كتب المفكر والاعلامي والديبلوماسي الراحل واجد دوماني في العديد من الصحف والمجلات، وأغنى صفحاتها بما كتب عن الفكر والأدب والثقافة والإعلام والسياسة والصحة والإنسان وشؤون الحياة، بأسلوب يعتمد العمق والبساطة والسلاسة والأناقة في آن، وينبع من غنى الثقافة وغزارة الإطلاع وعمق التجارب.
بعض مقالاته يعود إلى الستينيات، ومع ذلك فإن القارىء يتفاعل معها وكأنها كتبت اليوم، ولقد اختارنا إعادة نشر هذا المقال، وعنوانه المستحيلات الثلاثة.. :
المستحيلات الثلاثة هي: الغول، والعنقاء والخل الوفي. كذلك يقول المثل.. والأمثال هي وليدة تجارب وخبرات، وهي لم تأت ولا تأتي من الفراغ..
والحديث عن "الخل الوفي" الذي يعتبر الرقم الثالث من "المستحيلات" يأخذ حيزاً كبيراً من التجربة الشخصية.. وينال اهتماماً خاصاً في الحديث عن "صديق وفي" أو عن صداقة نقية عاشت سنوات طويلة.. وكانت مثلاً رائعاً لكل صداقة.. سأل أحدهم حكيماً بقوله: أتحب أخيك أم صديقك.
أجاب الحكيم "أحب أخي عندما يكون صديقي!" فتعريف الصديق يختلف عن تعريف الأخ.. الصديق أنت تختاره وتصطفيه، أما الأخ فإن القدر يختاره لك، وإذا كان مفهوم الدين في الأساس يعتمد على المعاملة فإن العلاقة بين الأفراد، ينبغي أن تعتمد على المعاملة، وتتخذ قياساً للمحبة والود... وليس هناك أية وسيلة أخرى "غير المعاملة" والصداقات الخالدة العميقة إنما تتحقق بمشاركة الشدائد والمحن، وحتى لا نكون رومانسيين في تعريف الصداقات.. لا بد من الإشارة والتوقف إلى روح العصر الذي نعيش.. حيث المصالح باتت تفرض وجودها، وتنوء بثقلها على علاقات الناس. وحيث بات التصور عن عالم تسود فيه الصداقة والمحبة ضرباً من الخيال.. وقد حاول المغني الراحل "جون لينون" الذي اشتهر بأغنيته "تخيلوا".. حاول هذا المغني أن يتخيل عالماً بلا قضاء ولا حروب.. منذ أن غنى هذه الأغنية في الستينات.. فخاب ظنه. وأصيب بالإحباط.
"الخل الوفي".. سيبقى واحداً من المستحيلات الثلاثة وكلما تقدم الزمن.. وتطورت الآلة.. واشتد الحرمان.. واتسعت الفروق الاجتماعية.. وتفاقمت حاجات الناس.. وتشابكت.. كلما حدث ذلك.. بات "الخل الوفي" حلماً من هذه الأحلام التي تطاردنا في النوم واليقظة..
والدول وحدها تدرك حقيقة الصداقات.. وعلى أي الأسس تقوم..؟؟ وكيف تحافظ عليها!! ولقد صدق المسؤول الإنكليزي الأول تشرشل عندما قال:
ليست هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة. وبعد! ولكن هناك مصالح دائمة.. المصالح الدائمة هي التي تصنع الصداقات الدائمة هذا على مستوى الدول..
فما هو على مستوى الفرد..؟؟
أقول: أليست الدول ومصالحها هي صورة مصغرة عن الأفراد ومصالحهم.. وإن اختلف الأمر في حدود معينة؟؟
(لبنان 24)