التبويبات الأساسية

في وقت يبحث فيه العالم عن سرير في مستشفى، او طبيب يقف الى جانبه في محنته، وفي وقت ايضا تُبنى المستشفيات الميدانية خلال أيام معدودة... تبدو الآية معكوسة في لبنان... المستشفيات تعاني، واول الغيث كانت بالأمس مستشفى سيدة لبنان جونيه أعلنت التوقّف عن العمل الإستشفائي كليا وإقفال كافة الأقسام بسبب الضائقة المالية.

وسط هذه الأزمة الصحية العالمية وما يحصل في القطاع الإستشفائي المحلي، لا بد من السؤال ماذا تبقى من "لبنان مستشفى الشرق"... حيث يبدو ان ما يحصل في قطاع الإستشفاء هو رأس جبل الجليد لما يحصل على مستوى القطاعات الطبية كافة، مع العلم ان القطاع الاستشفائي هو اول القطاعات التي يظهر فيها العجز ويشعر به المواطن كونه على اتصال مباشر بحياته اليومية.

ويتحدث وزير الصحة الأسبق محمد جواد خليفة عن أزمة عميقة ومتشعّبة، شارحا ان القطاع الاستشفائي يعاني منذ فترة من مشاكل كثيرة، وهي بسبب ازدياد نفقات العلاج على مستوى العالم.

التطور مرهق

ويوضح في هذا السياق، عبر وكالة "أخبار اليوم" ان الثورة الصناعية والاختراعات والاكتشافات الطبية، أدّت الى ارتفاع التكلفة دون ان يكون هناك زيادة موازية في الإنتاج القومي للدول، وبالتالي فإن مشكلة المستشفيات مطروحة منذ فترة، نظرا الى التكنولوجيا والأدوية الجديدة، فعلى سبيل المثال ادوية السرطان حيث سعر الوحدة العلاجية منذ نحو 10 سنوات كانت نحو 2000 دولار، اما اليوم فبلغ ثمن بعض الأدوية ما يفوق الـ 20 الف دولار خصوصا تلك التي تعتمد على تعزيز المناعة...

ويقول خليفة: هذا التطوّر بحدّ ذاته أرهق القطاع الصحي نظرا الى المصروف الكبير دون انتاج.

الأكثر تعقيدا

اما بالنسبة الى الواقع في لبنان، فيرى خليفة انه اكثر تعقيدا، كون القطاع يعاني الكثير من المشاكل، مشيرا الى ان المواطن اللبناني يطلب "طبابة ممتازة"، ولا يرضى فقط بما تضعه الدولة، بمعنى ان لديه حرية التنقّل بين الأطباء واختيار المستشفى.... ومعروف ان القطاع الصحي الاستشفائي مُكلف.

ويلفت ايضا الى ان المستشفيات تعاني من تردّدات نقص المال في الدولة، حيث الأموال متراكمة منذ سنوات عدة، وكان عدد منها قد استدان من المصارف بفوائد عالية وهذا ما ادى تدريجيا الى هذا التدهور السريع، ما دفع في المقابل بمستشفيات كبيرة الى تخفيف الموظفين واقفال أقسام تكلفة الطبابة فيها مرتفعة، ومن تداعيات هذا الواقع لا أعداد كافية لأسرّة العناية الفائقة ولا اجهزة التنفس... كما انه لا يوجد مال لاستثماره في مثل هذه العلاجات المكلفة.

ويعتبر خليفة ان الجهات المسؤولة عن إدارة الطبابة في البلد بدءا من الضمان الاجتماعي او وزارة الصحة او الجهات الضامنة... لا يوجد المال في صناديقها مما يحول دون مواكبة تطوّر التكنولوجيا اضف الى ذلك ازدياد عدد السكان وتعقيدات العلاج.

ويقول: هذه العوامل تراكمت دون ان يتم الانتباه لها ومعالجتها، وهي التي تؤدّي الى تهديد مستشفيات بالإقفال.

الأخطر...

لكن يتابع خليفة: "هناك ما هو الأخطر"، كاشفا ان اطباء مميزين تستقطبهم مؤسسات كبيرة للعمل في لبنان بدأوا يفكرون بالهجرة المعاكسة نتيجة الوضع الاقتصادي الذي يحول دون قدرتهم على تسديد التزاماتهم، ويضيف: مئات الأطباء اللبنانيين قدّموا طلبات للحصول على وظائف في الخارج. هذه هي هجرة الموارد البشرية والكفاءات من ممرضين وممرضات واطباء...

وإن ضُخّت الأموال...

وهل يمكن السيطرة على الوضع؟ يجيب خليفة: ليست بالأمر السهل، معتبرا انه ممكن ضخّ الأموال في المستشفيات التي ما زالت واقفة على أقدامها. ولكن مقابل ماذا، على اي اساس... حيث 90% من الاستهلاك الاستشفائي والطبي مستورد من أدوية ولا يمكن الإستعاضة عنها بأدوية وطنية، لا سيما وان أدوية السرطان الحديثة والمتطورة ليست أدوية جنريك ولا بدّ من استيرادها فقط من دولة المنشأ. اضف الى ذلك الأجهزة والمعدات والغرسات الطبية والصممات كلها مستوردة بسعر الدولار في السوق السوداء الذي وصل اليوم الى اكثر من 3000 ل.ل.

ويشير الى انه حتى ولو نالت المستشفيات حقّها من ديون عند الجهات الضامنة، كيف سيكون التسعير بالنسبة الى المواطن الذي يريد اي خدمة طبية؟ فالجهات الضامنة غير مستعدّة لزيادة اسعار التغطية على اساس الدولار 3000 ل.ل. ولا إمكانية لديها، فموازناتها لا تسمح بذلك، كونها وُضعت على اساس سعر 1500 ل.ل. للدولار الواحد، وبالتالي فإن العلاج على اساس الدولار سيدفع الجهات الضامنة الى تغطية جزء من التكلفة، وعلى المواطن ان يدفع الفروقات، ولا خيار آخر.

ويختم: لا الشركات الضامنة ممكن ان تتحمّل المزيد من الأعباء ولا المواطن لديه القدرة على دفع المزيد. وهذا ما سينعكس تدهورا ليس فقط على القطاع الصحي بل على صحّة المواطنين.

المصدر: وكالة أخبار اليوم

صورة editor14

editor14