ترأس رئيس أساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده القداس الاحتفالي الذي اقيم في كنيسة مار يوسف - ضهر العين في عيد القربان المقدس، يعاونه كاهن الرعية فؤاد الطبش ولفيف من كهنة كنائس القرى المجاورة: راسمسقا، برسا، جديدة بقرقاشا، في حضور حشد من المؤمنين من ابناء المنطقة.
بعد قراءة الانجيل المقدس، ألقى المطران بوجوده عظة قال فيها: "إحتفالنا هذه السنة بعيد القربان المقدس يرتدي طابعا خاصا ومميزا لأنه يتم بمناسبة السنة اليوبيلية للرحمة الإلهية التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس وأشار فيها إلى أن المسيح هو وجه الرحمة الإلهية وهو الذي جسد هذه الرحمة بفعل تضحية ومحبة لا حدود لها عندما قدم ذاته طعاما سريا لنا في القربان المقدس وقال إنه هو الخبز الحي النازل من السماء وإن من يأكل منه يحيا إلى الأبد".
وتابع بوجوده: "الكثيرون ممن سمعوا هذا الكلام قالوا إنه كلام صعب، فمن يستطيع قبوله؟ كلام يسوع لا يمكن فهمه بشريا، إذ كيف من الممكن أن يعطي جسده مأكلا ودمه مشربا؟ هذا الكلام كان تمهيدا لما سيحصل في العشاء السري قبيل إعتقال يسوع ومحاكمته والحكم عليه بالموت من قبل رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين. وقد استشهد المطران بوجوده بكلامه استنادا لما روى بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس".
أضاف: "بشريا هذا أمر طبيعي، ليس بإمكاننا أن نفهم هذا الكلام وهذا التعليم، فنحن لسنا، كما يتهمنا بعض سيئي النية الذين يتوقفون عند الأمور الخارجية، أكلة لحوم بشرية، كبعض الشعوب البدائية. ولذا فعلينا أن نعود إلى رواية فعل الخلق من سفر التكوين وأن نربطها بحادثة موت المسيح وإنتصاره على الموت وقيامته من بين الأموات.
وقد سلط الله الإنسان على الكون بمجمله، لكن هذا الأخير تمرد على الله عندما إستسلم لتجربة الشيطان الذي أغراه بأنه إذا خالف أمر الرب، فإنه يصبح إلها لنفسه ولا يعود لله أي سلطة عليه. بموقفه هذا حكم الإنسان على نفسه بالموت، لكن الله حكم له بالحياة، ووعده بمخلص يكون من نسل الإمرأة، وهو الذي سوف يرمم صورة الله فيه ويعيده إلى الفردوس".
وتابع بو جوده: "ان إبن الله عاش معنا على الأرض وحمل إلينا بشرى الخلاص، وإختار الرسل والتلاميذ ليتابعوا رسالته بعد صعوده إلى السماء، لكنه أراد أن يبقى معنا بشكل سري بواسطة جسده ودمه فقال لنا الكلام الذي سمعناه بأنه هو خبز الحياة وبأن من يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد.
ان يسوع اراد أن يعيد إلينا الحياة بإعطائنا ذاته تحت شكلي الخبز والخمر. وهو بذلك كأنه يعيد خلقنا من جديد. فالآب في البدء أعطانا حياته عندما نفخ فينا روحه، ويسوع يعطينا الحياة من خلال إعطائنا ذاته تحت شكل الخبز والخمر. وهذا ما لم يفهمه عدد من تلاميذه فأداروا له ظهرهم وتركوه بينما فهمه بطرس والرسل وعدد آخر من التلاميذ، وهذا ما فهمه كذلك شاول بولس الذي كان عدوا لدودا له وقد حاربه وتزعم الجماعة التي قتلت أول شهيد مسيحي الشماس إستفانوس، لكنه عاد فآمن به بعد أن استولى يسوع عليه قبل صعوده إلى السماء، وعد المسيح تلاميذه بأنه سيبقى معهم إلى منتهى الدهر، وهو بالفعل باق معنا في القربان المقدس الذي هو حضور فعلي له بيننا تحت شكلي الخبز والخمر، إنه سر من أسرار البيعة المقدسة لا يمكننا فهمه وإدراكه إلا بعين الإيمان.
في العهد القديم، عندما كان الشعب سالكا في الصحراء، عائدا من أرض العبودية في مصر إلى أرض الميعاد، تعرض مرات كثيرة للخطر وخاصة للجوع، فتذمر على موسى وعلى الرب، لكن الرب أعطاهم خبزا من السماء ليأكلوا فيعطيهم الخبز الحق خبز الله، الذي ينزل من السماء ويعطي الحياة للعالم".
وقال: "بالنسبة لنا، أيها الأحباء، نحن الذين نسير في صحراء هذا العالم ونتعرض للهلاك وللموت فإن لا حياة حقيقية لنا إلا تلك التي يعطينا إياها الله من خلال إعطائنا إبنه الوحيد لنا، وقد تجلى هذا الحب بشخص يسوع المسيح الذي بإعطائنا ذاته بالموت على الصليب عبر عن محبته التي لا حدود لها لنا، لأنه ليس من حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل من يحب.
إن تكريمنا الأساسي والحقيقي للقربان المقدس وعبادتنا له تتم من خلال المناولة، عندما نقبل هذا الخبز السماوي الذي يجدد حياتنا ويخلقنا من جديد ويعطينا حياته عطاء لا رجوع عنه. أما تكريمنا الخارجي له بالزياح والتطواف فهو تعبير منا عن إيماننا بأنه يرافقنا على دروب حياتنا اليومية، في أفراحنا وأحزاننا، في صعوباتنا والمشاكل التي تعترضنا. ولذلك لفإننا مدعوون لمحاسبة ذاتنا، قبل أن نأكل هذا الخبز ونشرب من هذه الكأس ولكي نخبر بموت الرب وقيامته إلى أن يأتي. وهذا إلاحتفال اليوم لنقتدي ببطرس ونقول ليسوع إنه وحده مرجعنا الأول والأخير لأن عنده وحده كلام الحياة".
وفي ختام القداس، اقيم زياح في ضهر العين ثم اجتاز بلدات راسمسقا، برسا، وجديدة بقرقاشا، حيث شارك فيه المؤمنون مع الكهنة وسط الصلوات والتراتيل.