كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول: فيما مضى الاستحقاق الحكومي اللبناني الى مزيد من التأزم وانعدام فرص تأليف الحكومة خلال الايام القليلة المتبقية من السنة، خطفت الأضواء محلياً وإقليمياً ودولياً زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئة للقوات الأميركية في العراق أمس لمناسبة عيد الميلاد، وهي أول زيارة له لمنطقة نزاعات بعد عامين تقريباً من رئاسته وعقب أيام من الإعلان عن سحب القوات الأميركية من سوريا. وقال مراقبون لـ"الجمهورية" انّ ترامب أراد من هذه الزيارة العراقية ان يؤكد "انّ الولايات المتحدة الاميركية لن تترك هذه الجغرافيا، وانّ سحبها قواتها من سوريا لا يعني هزيمة مُنيت بها".
وقد هبطت طائرة ترامب في قاعدة الأسد الجوية غرب بغداد بعد رحلة استمرت طوال الليل من واشنطن، ترافقه زوجته ميلانيا ومجموعة صغيرة من المساعدين ومسؤولين في جهاز أمن الرئاسة وعدد من الصحافيين. بحسب وكالة "رويترز".
ودافع ترامب في تصريحات أدلى بها عن قراره سحب القوات الأميركية من سوريا، معبّراً عن اعتقاده بأنّ "كثيراً من الأشخاص" سيقتنعون بطريقة تفكيره. وأكد أنه لا ينوي على الإطلاق الانسحاب من العراق، مبيّناً أنه قد يستخدم بلاد الرافدين قاعدة "إذا أردنا القيام بشيء في سوريا".
وأشار إلى أنه ليس في عجلة من أمره لاختيار وزير دفاع جديد "وإنّ شاناهان، القائم بأعمال الوزير، قد يبقى في هذا المنصب لفترة طويلة".
وسبق وصول ترامب الى العراق غارات شنّها الطيران الحربي الاسرائيلي على ريف دمشق الغربي عبر الاجواء اللبنانية، واعتبرتها موسكو خرقاً للسيادة السورية، ثم تزامن هذا الوصول مع تعزيز فصائل سوريّة موالية لتركيا مواقعها العسكرية عند خطوط التماس مع "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) في محيط مدينة منبج، بينما تهدّد تركيا بشنّ هجوم ضد مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد.
وأكد مراسل "فرانس برس" في مناطق سيطرة الفصائل قرب منبج أنّ الأخيرة ترسل منذ أيام المقاتلين إلى خطوط التماس في محيط المدينة، الخاضعة لسيطرة مجلس منبج العسكري المنضوي في "قوات سوريا الديموقراطية".
وقال المتحدث باسم "الجيش الوطني"، وهو تحالف للفصائل الموالية لأنقرة، يوسف حمود لـ"فرانس برس" أمس: "إتّخذنا الترتيبات والتعزيزات اللازمة كافة، وأصبحت قواتنا في جاهزية كاملة من أجل تنفيذ المعركة" في منبج وشرق الفرات.
الأزمة الحكومية
داخلياً، وعلى الصعيد الحكومي لم تحمل عطلة الميلاد اي مؤشرات الى حل قريب لأزمة تأليف الحكومة التي تفاقمت في الايام الاخيرة بفِعل الفشل في اختيار "الممثل الشرعي والوحيد" لـ"اللقاء التشاوري السني"، بل على العكس، فإنّ المواقف التي شهدتها إجازة العيد دلّت الى انّ البلاد مقبلة على جولة من التصعيد تفضي الى أحد أمرين: إمّا تعويم المبادرة الرئاسية "بتشذيبها" من اسم جواد عدرا لاستبداله بآخر، الى جانب بقية الاسماء مع تبديل بعضها أيضاً، بما يؤمن التوَصّل الى اتفاق ناجز هذه المرة على ممثل "التشاوري"، وإمّا ذهاب البلاد الى جولة طويلة من الخلاف السياسي ما يؤخّر تأليف الحكومة أيضاً وأيضاً والى أجل غير معلوم.
إلّا انّ مؤشرات الى احتمال تعويم المبادرة الرئاسية برزت من اجتماع عقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صباح الاثنين الماضي مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم. وعلم انّ البحث خلال اللقاء تركّز على سبل إنعاش مبادرة عون لحل أزمة تمثيل "اللقاء التشاوري".
وقد استتبع هذا اللقاء باجتماع عقد في الساعات الاخيرة بين رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل وابراهيم تناول ايضاً وبالتفاصيل سبل تفعيل المبادرة الرئاسية لجهة تحديد مواصفات ووظيفة "الوزير السني الملك" الذي ينبغي اختياره عليه لتمثيل "التشاوري".
في هذه الاثناء، انصَبّ اهتمام "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" خلال عطلة الميلاد وأمس على احتواء مضاعفات السجال الذي دار بينهما عبر لغة المصادر، الى حد انّ بعض المراقبين وصفوا ما حصل بأنه "عبارة عن عض أصابع بين الطرفين، لكنّ هذا الامر لا ينفي حقيقة العلاقة الراسخة بين رئيس الجمهورية وقيادة "حزب الله"، والتي تحكمها ثوابت سياسية واستراتيجية، فضلاً عن حاجة كل منهما الى الآخر، وكذلك حاجة الرئيس المكلف سعد الحريري لهما ايضاً لضمان استمراره في الموقع الثالث من هرم السلطة.
واعتبر مصدر مشارك في الاتصالات انّ ما حصل من فشل في اختيار ممثل "اللقاء التشاوري" باستبعاد توزير جواد عدرا ممثلاً له "كان نتيجة سوء تفاهم وسوء إدارة" بين المعنيين.
وعلى وقع تجدّد التحركات الشعبية في لبنان احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يترقب الجميع مسار الوضع السياسي عموماً والمسار الحكومي خصوصاً، بعد تبدد التفاؤل في ربع الساعة الاخير، بإمكانية ولادة الحكومة، وجاء كلام رئيس الجمهورية من بكركي أثناء مشاركته في قداس الميلاد عن سَعي البعض الى "خلق تقاليد جديدة في التأليف" ليزيد غموض المشهد الحكومي غموضاً، خصوصاً بعد حديث الحريري عن فترة "صمت حكومي"، علماً انّه لم يسجل اي حراك سياسي متصل بالتأليف خلال الساعات الماضية، فيما اتصل الحريري برئيس الجمهورية وبالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، لتهنئتهما بعيد الميلاد المجيد.
بري
وعلى رغم من جمود حركة الاتصالات والمشاورات، رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري ان يحمّل طرفاً معيناً المسؤولية عن تأخُّر تشكيل الحكومة، مؤكداً انه قدّم كل ما يمكن من تسهيلات لتأليف الحكومة وأنه لم ولن يندم عمّا فعله في هذا الاطار، لافتاً الى انه "كان يجب أن تتشكّل الحكومة قبل عيد الفطر المبارك، ولكن للأسف لم تتألف حتى الآن".
وقال خلال "لقاء الاربعاء" النيابي ان "لا حل إلّا بالدولة المدنية"، مشيراً الى انّ أولى مهمات مجلس النواب بعد تشكيل الحكومة هي الضغط لتنفيذ ما لا يقلّ عن 39 قانوناً لم تنفذ حتى الآن".
الراعي
في غضون ذلك، اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "انّ الجمهورية تتزعزع بسبب أمور كثيرة"، مشيراً الى "انّ الرئيس عون تحدّث عن أعراف جديدة بالدستور في مكان والتطبيق في مكان آخر".
وجدد البطريرك المطالبة بـ"حكومة مصغّرة حيادية من اختصاصيين غير محسوبين على أي فئة، حكومة تعمل على تسهيل أمور الدولة"، داعياً السياسيين "الى الذهاب والتحاور في قصر بعبدا".
وشدد الراعي، خلال اتصال الحريري به، على "ضرورة تأليف الحكومة في أسرع ما يمكن، لأنّ البلد لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات"، متمنياً للرئيس المكلف "النجاح في إتمام هذه المهمة الضرورية لإنقاذ البلد وأهله".
لبنان ينجو من كارثة
أمنياً، نجا لبنان بأعجوبة من كارثة إنسانية كادت أن تصيب ركاب طائرتين مدنيتين في الاجواء اللبنانية، وذلك خلال انتهاك اسرائيل سيادته مجدداً عندما نفّذ طيرانها الحربي غارات على أهداف ومواقع للجيش السوري في ريف دمشق.
وقال ممثل وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغو كوناشينكوف، إنّ "هجوم طائرات سلاح الجو الإسرائيلي نفّذ في لحظة هبوط طائرات مدنية لا تتبع شركات طيران روسية في مطاري بيروت ودمشق".
واطّلَعَ الحريري هاتفياً من وزير الاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس على الحادثة، وكان اتفاق على أن يتقدّم لبنان بشكوى عاجلة الى مجلس الامن ضد اسرائيل لاتخاذ القرار الذي يحمي لبنان ومدنييه.
وأعطى وزير الخارجية جبران باسيل تعليماته إلى مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة أمال مدللي لتقديم شكوى أمام مجلس الأمن "بالخروقات الإسرائيلية الخطيرة التي تهدد الاستقرار في المنطقة، والتي شكّلت خطراً على حركة الطائرات المدنية وكادت أن تتسبّب بكارثة جوية كبيرة".
ودانت وزارة الخارجية الغارات الاسرائيلية، واكدت في بيان "حق سوريا في الدفاع المشروع عن ارضها وسيادتها". ودعت المجتمع الدولي ومجلس الأمن الى "إدانة هذه الغارات واستعمال الطائرات الإسرائيلية الاجواء اللبنانية لشن هجمات على دولة شقيقة، في خرق واضح للقرار 1701".
في هذا الوقت، نقلت "نيوزويك"عن مصدر في وزارة الدفاع الأميركية، أنّ الغارة الإسرائيلية على سوريا، أصابت مسؤولين رفيعي المستوى في "حزب الله" أثناء وجودهم في طائرة متجهة إلى إيران.
وأوضح المصدر انه حصل على المعلومات من قادة إسرائيليين رفيعي المستوى، واضاف أنه "تم استهداف أسلحة إيرانية استراتيجية، تشمل مكونات أنظمة تحديد مواقع (GPS) للأسلحة".
من جهتها، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية انّ الضربة الإسرائيلية استهدفت وفداً رفيع المستوى من مسؤولي "حزب الله" وصل إلى دمشق الثلثاء. امّا موقع "ديبكا" الإسرائيلي فنقل عن مصادر أميركية، أنّ الهجوم الإسرائيلي على مناطق في ريف دمشق نفّذ على موجتين ودام 90 دقيقة. بدوره، ذكر موقع ynet الإسرائيلي، أنّ الطائرات الحربية الإسرائيلية، قامت بغارة على دمشق بعد وصول طائرة نقل عسكرية إيرانية إلى العاصمة السورية.
ولم يعلّق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو على الاتهامات الروسية أو الغارة الإسرائيلية في دمشق، لكنه جدّد تأكيده نية بلاده منع ترسيخ الوجود العسكري الإيراني في سوريا وما يشكله من خطر على بلاده.
وتعهّد نتنياهو، خلال مشاركته في مراسم تخرّج دفعة جديدة من طيّاري القوات الجوية الإسرائيلية، بالتصدي لوجود إيران "بقوة وباستمرار" لاسيما في المرحلة الراهنة.
وأعلنت اسرائيل أمس تدمير نفق جديد على الحدود مع لبنان تمّ حفره من قرية عيتا الشعب وامتد إلى داخل أراضيها. وجددت تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية "حفر الأنفاق وتداعيات هذه النشاطات".
وأكّد الناطق الرسمي باسم "اليونيفيل" أندريا تيننتي، أنّ "اليونيفيل موجودة على الأرض لضمان استتباب الوضع، وهي تعمل مع الأطراف لضمان الاستقرار".