كتبت إيفون أنور صعيبي في صحيفة "نداء الوطن" تحت عنوان " إسترداد الأموال المنهوبة "مُعلَّق"... برقبة المنظومتين السياسية والمصرفية": " ليس المسؤولون "مسؤولين" عن كلامهم، فكيف بالأحرى أفعالهم الممزوجة بكمّ من المصالح "الماليّة"؟! قد تتفاوت نسب المسؤولية ولكنّ الأكيد أن المنظومتين السياسية والمصرفية متداخلتان لا بل شريكتان لدرجة انه عليهما "وحدهما" تكبُّد أكلاف المرحلة الراهنة بما أنهما استفادتا، من "الاقتصاد الريعي" ومن "الربا الفاحش" المتمثّل بالهندسات المالية والاكتتاب بسندات الخزينة، بالإضافة إلى عمليات السمسرة والسطو على "قرش" المواطن!
قد لا تتحمّل المصارف وحدها مسؤولية ما توصّلنا إليه، فلا أحد يُنكر الدور الذي أدّته خاصة خلال الزمن الذهبي للبنان (قبل الحرب الاهلية) لناحية تحريك العجلة الاقتصادية على مدى أعوام ولكنّها في الوقت عينه ساهمت، وبشكل كبير في "خداع" المودعين الكبار ونصب الأفخاخ لهم عندما قامت بإقناعهم بتجميد ودائعهم في لبنان في السنوات القليلة الماضية حتى تقوم وتحتجزها اليوم مع أموال صغار المودعين وحساباتهم الجارية. والنتيجة: بطالة وركود لا بل كساد مع غلاء أسعار... هذه هي الخلطة الاسوأ لأي اقتصاد في العالم فكيف اذا كان اقتصاداً هشّاً يفتقر الى الانتاج والإبداع؟!
في ظلّ هذه المعمعة لا بدّ اذاً من إصلاح جذري وهيكلي لهذا القطاع الذي انحرف عن مساره الاساسي ألا وهو تمويل الانتاج وتحسين النمو، ولا بدّ أيضاً من قضاء يحاسب المرتكبين ويعمل لاسترجاع الاموال المنهوبة.
"الحلاقة" أفضل من "الشفط"
تتعدّد أوجه الـ"هيركات" وتختلف تسمياتها إلا أن نتيجتها واحدة. وبكل ما تحمله هذه "الحلاقة" من قساوة في التعبير الشعبوي، نظراً لعدم عدالتها تبقى اليوم أفضل من الواقع الذي بتنا نعيشه. فاقتطاع نسبة من الودائع أفضل من "شفط" الدولارات المحتجزة في المصارف أو إعادتها إلى أصحابها على شكل ليرة بسعر صرف رسمي 1500 ليرة فيما السعر في السوق الموازية لامس 2100 ليرة وسيصل بلا شكّ الى 3000.
أما عن استنسابية المصارف وأنانيّتها…فحدّث ولا حرج، ناهيك عن انعدام مقاييس الادارة الحكيمة التي تمارسها هذه المؤسسات، فيما البنك المركزي، الجهة المنوطة بمراقبة عملها ومحاسبتها، فلا حول له ولا قوّة. لقد ساهمت استنسابية المصارف بتسريع عملية انتقال الاقتصاد من حالة الإنكماش إلى الركود ومن ثمّ الكساد، بما لذلك من تداعيات على نسبة البطالة وانخفاض الموجودات المصرفية وتقلّص الانتاج بسبب انخفاض القدرة الشرائية التي من المتوقع أن تلامس مستويات غير مسبوقة حتى خلال سنوات الحرب.
بعد تخفيض الفوائد على الودائع وفي ظلّ ارتفاع نسب التضخم من دون انقطاع حيث تخطت هذه النسب الفوائد على الودائع، يمكن الاستنتاج أن قيمة الودائع المحتجزة تتقلّص يوماً بعد يوم وتتقلّص معها القدرة الشرائية. وإن كانت الودائع المجمّدة تعاني الأمرّين فكيف هي حال الاموال المحجوزة في الحسابات الجارية؟ سنشهد في الاسابيع القليلة المقبلة وقف السحوبات بالدولار نهائياً وبالتالي ستُخيّر المصارف أصحاب الحسابات بين القبول باستبدال الدولار بالليرة على أساس سعر صرف 1500 (وهكذا يكونون قد خسروا 50% من قيمة أموالهم) أو عدم حصولهم على أي "إعاشة" أسبوعية. أما السلطة النقدية ففقدت كلّ حسّ بالمسؤولية وبمجرّد إعرابها عن جهلها حيال مستقبل سعر الصرف فذلك يعني عملياً أن القدرة الشرائية للمواطنين ستتهاوى أكثر.