أي مساعدات مالية للبنان ستذهب هدراَ .. بوجود إدارة سيئة
حوار: ميراي عيد
لا يختلف إثنان على أنّ الإستحقاقات الدستوريّة في لبنان تشكّل محطات مفصليّة تتصارع فيها الأطراف السياسيّة المختلفة تحت عناوين إستراتيجيّة عريضة، فيما باطنها يترّكز على أهداف سلطويّة ضيّقة، بحيث تكون العين على الحصص والأغنام والصفقات المربحة لا سيّما بعد العام 2005 تاريخ إندحار النظام السوري بجيشه وأجهزته الإستخباريّة من لبنان. فقبل ذلك العام كانت الحكومات تأتي معلبّةً جاهزةً فيما القوانين الإنتخابية تكون مفصّلة ومعروفة النتائج لدرجة أنّه لا حاجة لإجرائها.
ومنذ تلك الوقت وحتى 17 تشرين الأوّل 2019، باتت تلك الإستحقاقات ترزح تحت أنانيّة أحزاب السلطة ومصالحها، فحين تتلاقى تُشكّل الحكومات ويُنتخب الرؤساء وتجري الإنتخابات وحين تتضارب المصالح، تُعلّق أمور الوطن لحين تدّخل الأشقاء الأقربين والأبعدين.
ولكن خلال الأشهر الفائتة حدث ما لم يكن في حساب أرباب الحكم، بحيث قال الشعب كلمته وأصبح اللاعب الأوّل الذي لا يمكن تخطيه أو التغاضي عنه عند تشكيل السلطات. فلا حكومة يمكن أن تبصر النور إن رفضها الشارع ولا قرارات أو قوانين يمكن أنّ تمرّ من دون موافقة الرأي العام. هكذا أصبحت اللعبة اليوم وهكذا هو الواقع الذي يعجز من هم في مواقع السلطة في التكيّف والتأقلم معه.
المهندس الناشط شربل أبو جودة وهو من أوائل المنتفضين على الوضع المزري الذي وصلت إليه البلاد، يتحدث عن مسار تشكيل الحكومة وكلّ ما رافق عمليّة التكليف من تجاذبات وإتهامات بضرب الميثاقيّة، فيقول: «إن حصول الإستشارات في أقرب وقتٍ كان على رأس لائحة مطالب الحراك الشعبي، وهذ التكليف حصل بطريقة دستوريّة، ومن كُلّف بعملية التشكيل هو شخصيّة تكنوقراط، إنّما ما يهمّنا هو الأداء وحصول تأليفٍ سريعٍ، لذلك نحن اليوم في حال ترقّب لمسار تأليف الحكومة العتيدة لمعرفة إذا ما ستكون على قدر تطلعات الشارع». وتابع قائلاً: «إن ما يهمّنا هو وجود شخصٍ يكون قادراً على تحمّل المسؤوليّة، ويستطيع أنّ يشكل حكومة متجانسة وبعيدة كلّ البعد عن لعبة المحاور الإقليمية».
أمّا عن عدم وجود رأي موحدّ للحراك حول الموضوع الحكومي وعمليّة التأليف والتكليف، فيوضح أبو جودة بأنّ ما يجمع الحراك بمختلف مكوّناته هو الهدف الواحد، ألا وهو بناء وطنٍ واحدٍ نعيش فيه بكرامة، لافتاً الى أن كلّ مجموعة في الحراك تفتش عن حلٍّ ما، إنّما ما يجمعنا هو الوطنية». وأضاف: «هناك من رفض طريقة التكليف وهناك من قال بأنّ الآلية دستورية، وهذا ليس تضارباً بالآراء بقدر ما هو سعي للتفتيش عن الحلّ الذي ينقذ الوطن. وفي النهاية الناس في الشارع وستحاسب». وعن مدى تأثر الحراك أو الثورة بغياب قائدٍ يحرّكها، فاعتبر أبو جودة بأنّ القيادة ستبرز مع الأيّام مشيراً في هذا السياق إلى أن الوطن يحتاج إلى كلّ شخصٍ مخلصٍ وكفوء لأنّ المرحلة صعبة جدّاً. ويضيف قائلاً: «من هنا، نرى ضرورةً لتشكيل حكومة تكنوقراط متجانسة بعيدة عن المحاور، بحيث يصبح الوزير منكبّاً على العمل من أجل إنقاذ الوطن ولا يكون متفرّغاً لتوزيع خدمات مجانيّة لمحازبيه ومؤيديه على حساب الدولة والمال العام». هذا ورأى أبو جودة، بأنّ البلد يغرق، والفساد ينخر مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أن الأهمّ يبقى إقرار قانون استقلاليّة القضاء لأن البلد يحتاج إلى محاسبة فعليّة، ويقول: «نحن نطالب باسترداد الأموال المنهوبة، لأنّ البلد ليس مفلساً إنّما منهوباً».
على خطٍ موازٍ، أشار أبو جودة إلى أن الحراك يعمل على تشكيل لجان عمل مؤلفة من إختصاصيين لمواكبة كافة الوزارات، بحيث ستقوم هذه اللجان بطرح حلول لأزماتٍ مزمنة وإبتكار مشاريع تكون بمثابة خطط من أجل تأمين نهوض الوطن.
وفي ردٍّ على الإتهامات بوجود دعم خارجي للحراك، إعتبر أبو جودة «إنّه أمرٌ معيبٌ حقاً ومردود لأصحابه، فالشعب اللبناني إنتفض بوجه كلّ من عمل على إنزلاق الوطن في لعبة المحاور من دون خجل، فنحن من رفض تدّخل السفارات وكلّ السفارات في الشؤون الداخليّة اللبنانيّة، يكفي تكاذباً، فنحن وطنيون وغير مرتهنين إلا لوطننا لبنان».
وفي موضوع المساعدات الدولية إلى لبنان، قال أبو جودة : «لقد بلغ حجم الدين 90 مليار دولار من دون ان نرى تحسّناً في شبكات البنى التحتية او الخدمات الأساسيّة كالكهرباء وغيرها، ولو قدّمت الدول لنا 90 مليار دولار إضافية، فستذهب هدراَ بوجود إدارة سيئة. فنحن لا نحتاج إلى مساعدات، واللبناني أثبت أنه قادر على إنجاز المعجزات من العدم، وما مشهدية العرض المدني في عيد الإستقلال سوى خير دليل على ذلك، لكن ما يحتاجه الشعب هو فرصة».
وعن وجود تخوّف من إنفلات الشارع وحصول مشكلات أمنية، فاعتبر أبو جودة أن أهل الحكم هم خبراء في هذا المجال، وهم يعملون من أجل إفشال الحراك ونزع الصبغة السلميّة عنه باللجووء الى المندسين وغيرها من الأساليب الرخيصة. إنّما لا خوف إطلاقاً، لأن الحراك واعٍ لأداء السلطة وهو يصوّب الأمور نحو الهدف وهو يريد بناء وطن وليس تهديم ما تبّقى فيه، وقال: «التحيّة الكبيرة هي للجيش اللبناني ومجهوده الجبّار في هذه المرحلة الإستثنائيّة من تاريخ لبنان». في موضوعٍ آخر وحول نشاطه البيئي، يشير أبو جودة إلى أن العمل يتركزّ حاليّاً في منطقة البقاع الشمالي، ويقول: «المشكلة الغذائيّة التي برزت مؤخراً ليست سوى دليل على أنّنا لا نستفيد من أراضينا الشاسعة، وسأعطي مثلاً عن الأراضي القاحلة في البقاع الشمالي، فهذه أراضٍ متروكة في الوقت الذي ممكن ان نستفيد منها لزراعات عديدة كزراعة الزيتون، وهذا مشروع نحن مستمرّون بالعمل عليه، فبعد غرس 11000 شجرة خلال الأعوام السابقة، نحن اليوم بصدد غرس 60 ألف شجرة وبالتالي نسعى الى تحويل الصحراء إلى واحة خضراء جميلة ضمن إطار مشروعٍ بيئي وزراعي متكامل».
هذا ويلفت أبو جودة إلى أن اللجان الرقابيّة التي يعمل عليها الحراك تهدف إلى إصلاح القوانين والمراسيم التي تتضمن ثغرات تضرّ بحقوق الدولة والمواطن، واعداً بدراسة كافة الملفات من مياه العاصي وسدّ بسري وملف البترول وغيرها من الملفات الحيوية.
ألف تحية وتحية للمهندس شربل أبو جوده وأمثاله الوطنيين والشرفاء اللذين يحملون همّ الوطن والمواطن دائما وأبدا وما أحوجنا في هذه المرحلة العصيبة لأمثالهم.