أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قبل ظهر اليوم في دردشة مع الصحافيين المعتمدين في القصر الجمهوري، ان هدفه تبيان حقيقة انفجار مرفأ بيروت من خلال التحقيق الجاري، مشدداً على تحقيق العدالة وعلى ان احداً لا يمكنه ان يدفعه باتجاه الخطأ او يمنعه من كشف الحقائق. وقال :”في هذه القضية لن يكون صغير او كبير بل ستكون أبواب المحاكم كلها مفتوحة امام الكبار والصغار على حد سواء”.
وإذ تحدث عن الاحتمالات القائمة للانفجار، ايّد الرئيس عون القول ان المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية المرفأ الهدف منها تضييع الحقيقة، والعدالة المتأخرة ليست بعدالة، نافياً ان يكون الامر قد طرح في المحادثات مع الرئيس الفرنسي.
وشدد الرئيس عون على “اننا امام تغييرات واعادة نظر بنظامنا القائم على التراضي بعد ان تبيّن انه مشلول ولا يمكن اتخاذ قرارات يمكن تنفيذها بسرعة”، مستطرداً ان “لا تدويل للازمة، فإذا لم نتمكن من حكم انفسنا لا يمكن لاحد ان يحكمنا، ولن تمس السيادة اللبنانية في عهدي”. واشار الى انه في ظل الكلام عن قيام حكومة وحدة وطنية، “يجب تحضير الاجواء المناسبة لذلك، ولا يمكننا ان ندعو الى حكومة وحدة لنصل الى الانقسام الذي شهدناه في الحكومات”.
ولفت رئيس الجمهورية الى ان الاهتمام حالياً لا ينحصر فقط بتأمين المواد الغذائية والطبية لبيروت، بل باعادة اعمارها ايضاً، و”نعمل على وضع مخطط في هذا المجال لتعود العاصمة افضل مما كانت عليه، وهناك امكانية لتولي دول عمليات اعمار مباشرة لاحياء محددة منها”.
وقائع الحوار
استهل الرئيس عون الحديث بالقول: ” انني، كما الشعب اللبناني غاضب للانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت، ولكن من يغضب لا يعود يعرف أحدا، فيما هدفنا اليوم تبيان الحقيقة للشعب لان الرأي العام بدأ يتغير شيئا فشيئا، وبات يذهب باتجاه الأبرياء وليس المسؤولين، والحقيقة لا يمكن اظهارها الا من خلال التحقيق الذي سيعيّن بداية المسؤولين، على ان تستكمل الإجراءات الأخرى في مرحلة لاحقة”.
أضاف رئيس الجمهورية:”ان من يفقد قريبا او حبيبا لا شيء يمكن ان يعزيه الا الاقتصاص من الجاني، الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به سعينا لان نعوض عليه خسارته المادية ولكن هذا ليس بعزاء. فالعزاء تحققه العدالة التي ستقوم بواجباتها. تعرفونني ويعرف الللبنانيون العماد عون في الحرب كما في السلم. لا احد يمكن ان يدفعني باتجاه الخطأ كما لا احد يمكنه ان يمنعني من كشف الحقائق. رغبت ان أقول هذا الكلام ليسمعني جميع المواطنين الذين انا منهم، اذ لست بآت من القصور بل من بين الشعب، واعرف كل بيت والكثير من اللبنانيين من الشمال الى الجنوب، وهم يعرفونني ويعرفون اني لا اتراجع عن أي مسؤولية ولا عن الاقدام في سبيل الدفاع عن وطني الذي هو الشعب. اقدم لهم تعازي القلبية الصادقة، اما العزاء الحقيقي فهو بتطبيق العدالة. وامام هذه العدالة لن يكون هناك كبير او صغير لا يمكن مطاولته، أي لن تكون العدالة كالعادة حيث الصغار يعلقون والكبار ينفذون.
ولفت الرئيس عون الى ما قاله احد الكتاب الفرنسيين المشهورين من ان القانون كخيوط العنكبوت يخرقها الذباب الكبير ويعلق فيها الصغير. وقال :”في هذه القضية لن يكون صغير او كبير بل ستكون أبواب المحاكم كلها مفتوحة امام الكبار والصغار على حد سواء”.
وردا على سؤال، أيد الرئيس عون القول بان المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية المرفأ الهدف منه تضييع الحقيقة. وشدد على انه لا يعود للحكم أي معنى اذا طال صدوره، والقضاء يجب ان يكون سريعا لان العدالة المتأخرة ليست بعدالة بل يجب ان تكون فورية وايضاً من دون تسرع ليتم التأكد ممن هو مجرم ومن هو بريء.
وكشف رئيس الجمهورية ان مسؤولية ما حدث تتوزع على ثلاث مراحل، كيف دخلت المواد المتفجرة الى المرفأ، وكيف وضعت، وكيف حفظت لسبع سنوات حيث تعاقبت عدة حكومات كما تعاقب عدد من المسؤولين وقد كتب البعض الى السلطات المختصة في المرفأ والمسؤولين عن الموضوع وانذورهم بخطورة الموضوع . طبعا كان هناك عدم ادراك او اهمال في القيام بالاعمال اللازمة .
أضاف: كما ان ثمة احتمالين لما حصل، اما نتيجة اهمال او تدخل خارجي بواسطة صاروخ او قنبلة، وقد طلبت شخصيا من الرئيس الفرنسي ان يزودنا بالصور الجوية اذا ما كانت متوفرة لدى الفرنسيين كي نستطيع ان نحدد اذا ما كانت هناك طائرات في الأجواء او صواريخ. واذا لم تكن هذه الصور متوفرة لدى الفرنسيين فسنطلبها من دول أخرى كي نتمكن من ان نحدد اذا ما كان هناك اعتداء خارجي او ان ما جرى ناشىء عن اهمال.
وعن سبب عدم حصول توقيفات في هذا الملف حتى الان لاي من المسؤولين او الوزراء السابقين، أوضح الرئيس عون ان الامر يتطلب وقتا وقد بدأ التحقيق والإجراءات مع عشرين شخصا، لافتا الى انه لا يمكن القبض على أي وزير او أي مواطن وادخاله السجن قبل التحقيق، وعندما تصل التحقيقات الى أي من المسؤولين تؤخذ افاداته ثم تتخذ لإجراءات اللازمة بحقه.
وردا عن سؤال عن إمكانية محاسبة رئيس حكومة في ما لو ثبتت مسؤوليته في ظل وجود الغطاء الطائفي، وعن الاستثمار بالحديث عن مسؤولية حزب الله ، أوضح الرئيس عون ان التحقيق لم يظهر أيا من ذلك، وهو يتم مع المسؤولين عن المرفأ، وهناك تقرير من جهاز امن الدولة يتم التحقيق على أساسه وتحديد المسؤولية، مؤكدا ان التحقيقات لم تصل الى أي رئيس حكومة بعد وان هناك مسؤولين مباشرين يتم التحقيق معهم راهناً.
وعن طرح الرئيس الفرنسي في مؤتمره الصحافي التحقيق الدولي، قال الرئيس عون ربما كان يسدي نصيحة لان الامر لم يطرح. وأوضح في ما خص المساعدات ان الحديث مع الضيف الفرنسي تناولها لكن من دون تحديدها. وقال هناك أنواع من المساعدات الغذائية منها والطبية ومساعدات الاعمار. تم حل المشكلة الأولى ولكن تبقى مشكلة الاعمار. ونحن نقوم الان بدراسة هذه القضية لنتمكن من تحقيقها.
واستفسر الصحافيون عما اذا كان هناك من حديث عن تغيير نظام او اتفاق دولي جديد، فأجاب الرئيس عون: نحن امام تغييرات واعادة رؤية بنظامنا القائم على التراضي بعد ان تبيّن انه مشلول ولا يمكن اتخاذ قرارات يمكن تنفيذها بسرعة، لانه يجب ان تمر عبر عدة سلطات وتكون توافقية، وعندما يكثر عدد الاشخاص لا يمكن الوصول الى توافق، ومن النادر بالتالي تحقيق اي اصلاح في مثل هذه الاجواء.
ورداً على سؤال عن امكانية التدويل، اكد الرئيس عون ان ليس هناك من تدويل، فاذا لم نتمكن من حكم انفسنا، فلا يمكن لاحد ان يحكمنا، ولن تمس السيادة اللبنانية خلال عهدي.
وعما يقال عن علمه بتخزين المواد المتفجرة في المرفأ، اوضح رئيس الجمهورية انه تلقى منذ فترة قصيرة (في العشرين من شهر تموز الفائت) معلومات حول الموضوع، واوعز فوراً الى الاتصال بالامين العام لمجلس الدفاع الاعلى والتواصل مع المعنيين بالامر لاجراءاللازم.
وعن امكان محاسبة المسؤولين عن الكارثة كعزاء بالنسبة الى من فقد اعزاء له في الانفجار، اكد الرئيس عون ان لا عزاء يمكن ان يعوّض فقدان قريب او حبيب، وقد يكون هناك من عزاء نسبي بتحقيق العدالة وتطبيقها، ولا غطاء فوق رأس احد.
وعن الحصار المفروض على لبنان منذ حوالى سنة، وعما اذا كان هناك من مساع لفتح كوة في هذا الجدار بعد المساعدات الدولية التي تتوالى، قال: ان الانفجار ادى الى فك الحصار، وقد تلقيت اتصالات من قادة ورؤساء فاعلين من مختلف دول العالم تضامناً مع الشعب اللبناني والاستعداد لتقديم المساعدة، وهو ما حصل بالفعل وفق ما نعاينه من وصول المعدات والاجهزة الطبية والمواد الغذائية وغيرها، خصوصاً بعد ان كان مخزون المعدات الطبية قد وصل الى النهاية بسبب هول الكارثة والعدد الهائل للجرحى الذي بلغ نحو 4 آلاف.
ورداً على سؤال حول سبب عدم مبادرته الى اعطاء اوامر بإزالة المواد المتفجرة بعد ان وصله التقرير، اجاب: هذه المواد دخلت الى لبنان عام 2013، لم اكن على علم بها ولا بمدى خطورتها، كما ان صلاحياتي لا تسمح لي بالتعاطي المباشر بالمرفأ، وهناك تراتبية يجب احترامها وعليها تحمل المسؤولية، وقمت بالتبليغ لاجراء اللازم وهو بمثابة امر.
وتعليقاً على قول احد الصحافيين عن ان المرفأ يسوده الغموض وعدم معرفة بما يحويه وما يحصل فيه، اشار الرئيس عون الى وجوب اعادة النظر بكل المرافق والمؤسسات ومنها المرفأ ومصرف لبنان والادارات الرسمية، و”لهذا نتحدث عن تغيير في النظام. وتراكم المشاكل منذ نحو 30 عاماً، ادى الى ما وضعنا الحالي.”
وسئل عن استثمار فئة سياسية لغضب الشعب وتحميل السلطة الحالية مسؤولية ما حصل، فرد بالقول: ان البعض تخطى حدود التهذيب، ويمكن للمرء ان يوجه الاتهامات، ولكن لا يعود له الاخذ بالثأر السياسي واستغلال الازمة الاقتصادية والمالية، والنقمة علينا سببها اتخاذنا لاجراءات اصلاحية كبيرة قد تطال اشخاصاً متهمين يعرفهم الجميع ولا يسميهم احد.
ورداً على سؤال حول امكان حصول وعي سياسي بعد الكارثة التي اصابت لبنان، اجاب رئيس الجمهورية ان هناك من يحلم بالوصول الى السلطة عبر استعمال كل الوسائل المتاحة. التضامن بعد وقوع مصيبة هو في تقاليدنا ووجداننا، وعادة ما تسقط امامه كل العداوات والخصومات ولكن للاسف، هذا التضامن الجميل بدأ ينفقد الآن.
وعن امكان وصول مساعدات دولية غير متعلقة بالمواد الطبية والغذائية، اكد الرئيس عون وصول مساعدات قيّمة في وقت قريب، “ونحن نعمل على وضع مخطط لاعادة اعمار بيروت افضل مما كانت عليه، وهناك امكانية لتعهد دول القيام بعمليات اعمار مباشرة لاحياء محددة، فتكون النتيجة اسرع.”
وفي ما خص القدرة على اسقاط الحواجز الطائفية من اجل اجراء المحاسبة اللازمة، شدد الرئيس عون على ان الصعوبة تكمن في عدم اعلان من تعرض للسرقة عمن سرقه، ولا يمكن تخطي اصول العدالة والديمقراطية، لذلك يكتفي الاشخاص بتوجيه الشتيمة التي تحولت في لبنان الى مصطلح “التعبير الحر”.
ولفت الرئيس عون في معرض رده على سؤال حول اهمية التدقيق الجنائي، الى ان اهميته تكمن في قدرته على الدخول في تفاصيل صرف الاموال وكيفية التصرف بها، وليس فقط مقارنة المداخيل والمصاريف، وهو ما يسمح باجراء المحاسبة.
وسئل رئيس عون عن المشهد الذي عكسه تلبية رؤساء الاحزاب السياسية والنيابية دعوة الرئيس الفرنسي للجلوس الى طاولة واحدة، فيما غاب بعضهم عن الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية في الاطار نفسه، وهل يمكن ان يعودوا لتلبية الدعوة الرئاسية اللبنانية، فأجاب: الدعوة لعقد اجتماعي جديد اتت من قبل رئيس صديق، وآمل ان يعطي من سمعها مؤشراً لها، خصوصاً وان الموضوع لم يكن محدداً والمطالب مختلفة لكل الافرقاء الذين لم يتفقوا على امر محدد. ولكن ما ذكرته اساسي، وعلينا ان نتابع المؤشر الذي قد يعطونه.
وحين سئل عن سبب عدم تعليق الرؤساء والنواب والوزراء لرواتبهم وتحويلها الى الناس في هذا الوقت تحديداً، لفت الرئيس عون الى انه لا يمكن الزام احد بالقيام بذلك، خصوصاً عندما يتعلق الامر بالرواتب، ومن يرغب في تقديم التبرعات، فسيقوم بذلك من تلقاء نفسه.
ورداً على سؤال حول امكان طلبه من الرئيس ماكرون المساعدة على جمع اللبنانيين للخروج بعقد جديد، جدد الرئيس عون التأكيد على انه اذا لم يتمكن اللبنانيون من حكم انفسهم، فلا يمكن لاحد ان يحكمهم او ان يصبحوا شعباً صالحاً للديمقراطية.
وحول ما تردد من كلام حول استقالة الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، اشار الرئيس عون الى وجوب تحضير الاجواء المناسبة لذلك، ولا يمكننا ان ندعو الى حكومة وحدة لنصل في ما بعد الى الانقسام الذي شهدناه في الحكومات.