"إسمع تفرح جرّب تحزن".
بهذه الخلاصة يمكن إختصار "معّلقات" عدد من النواب، الذين تباروا في إظهار بلاغتهم الكلامية، في مداخلات متلفزة، ولو لم تكن منقولة مباشرة لكان عدد طالبي الكلام قد تدنى إلى أكثر من النصف خلال ثلاثة أيام، صبحًا ومساءً.
ولم يترك هؤلاء النواب، موالين ومعارضين، سترًا مخبًّا إلا وكشفوه، مما دفع ببعض المراقبين إلى حث النيابة العامة التمييزية على إعتبار ما جاء في بعض الكلمات إخبارًا، وبالتالي يجب على القضاء التحرّك لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فإذا ما كان ما جاء في هذه المداخلات صحيحًا فإن "عملاً دسمًا" ينتظر النيابات العامة، وذلك حسمًا للجدل ووضع النقاط على الحروف.
ليس مستغربًا تجاوز عدد من النواب في كلماتهم كل الخطوط الحمر، في مباراة "عكاظية" تباروا فيها على كشف "عورات" الموازنة، واستتباعاً ما يحصل من هدر وفساد والإطاحة بالقوانين، وبالأخص أن من بين المتكلمين نوابًا ينتمون إل كتل تشارك في الحكومة، وآخرين كانت كتلهم ممثلة بحصة وازنة في حكومات سابقة، ولم تقدم شيئاً مما تحدث به نوابها في مداخلاتهم، التي أخرج بعضها رئيس الحكومة سعد الحريري عن هدوئه، وهو العارف أن حكومته ستكون عرضة لشتى أنواع التهشيم.
وما أدلى به بعض النواب في مداخلاتهم هو تكرار للكلام نفسه، وللفضائح نفسها، ولكن ما ميزّها هذه المرّة هو زيادة العيار من "الملح والبهار"، إذ كشفوا المزيد من أبواب الهدر والفساد في كل مرفق ومؤسسة في الدولة، وكأن الأمور في هذه المؤسسات سائبة من دون محاسبة تذكر.
وعلى رغم هذه اللهجة العالية السقوف فإن ما قيل وما أثير في الجلسات الثمانية قد ينتهي مع صياح ديك اليوم التالي لإقرار الموازنة لتعود الأمور إلى رتابتها المقيتة، وكأننا أمام مشهد لمباريات "عرض العضلات"، التي غالبًا ما تنتهي كالعادة إلى لا نتيجة، أو إلى تعادل سلبي في تسجيل النقاط في ما يشبه "المزاد العلني"، وكأن ثمة مزاحمة على من يسجل أكبر عدد من "الغولات" في شباك الحكومة، التي أهتزّت أكثر من مرّة في الأيام الثلاثة الماضية.
وأمام هذه "العراضة" لا يسع المواطن، وهو يستمع إلى من إنتخبهم منذ أكثر من سنة وما جاء على ألسنتهم مما يحصل في دولتهم ومالهم العام، وما يحصل من تجاوزات وتسويات ومخالفات للقانون، إلا "ندب حظّه"، لأنه يعرف أنه "لا ستّه ولا مع سيده بخير"، وكأنه مكتوب عليه أن يبقى محاصرًا بسلسلة من "عجائب الدنيا"، التي لا مثيل لها في أي بلد من بلاد الأرض الواسعة.
ولا يخفى أن ما ورد على ألسنة نواب الأمّة زاد طين اليأس عند المواطنين بلّة، وهو الذي فقد ثقته بدولته ومسؤوليها ومؤسساتها منذ زمن بعيد، إذ لا يمكن إستيعاب كيف أن عددًا كبيرًا من النواب الذين "عرّوا" الحكومة وهم مشاركون من خلال كتلهم فيها، وكأنهم يطلقون النار على أرجلهم.
ويبقى السؤال المنطقي مطروحًا وهو: ماذا تفعل هذه الأحزاب والتيارات في حكومة "لا تقدّم ولا تؤّخر في شيء"، وبالتالي فإن وجودهم فيها بمثابة "الساكت عن الباطل..."، أو في أحسن الأحوال هم شهود زور عمّا يجري في حكومة غير راضين عن أدائها.