تحت عنوان "لعبة جيوسياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، نشرت صحيفة "ديلي صباح" التركية تحليلاً للصحافي التركي طلحة كوسا، حذّر فيه من أنّ التحوّل البنيوي الكبير الذي تشهده المنطقة منذ العقد الأخير مرتبط بشكل وثيق بتبدّل ميزان القوى العالمية.
وتوقّع كوسا أن يندلع الصراع الجديد بين الصين والولايات المتحدة، موضحاً أنّ بُعد الصراع الاقتصادي بدأ يتجلى عبر الحروب التجارية. وحذّر كوسا من أنّ اللاعبيْن يحاولان إبقاء هذا الصراع تحت السيطرة، قائلاً: "لكن في حال اندلع نزاع أوسع في هونغ كونغ، أو تايوان أو جنوب الصين، فإنّه قد يتطوّر إلى مواجهة جيوسياسية أكبر".
كوسا الذي لفت إلى أنّ أحداً لا يتوقّع اندلاع حرباً مفتوحة بين القوى الكبرى عما قريب، أكّد أنّ التوترات ستؤدي إلى نزاعات بين المجموعات التي يدعمها كل منهما. وفي هذا الصدد، أوضح أنّ واشنطن وبكين تريدان إبقاء موسكو إلى جانبهما في حال اندلاع مواجهة جيوسياسية واسعة، مستدركاً بالقول: "ولذلك تعيش موسكو إحدى أفضل المراحل على صعيد التوسع الإقليمي. وتعدّ موسكو المستفيدة الأساسية من ارتفاع منسوب التوتر بين واشنطن وبكين". وتابع كوسا بالقول إنّ موسكو تملأ تدريجياً الفراغ الذي خلّفته واشنطن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تلميح إلى قرار الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري في المنطقة.
توازياً، تطرّق كوسا إلى سعي إيران وتركيا والإمارات إلى ملء الفراغ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معتبراً أنّ هذه الدول تحاول على الأقل الحؤول دون تشكّل ميزان قوى جديد في وجه مصالحها طويلة الأمد. في ما يتعلق بإيران، قال كوسا إنّها تستخدم المجموعات التي تدعمها في المنطقة لخوض هذه اللعبة، معتبراً أنّ توسع طهران المفرط في العراق ولبنان وسوريا واليمن يسبب لها مشاكل كثيرة. وتابع كوسا منبهاً من مواجهة محتملة في ظل عدم تسوية نزاعات مثل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني والمنافسة الإيرانية-السعودية وانعدام الاستقرار في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
أمّا بالنسبة إلى الإمارات، فهي تحاول بناء تحالف مع إسرائيل والسعودية ومصر لتشكيل تحالف أكبر، وتستخدم مواردها المالية للضغط على العواصم الغربية وشراء أسلحة متطورة، بحسب ما كتب كوسا.
على مستوى تركيا، قال كوسا إنّها تسعى، إلى جانب قطر، إلى التأقلم مع الوقائع الجديدة في المنطقة، شارحاً بأنّها تسعى إلى تعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية وتحاول خفض اعتمادها على حلفاء "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) بسبب دعم واشنطن لحزب "العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب الكردي" ومجموعة فتح الله غولن، وفقاً لما كتبه.
ونظراً إلى أنّ موقف تركيا بات دفاعياً أكثر منه هجومي، توقّع كوسا أن يستمر الصراع على النفوذ لفترة من الزمن قبل أن يبلغ اللاعبون وضعاً تتوازن فيه القوى، متحدثاً عن خطواتالكونغرس العدائية بحق تركيا وموقف تركيا تجاه الأزمة السورية وعدم رغبة أنقرة في أن تكون محاطة بـ"الأعداء" على طول حدودها الجنوبية وفي منطقة المتوسط.
وبناء على هذه المعطيات، أكّد كوسا أنّ التوتر الذي يسود المنطقة راهناً ليس "ظرفياً" أو "قصير المدى"، بل هو انعكاس لتحوّل بنيوي، متوقعاً استمراره لفترة من الزمن، وداعياً إلى اللاعبين إلى التحاور، إذ "يمكن أن تمثّل الأزمة الدائرة في ليبيا أو اليمن فرصة لإطلاق حوار مماثل".
المصدر: ترجمة "لبنان 24" - Daily Sabah