بعد 4 أيام في الظلام دون أن يرى النور، وبعد خضوعه لأربع جراحات لإنقاذ نظره، يتابع الشاب جاد اسطفان مجريات الثورة في المنزل أولاً بأول، وفي قلبه حسرة وفي عينيه أمل ما زال يبرق بالرغم من فقدانه النظر. يقول المثل "الضربة إللي ما بتقتلك بتقويك"، يحمل خسارته ويمضي، إيمانه بغد أفضل يجعله متمسكاً بالحياة، بالنسبة له "خسرتُ نظري لكني سأربح لبنان". يدرك أن البذرة التي زُرعت اليوم ستُزهر وتنمو وتأتي بثمارها، هي بحاجة الى الوقت لكننا سنلمس نتائجها في المستقبل. يؤمن أن ما قام به لم يذهب سدى وأن كثيرين نزلوا إلى الشارع بعدما عرفوا قصته.
هذا الثائر فقد بصره من أجل البصيرة، في حين أن كثراً يتمتعون بنظرهم لكنهم عاجزون عن المبادرة وانتشال لبنان من هذا المستنقع الذي يغرق فيه منذ 30 سنة. إنها سخرية القدر أو الحياة، سَمّها ما شئت، لكن ماذا بعد؟ كيف سيُكمل جاد حياته اليوم بعد هذه الخسارة؟ ماذا يقول للشباب والشابات الذين يحملون راية الثورة دون كلل أو ملل؟
لدى جاد الكثير ليقوله، كلماته تخرج من فمه بثقل، متعبٌ ومنهك، غير أنه لا يعرف الاستسلام. خيبته كتبها في أحد منشوراته عندما قال "ما خسرت انا عيني ونظري و بقيت 15 يوماً بالمستشفى، وعملت 4 عمليات لا يجينا هيك رئيس حكومة وحكومة الله يستر كيف رح تكون. أنا اليوم بالبيت ما قادر شارك عالطريق مع الثوّار الأبطال بس متكّل عليكن لا ما كون ضحّيت بنظري عالفاضي وقلبي معكن". هذه الخيبة لا تلمسها عندما تتحدث معه، بل على العكس لا تسمع إلا كلاماً متفائلاً وانتصاراً "أنا اليوم فقدت نظري في عيني اليسرى وأرى بغباش بنسبة 30-40% في عيني اليمنى، وبالرغم من ذلك لم أشعر للحظة أني نادم عما جرى، بل على العكس أنا فخور جداً اني قدمتُ نفسي في سبيل هذه الثورة وهذا الوطن. أعرف جيداً أن ما نقوم به قد لا يأتي بثماره اليوم لكني على ثقة أن البذرة التي زرعناها اليوم ستنمو وستكون شجرة سيجلس أولادنا بفيتها."
يُدرك جاد جيداً أن هذه الثورة هي الشعلة التي ستُضيء لبنان، هذا البلد الذي يرزخ بفساده منذ 30 سنة لن يتغيّر بسحر ساحر في شهر أو شهرين. أحياناً تكون الثورة فكرية أيضاً وليس فقط في الشارع، وهذا ما أؤمن به. ثورتي اليوم هي من أجل والديّ، وأولاد شقيقتي، تضحيتي في سبيل عائلتي قبل الوطن.
في اليوم الثاني على الثورة، أُصيب جاد في وجهه، انفجرت القنبلة المسيلة للدموع في وجهه ما أدى الى تضرر كبير في خده وعينيه. "لقد خضعتُ لجراحتين في عيني اليسرى لكن لم ينجح الأطباء في انقاذ بصري بسبب الضرر الكبير في الشبكة، في حين نجحوا في انقاذ عيني اليمنى بالإضافة الى كسر في عظام الخدّ بشكل نهائي، فاضطررتُ الى الخضوع لزرع Prothese و11 برغياً نتيجة الكسور في وجهي. لستُ حزيناً عما جرى لي، أنا اليوم بطل في عيون أهلي وأصدقائي والأهم في نظري أنا، لقد مارستُ قناعاتي ومستعد للتضحية بصحتي من أجل الوطن الذي نحلم به".
يتذكر جاد لحظة إصابته "كنتُ أقول لهم لماذا لا أرى، بقيتُ فاقداً للنظر لمدة 3 أيام قبل ان أسترجع النظر في عين واحدة. اليوم خسرتُ نظري ومعه خسرتُ وظيفتي التي كنتُ أعمل بها، فأنا شريك في أحد النوادي الليلية، حيث أتولى هندسة الإضاءة. أما اليوم فأنا عاجزٌ عن ذلك بسبب فقدان نظري. ما زلتُ شريكاً لكن لا يمكنني الاستمرار بذلك طيلة حياتي، عليّ البحث عن بديل لا يتطلب استخدام النظر كثيراً .بعد 15 يوماً في المستشفى، أقول اليوم المهم البصيرة وليس البصر، صحيح أني فقدتُ نظري لكني أرى لبنان الذي أحلم به سيتحقق. المهم اليوم استكمال ما بدأنا به، لا يجب ان نتوقف، ما نعمل عليه اليوم سنحصل على نتائجه في المستقبل. ممنوع الاستسلام وسنبقى هنا من أجل تحقيق ما نطالب به".
المذدر: ليلي جرجس- صحيفة النهار