التبويبات الأساسية

بقلم الدكتورة في العلوم الاجتماعية ريتا عطالله

مع دخول العالم سوق المعلومات والثورة التكنولوجية ،التي كانت لها إنعكاسات على معظم الدول، بالإضافة إلى انتشار الديمقراطية وتحرر المجتمع من الذهنيات التقليدية ،حصل تبدّل في السلطة الوالدية ، فتطورت مكانة المراة عموما والدور الذي تقوم به ، الأمر الذي أثر على موقعها في أسرتها ومجتمعها، فتخلصت بذلك من نظرة المجتمع الدونية تجاهها التي رافقتها لسنين طويلة .
والصورة الأبرز للمراة اليوم هي السيّدة العاملة في جميع المجالات ،المشاركة في تقدّم المجتمع والنهوض بالقطاعات المختلفة ، والتي أصبح لها دوران : الدور الأول تقليدي ينحصر في الإهتمام بالأمور المنزلية الروتينية ورعاية الأولاد، أما الدور الحديث لها فهو دور المراة العاملة المساعدة والمساندة للرجل في التخفيف من أتعابه والمواكبة للعصروحاجات المجتمع .
إن ولوج المرأة سوق العمل، خصوصا" للوظائف والمهن العليا ، بعد أن حصلت على شهادات ذات كفاءات علمية عالية ، أحدث قفزة نوعية في حياتها ،وساهم بشكل أو بأخر في إنجاز ثورة وتغيير في العلاقات الزوجية ،لا سيما تلك التي دخلت سوق العمل من بابه الواسع ، وتقلّدت مناصب اكانت سابقا حكرا على الرجال ، حتى الأمس القريب ، وتحملت المسؤوليات الإدارية والسياسية وحتى العسكرية والأمنية والقضائية ، متحدّية الكثير من العقبات والعراقيل في المؤسسات الكبرى ،فأصبحت تدرك أن لا شيء يتعذر تحقيقه .
مما لا شك فيه ان خروج المراة من حياة الانعزال والقوقعة ودخولها مؤسسات التعليم العالي قد غيرا نسبيا من دورها ومن نظرة الزوج اليها ، مما ساعدها على فهم ذاتها ودورها، وتطوير موقعها وقدراتها وفرض وجودها في اسرتها وفي مجال عملها .
لقد اصبحت المراة قادرة على المساهمة الفاعلة في الاعمال التي كان يقوم بها الرجل مما كان له الاثرالفاعل في ارتفاع مكانتها وفي اشتراكها معه في تصريف شؤون الاسرة، فاخذت تبدي رايها في جميع القضايا المنزلية ،تشارك في الحوارمما زاد من اعتمادها على نفسها وعزز من حريتها وفي بناء شخصيتها المستقلة ورغبتها بالعمل ، كما اصبحت اكثر اهتماما بالحياة العامة والانشطة المختلفة وناشطة في الاحزاب والمجتمع المدني وفي الحياة العملية والوطنية ودخلت العمل التطوعي والخيري لشغل اوقات فراغها فاخذت تسمو بمكانتها داخل مجتمعها ، واصبحت مساوية للرجل بعد ان لبت العديد من احتياجات افراد اسرتها المادية .

يمكننا القول أن عمل المراة ساهم بشكل أو بأخر في تنمية شخصيتها وثقتها بنفسها ، وجعلها أكثر خبرة بشؤون الحياة ، وأكثر استعدادا لتحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات داخل الأسرة ، ويمكن الإفتراض أنه كلما كانت الزوجة العاملة ذات مردود علمي عالي ،كلما ارتفعت نسبة مشاركتها في عملية تنظيم ميزانية أسرتها وفي احداث ثورة تبدل في العلاقات السلطوية بين الزوجين ، بحيث اصبح دخلها مصدرا لحضورها ولسلطتها كما أن بامتلاكها للامكانيات المادية، أضحت معتدة بذاتها وبالتالي اخذت تنزع بشكل لاإرادي نحو فرض سيطرتها وسلطتها داخل المنزل واحيانا ممارسة التسلط .

خلاصة القول ، باتت المراة تعي موقع القوة الذي تعيش فيه نتيجة ممارستها عملا يدر عليها وعلى اسرتها دخلا، تتمكن من خلاله من المباشرة والدخول في تسويات حول طبيعة الدور المطلوب منها داخل الاسرة وخارجها ،كما اصبح باستطاعتها ان تحسن شروط التعاون مع زوجها ،وان اي تعديل في تقاسم العمل الاجتماعي داخل المنزل وخارجه لا يمكن تحقيقه الا عبر المواجهة والمساومة ،فلا شيء يتحقق من تلقاء ذاته ،لان المراة القوية موضوعيا بعملها تستطيع ان تحدد اطار العالم الذي ترضى ان تحياه ،عن طريق القبول بمواجهة عالم الرجال لان هذا الامر هو السبيل الوحيد الى حريتها واستقلالها.

د. ريتا عطالله
باحثة في علم النفس وعلم الاجتماع

صورة editor3

editor3