تراثية مثل كنيسة مار الياس القديمة التي تعود إلى أوائل القرن الثامن عشر، وكذلك قصر آل حمادة والذي عرف لاحقاً بدار الشيخ حسين حمادة الكبير، بالإضافة طبعاً إلى المكتبة الوطنية التي يعود بناؤها للعام 1897، والمحمية الطبيعة وغيرها من المعالم التي تجعل بعقلين بلدة اصطياف مميزة.

7- ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ريس‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جذبكم‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬العام؟

في الحقيقة أنا أحبّ العمل الخدماتي الإنمائي والإجتماعي منذ بداياتي، وقد أتت الفرصة ووجدنا أن الجدار المغلق ممكن أن نخرقه من خلال أفكارٍ تقدميّة وفعلاً هناك إمكانية لتحقيق نجاح، فأنا في النهاية لا أطمح إلى مناصب وجاهية بعد 40 سنة من الهجرة في أوروبا.

صورة editor11

editor11