التبويبات الأساسية

تحت عنوان هل تتولى دار الإفتاء تعويض صمت الحريري؟، كتب نقولا ناصيف في صحيفة "الأخبار": في كل مرة ينشأ تباين بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، او بين الحريري والوزير جبران باسيل، او بين تياريهما، يتبادر الى الاذهان توقع يتيم حزين: تسوية 2016 تترنح او توشك على الانهيار، قبل ان يتبين سريعاً انها اقوى من ذلك بكثير.

ليس رئيسا الجمهورية والحكومة وحدهما طرفي الحبل الذي يشد تسوية 2016 او يرخيها. ثمة طرف ثالث فيها قليل ظهور في واجهتها، الاقوى والاكثر تأثيراً في ثباتها واستمرارها، هو حزب الله. وحده قادر على ضبط توازاناتها وخلافاتها، صاحب الفضل الاول في الوصول اليها. لكنه ايضاً الاكثر اصراراً على استمرار تعاون رئيسي الجمهورية والحكومة، وبقاء الحريري رئيساً للحكومة حتى اشعار آخر. هو الاكثر اهتماماً بالتفرّج على ما يدور بينهما من خلافات، مفضّلاً الاكتفاء بهذا الدور.

الى الآن، يكون العهد انهى اكثر من نصف الولاية لم يخلُ من النزاعات والخلافات الحادة، من غير ان تصل يوماً الى القطيعة بين عون والحريري. على مر ما انقضى، لم يطفُ مرة الى السطح نزاع ساخن بين الحريري وحزب الله اوحى بجهوز احدهما لمغادرة التسوية، او الانقلاب عليها، او فرض امر واقع مختلف حتى.

ما حدث اخيراً بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر جزء من كلّ، لم يتوقف منذ مطلع العهد: تقاسم الدولة بكل ما تنطوي عليه مصادر قوة كل منهما في التعيينات والقوانين والحصص والمكاسب. وهو ما افصح عنه مشروع موازنة 2019 عندما تفاديا مسّ مصالحهما المباشرة في القطاعات التي يقبضان عليها. احدث فصول السجال المستعر بينهما، وليس آخرها، طاول القضاء وقوى الامن الداخلي الذي سيفضي في نهاية المطاف الى هدنة، توطئة للانتقال الى ملف آخر.

واقع الامر ان اياً من الفريقين الرئيسيين المعنيين بالتسوية، المقيمين في صلب النزاع الشيعي - السنّي، هما الاكثر اصراراً عليها، بشهادة اكثر من امتحان شاق شهداه ولا يزالان:
اولها، احتجاز رئيس الحكومة في الرياض في تشرين الثاني 2017، وعُدّ حينذاك إقصاء الحريري عن منصبه وارغامه على التنحّي. الى اسباب سعودية محض ترتبط بعلاقته بالعائلة المالكة، كان المقصود توجيه ضربة قاصمة مزدوجة الى تسوية 2016، بعدما شاع انها لم تحصل لولا لحظة قوة ايرانية في المنطقة، اتاحت انضمام الحريري الى شرط حزب الله والرئيس ميشال عون لاجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية. مجرد الكلام حينذاك عن بديل من الحريري - وإن من ضمن عائلته - كاف لتقويض ما أُبرم في تشرين الاول 2016 في باريس ثم في بيروت. الا ان هذه المحاولة اخفقت ووقف حزب الله، بعد رئيس الجمهورية، في صدارة المواجهة بالاصرار على الحريري رئيساً للحكومة اللبنانية واخراجه من القفص السعودي.

اما ثاني امتحانات هذين الفريقين وثالثها ورابعها واكثر، فهو استمرار الاشتباك الاعلامي غير المباشر بين الحريري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كما بين تيار المستقبل وحزب الله، على النزاعات الاقليمية من غير ان يعرّضا حكومة الائتلاف، الاولى ثم الثانية الحالية، الى اي انهيار. كلاهما يتمسك بالامتداد الديني والعقائدي والسياسي للفريق الاقليمي الذي ينضوي تحت جناحه ويسلّم بخياراته، دونما التسبب في مشكلة لبنانية داخلية جراء هذا الولاء، تحت عنوان عريض هو ان استقرار لبنان يتقدّم ما عداه.

بات الكلام عن الدور الاقليمي لحزب الله اكثر اهمية من الحديث عن سلاحه وسبل ايجاد حل له. اما رد فعل تيار المستقبل، فيذهب في الوجهة المعاكسة تماماً: الدفاع عن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء من غير ان تكون مستهدفة بالضرورة، وتأكيد الوقوف وراء رئيس الحكومة من غير ان يكون هو بالذات مَن يراد التصويب عليه.

ما يجري منذ خطاب نصرالله في يوم القدس (31 ايار)، العالي النبرة على نحو مسبوق سواء في مخاطبته السعودية، او في التوجه الى الحريري رئيس الوفد اللبناني الى قمّة مكة، قد يكون احدث تعبير ليس عن صمود التسوية الرئاسية وصلابة عودها فحسب، بل ايضاً عن توجيه الانظار الى سوى النزاع المشكو منه.

لم يصدر اي رد فعل عن تيار المستقبل حيال ما قاله نصرالله، وتشكيكه في ما اعلنه الحريري انه يمثّل الموقف الرسمي اللبناني، وتفسيره النأي بالنفس، وتالياً حصره هذا الموقف بقائله فقط. لم يشكك ايضاً في شرعية الرجل ولا طعن به في منصبه. مع ذلك ذهب نصرالله الى ابعد مما قاله الحريري في المقلب الآخر من الخيارات الخطيرة، وهو ان حزب الله لن يتأخر عن الانضمام الى ايران في اي مواجهة عسكرية تتعرض اليها.

على اهمية ذلك كله، صُوّبت انتقادات تيار المستقبل وحملاته على وزير الخارجية في ملفات داخلية يسهل التوافق عليها لاحقاً. لا يعكس ذلك سوى الاصرار على تفادي الاشتباك مع حزب الله عبر توجيه ردود الفعل تارة نحو التمسك بالصلاحيات الدستورية لرئيس مجلس الوزراء الذي لا يشكو في العلن على الاقل من افتئات عليها، وطوراً حيال انتفاخ الحجم والدور اللذين يُفصح عنهما باسيل.
مع ذلك، غالباً ما يُفضّل الحريري اقران صمته بخطي دفاع سنّيين متأهبين على الدوام لرسم خطوط حمر يتفادى الجهر بها: الرؤساء السابقون للحكومة ودار الافتاء. اولئك سارعوا امس الى دعمه بالتركيز، كما في كل مرة، على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء. اما دار الافتاء، فموعدها، بحسب بعض المعلومات، في اول ايام عيد الفطر، مع خطبة عالية النبرة يُنتظر ان تصدر عن مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان تكون مثابة رد غير مباشر على ما قاله نصرالله.

المصدر: الأخبار

صورة editor14

editor14