جرت في جامعة القديس يوسف، كلية العلوم الدينية، مناقشة أطروحة الدكتوراه للزميل الدكتور غسان أبو ذياب، وحملت عنوان: "ما بعد الحياة في الإسلام، دراسة في بعض الفرق الإسلامية المعاصرة، السنة والشيعة الإمامية والإسماعيلية نموذجا".
تقدم الحضور مستشار رئيس الجمهورية لشؤون حوار الأديان ناجي خوري، ممثل المرجع الروحي لطائفة الموحدين الدروز شيخ العقل الأسبق للطائفة الشيخ أبو علي سليمان أبو ذياب، الشيخ سامي أبو ذياب، ممثل مؤسسة الفكر التوحيدي المعاصر للحوار والأبحاث الشيخ حاتم ضو، وشخصيات.
وتألفت لجنة المناقشة من البروفسور أفرام البعلبكي رئيسا، وكل من نائب رئيس جامعة الروح القدس الدكتور جان عقيقي، والدكتورة ندين عباس والأب الدكتور عزيز حلاق.
وفي كلمته، قال أبو ذياب: "ما حرك محركات البحث لدي تجاه هذا الموضوع هو القلق الوجودي من كليته، الذي يتساوى الجميع أمامه، موضوع الموت. اخترت هذا الموضوع انطلاقا من اقتناعي بأن أساس المعرفة هو التواضع أمامها، وأنه من باب أولى التأدب مع النور، ومحاولة طرقه بأدب الطلب، ووجدت نفسي معنيا بخوض مضمار البحث، بعدما اصطدمت بقلق الموت الوجودي، وخضت تجربتي معه باكرا نسبيا، كما أني أعيش تداعياته وأسئلته كل يوم، من خلال موقعي الديني والاجتماعي، آملا أن أستفيد من أطروحتي لمتابعة رسالتي الإنسانية والفكرية، وأن أفيد أخواني وأبناء مجتمعي ووطني وأمتي".
وأضاف: "كنت أبحث عن أجوبة، لماذا الموت، ماذا بعد الموت، كيف السبيل إلى الخلاص، كيف يعقل أن يكبر القاتل ويذبح المظلوم، أي العدل أن يضع مجرم إرهابي راية جدنا المصطفى "راية العقاب" خلف رأسه، ثم يذبح البريء، ويقتل المظلوم، أو أن يكبر آخر في كنيسة، ويفجر نفسه بحزام ناسف فيقتل المصلين الأبرياء؟ وأنا كنت شاهدا على إرهابهم في زيارة التضامن التي قمت بها بعد تفجير كنيسة سيدة النجاة في الكرادة بغداد. أي دين ينادي به هذا الذي يقول ربه "لا إكراه في الدين"، ثم يذبح أتباعه الأبرياء حتى من أبناء دينهم؟ أي دين هذا الذي يقول رسوله إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وقد استحال على ألسنة منافقيه قتلا وزعجا وإحراقا وطعنا وإرهابا؟ لا أعتقد أن هذه مقاصد الشريعة، ولا غاية الله لعباده".
وتابع: "رأيت بالدليل أن العقل الإسلامي، حتى المعاصر منه، لم يوفق في إيجاد أجوبة علمية عن أسئلة تؤرق، منها مصير من لم تبلغه دعوة الإسلام بشكل واف، فهذا وإن كان مفهوم الحجة اليقينية يشكل حلا له، فلا يعني حتى اليوم إمكان الخلاص بغير الإسلام. وماذا عن مصير أولاد غير المسلمين الذين تدركهم القيامة أو الموت وهم دون البلوغ، والأسئلة المتعلقة بالتفاوت بين الناس بالخلق والرزق وما شابه، من أسئلة تتعلق بالعدل الإلهي. أكثر الأجوبة المعاصرة تذهب إلى محاولة إيجاد الحلول بالحسنى في غياب القطعيات، أو بنزعة تقترب من مفهوم "لا أدري" تحت عنوان "الله ورسوله أعلم".
وقال: "من باب آخر، بت مقتنعا بأن طرح أي نظرية خارج الاجماع الإسلامي العريض، ستسبب ضررا بالغا للفرقة التي يجرؤ منظروها على فعل ذلك، كما أن أي نظرية في هذا الخصوص، لا يجب أن تصطدم بمسلمات جوهرية إسلامية، كمفهوم قدسية الحياة الإنسانية، واستخلاف الإنسان، ولا يمكن أيضا القبول باي نظرية تعادي مفهوما قرآنيا أو تناقضه. إلى غير ذلك من ضوابط يتعين بحثها لإنتاج اجتهاد إسلامي عالمي علمي، ولعلي بت مقتنعا أكثر بالحاجة إلى إعادة قراءة كتب الحديث. وخلصت أيضا إلى أن البحث في موضوع حصول تكرار الولادات، المسماة تقمصا أو تناسخا، يجب أن يفرز له مساحة واسعة في أطاريح البحث الطبي والمخبري والتشريحي، وأن لا جدوى ترتجى من التراشق بالنصوص، لأن سعة النص ومرونته تستطيع أن تقدم تأصيلا لمؤيدي أي نظرية، وكذلك لمعارضيها".
وختم: "بالمحصلة، فإن توحيد مفهوم النظرة إلى الموت، أو بالحد الأدنى الاتفاق على مشتركات في ظل العقائد المختلفة بين الفِرق ممكن بحصول واحد من ثلاثة احتمالات. أحدها اتفاق ديني - سياسي على شاكلة المجمع الفاتيكاني الثاني، باجتماع أهل العلم من مختلف المذاهب الإسلامية، والعمل تمحيصا وتدقيقا وبحثا على إيجاد العلل والبراهين النصية، وهذا الأمر بات مطلوبا بشدة، أو كشف علمي كبير موثق، يصدر عن مراجع علمية مهمة، علما أن العمل جار على قدم وساق في هذا الخصوص، وقد أنتجت مئات الكتب حول تكرار الولادات في غير جامعة في العالم. أما آخر الاحتمالات الإسلامية هو إحتمال ظهور شخصية الإمام المنتظر، الذي بظهوره يكشف للعالم ما خفي".