كتب نبيل هيثم في صحيفة "الجمهورية" تحت عنوان " أي إصلاحات في وضع سياسي مأزوم؟": "بين طريقين في آخر أحدهما نافذة إنفراج، وإن كانت ضيّقة، والوصول اليها دونه مطبات وصعوبات وتجاوز عوامل سياسية شديدة التعقيد، واما الطريق الثاني فيقود الى هاوية اقتصادية - مالية - سياسية، اي الى السقوط النهائي، من الطبيعي ان يقع الاختيار على سلوك الطريق الأول.
لبنان، القت به أزمته الاقتصادية والمالية على المفترق بين هذين الطريقين، اي بين السيّئ والأسوأ، وكل مكوناته، بدءًا من الحراك حتى آخر موقع في السلطة، لا تستطيع ان تنكر انّها في حالة إرباك موصوف، لا يملك اي منها خريطة تطبيقية لمجموعة العناوين والشعارات التي تطرحها.
فالحراك، يبدو انّه بلغ مرحلة الدوران حول النفس، وكأنّه انكفأ الى الخلف، ما خلا تحرّكات تذكيرية بأنّه ما زال موجودًا، تقوم بها مجموعات متفرقة بين الحين والآخر، وبزخم خافت، لا يُقارن بحراك الايام الاولى منذ 17 تشرين الاول 2019، والوهج الذي لبسه في تلك الفترة.
اما الحكومة، فليست في وضع افضل، بين السيّئ والاسوأ قرّرت منذ نيلها ثقة المجلس النيابي، ان تتوجّه نحو نافذة الإنفراج، الّا انّ حظها العاثر، صدمها، في مطلع ولاية حكمها، بأزمة سندات "اليوروبوندز"، وأوقعها في حالة الضياع السائدة حاليًا بين خياري إعادة هيكلة او جدولة الديون، او إعلان التخلّف عن الدفع. وخطورة هذا الضياع، انّه يبدو سيكون عنوان المرحلة الحالية المفتوحة على سيناريوهات كارثية، اقلّها الانهيار الاقتصادي والانفجار الاجتماعي، وأخطرها تفكّك النظام الذي أفرزه اتفاق الطائف لصالح "نظام جديد" يُخشى ان يفقد فيه الكيان اللبناني وحدته!
تعوّل الحكومة، على "الفتوى" الذي سيبديها وفد صندوق النقد الدولي حول موضوع سندات "اليوروبوندز"، وتأمل أن تأتي هذه الفتوى بالشكل الذي يؤمّن للحكومة التغطية لأن تخرج من حالة الضياع وتتخذ قرارًا في شأنها يلبي المصلحة اللبنانية قبل كل شيء، ويتيح لها بالتالي الإنتقال الى "المعركة الكبرى" التي سمّتها "مواجهة التحدّيات". والواضح حتى الآن، من اجواء المحادثات التي تجري مع وفد صندوق النقد، انّ التوجّه هو الى تأجيل سداد السندات، إلّا اذا طرأ ما لم يكن في الحسبان، ووجدت الحكومة نفسها امام "فتوى" إلزامية بالدفع!
واضحٌ انّ قضية السندات، مسألة عابرة بسلبياتها او إيجاباتها، الّا انّ السؤال الذي يرتسم امام الحكومة: كيف ستعبر الحكومة في اتجاه خوض معركتها الإصلاحية، في ظلّ الانقسام السياسي حولها، واي إصلاحات ستتمكن من تحقيقها في ظلّ وضع سياسي مأزوم، بدأت نذر توتره تتصاعد اكثر مما كانت عليه في السابق؟ وفي ظلّ محاولات جهات سياسية متعدّدة، امّا لإبقاء النهج القديم المسبّب للأزمة، وامّا تضليلها لكي تدور اكثر فأكثر حول نفسها الى أن تفقد وجهتها، او لدفعها مباشرة في اتجاه سلوك طريق الهاوية؟
بالتأكيد، انّ نجاح اي معركة اصلاحية، يتطلب حداً اعلى من التوافق عليها والشراكة السياسية فيها، ووضعًا سياسيًا ينعم بشيء من الاستقرار، وهو امر لا ينطبق على الوضع السائد حاليًا".