التبويبات الأساسية

خلال 74عاماً من عمر الاستقلال اللبناني، تقدمت الحكومات المتعاقبة بـ 75 بياناً وزارياً لتنال الثقة من مجلس النواب، علماً بأن المراسيم والقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء تُعتبر مُلزمة، بينما البيان الوزاري ليس مُلزماً على الإطلاق.

وقد درجت العادة في لبنان على تضمين البيانات الوزارية عناوين عامة وبرّاقة، غالباً ما تخفي في طيّاتها خبايا التسويات وروائح المساومات، وليس إعادة طرح البنود الخلافية في البيان الوزاري في كل مرَّة سوى دليل واضح على عدم وجود إجماع أو قناعة راسخة وثابتة حول هذه البنود.

كالعادة، ستمنح القوى السياسية المُمثلة في المجلس النيابي الثقة للحكومة، بعد القيام ببعض الإستعراضات المنبريّة التي تنقلها وسائل الإعلام، ولن تتوقف هذه القوى السياسيّة ملياً عند البيان الوزاري، لأنه أحد مستلزمات “ديكور” استكمال التوافق واللعبة السياسية.

ونلفت الى أن لبنان حقّق رقماً قياسياً في تشكيل الحكومات، ففي مرحلة ما بعد اتفاق الطائف تشكّلت 17 حكومة بمعدل حكومة كل سنة ونصف السنة. ومنذ عام 2005 استمرت حكومات تصريف الأعمال أكثر من 4 سنوات، إضافة إلى سنتين من الفراغ الرئاسي!

تشكلت 15 حكومة في عهد الرئيس بشارة الخوري، وجاء في البيان الوزاري لأولى حكومات لبنان بتاريخ 25 أيلول 1943 برئاسة رياض الصلح، البنود التالية: صيانة الاستقلال والسيادة الوطنيّة، إصلاح الدستور، معالجة الطائفية والاقليمية، تعديل قانون الانتخاب وضمان التمثيل الشعبي، كفالة العدل الاجتماعي، العلاقات بالدول العربية الشقيقة، الاصلاح الإداري، اصلاح النظام المالي والضرائب، تنظيم القضاء، مكافحة الغلاء، تعزيز السياحة، تشجيع الصناعة، تنمية الزراعة، زيادة حركة التبادل التجاري، تحسين المواصلات وإصلاح شبكات الطرق وزيادتها، الصحة والاسعاف العام، مواجهة مشاكل العمل والعمال، حقوق المرأة، تنظيم الصحافة، الشباب والرياضة، توثيق الاتصال مع المغتربين، التعليم والتربية الوطنية!!

واستمرت هذه البنود تتكرر في بيانات الحكومات المتلاحقة إلى يومنا هذا، يُضاف اليها بين الحين والآخر بنود الكهرباء والفساد وغيرها، ومن ثمّ المقاومة والثالوث المقدّس لحماية لبنان.

وهكذا تشابهت البيانات الوزارية في 12 حكومة في عهد الرئيس كميل شمعون، 8 حكومات في عهد الرئيس فؤاد شهاب، 10 حكومات في عهد الرئيس شارل الحلو، 7 حكومات في عهد الرئيس سليمان فرنجية، 3 حكومات في عهد الرئيس الياس سركيس، 3 حكومات في عهد الرئيس أمين الجميل، 6 حكومات في عهد الرئيس الياس الهراوي، 6 حكومات في عهد الرئيس اميل لحود، 4 حكومات في عهد الرئيس ميشال سليمان، وحكومة الرئيس سعد الحريري في بداية عهد الرئيس ميشال عون.

وحملت هذه الحكومات تسميات برّاقة لم تستطع أن تحقق أو تنجز منها ولو النزر القليل، وعلى سبيل المثال لا الحصر: "حكومة الإرادة الوطنية الجامعة" برئاسة فؤاد السنيورة، “حكومة الانماء والتطوير” برئاسة سعد الحريري، “حكومة كلنا للوطن … "كلنا للعمل" برئاسة نجيب ميقاتي، "حكومة المصلحة الوطنية" برئاسة تمَام سلام، والمثال الصارخ على الإطلاق هو تسمية حكومة الرئيس سعد الحريري الحاليّة بـ "حكومة استعادة الثقة" وكأن الحكومات اللبنانية المتعاقبة تمكنت يوما ما من حيازة ثقة الشعب اللبناني؟!

المهام المُلحّة التي تنتظر الحكومة العتيدة لا تحتاج الى بيان وزاري مُنمّق ومطوّل ومفصّل لأنها لم تَعُد تحتمل التأجيل والتسويف. والمطلوب اطلاق عجلة مؤسسات الدولة، وضبط الامن، وتحجيم الفساد، وتوفير فرص العمل والحياة الكريمة، وإيجاد حلّ مستدام لمشكلة الماء والكهرباء، وإيجاد حلّ سريع لملف اللاجئين السوريين الخطر.. وما عدا ذلك هو خوضٌ عقيم في البحث عن جنس الملائكة.

(سفير الشمال)

صورة editor11

editor11