كتبت عزة الحاج حسن في "المدن": انطلاقاً من حل أزمة المحروقات بوضع آلية تفرض على الشركات المستوردة للنفط تسليمه إلى الموزعين والمحطات بالليرة اللبنانية، لتعيد تصريفها إلى دولار أميركي عبر مصرف لبنان، وفق سعر الصرف الرسمي للعملة، وهو السعر المثبت منذ العام 1993 البالغ 1507.5 ليرات للدولار، بات شبه مؤكد أن الآلية المذكورة هي ما سيعلن اعتمادها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يوم الثلاثاء المقبل 1 تشرين الأول، فيما يتعلّق بقطاعات النفط والدواء والقمح.
لم تعد معالجة أزمة البنزين "آنيّة"، بل باتت آلية رسمية، لإدارة أزمة شح الدولار، تُعلن تفاصيلها خلال أيام بحيث من المتوقع أن يعمد المصرف المركزي إلى توفير السيولة بالدولار لاستيراد المحروقات والأدوية والبنزين، وهي القطاعات الثلاث التي تشكل عصب الإستهلاك المحلي، في مقابل رفع اليد عن سوق الدولار الموازي للسوق الرسمي، وإخضاع سعر الصرف في السوق لآليات العرض والطلب.
وإن نجحت السلطات النقدية في لبنان بدعم عملية تمويل استيراد المنتجات الحيوية بالدولار بسعر الصرف الرسمي، فمن يحمي إذاً القطاعات المستوردة الأخرى التي تتكبّد على عمليات تأمين الدولار من الصرافين بأسعار تتزايد بشكل مستمر وصلت مؤخراً إلى 1750 ليرة للدولار؟ ومن يحمي المواطن اللبناني الذي يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية ويسدد ثمن العديد من الخدمات والمشتريات بالدولار؟
ارتفاع الأسعار
من حيث المبدأ، يقدّر خبراء الاقتصاد أن أي زيادة في سعر صرف الدولار سيقابله ارتفاع بالنسبة نفسها في أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة ومن بينها السلع الغذائية، وتراجع في القدرة الشرائية لليرة. وبالتالي للمداخيل المعنونة بالليرة في القطاعين العام والخاص. واستناداً إلى فرضية استقرار سعر الدولار في السوق الموازية للسعر الرسمي، بمحيط سعره الحالي 1750 ليرة للدولار، أي بارتفاع نحو 250 ليرة عن السعر المثبت، تكون نسبة الزيادة 16.5 في المئة وبالتالي سترتفع أسعار العديد من السلع المستوردة بالنسبة المذكورة.
ولن تقتصر ارتفاعات الأسعار على السلع المستوردة وحسب، بل ستشمل العديد من الخدمات والسلع محلية الصنع. وهو ما يحصل في الوقت الراهن، نتيجة استحكام الفوضى في سوق الصرف وكل ما ينتج عنه من تعاملات. وخير دليل هو بطاقات التشريج الخلوية التي تُصنّع في لبنان وتُستخدم في لبنان وعبر الشبكات اللبنانية. وعلى الرغم من كل ذلك فقد طرأت على أسعارها ارتفاعات بسبب فرض شركتي ألفا وتاتش على وكلائهما سداد ثمن نصف البطاقات بالدولار بدل الليرة، بعد أن كانت تتقاضى ثمن كافة البطاقات بالدولار، وهو ما كان يضطر أصحاب المحلات الخليوية إلى الاستحصال على الدولار من الصرافين لشراء البطاقات من الوكلاء.
استغلال التجار
أما عن المواد الاستهلاكية، سواء أكانت مستوردة أم محلية الصنع، فإن غالبية المحال عمدت في المدة الأخيرة إلى بيع منتجاتها مسعرة بالدولار الأميركي تحت ذريعة ارتفاع سعر الدولار. لكن حين بدأت وزارة الاقتصاد والتجارة بتحرير محاضر ضبط للمحال المخالفة، والتي تسعر منتجاتها بالدولار التفّ التجار على إجراءات الوزارة وباتوا يبيعون المنتجات الاستهلاكية بالليرة اللبنانية لكن أغلى بما لا يقل عن نسبة 15 في المئة عن السعر الطبيعي، على قاعدة ارتفاع سعر الدولار. من هنا بات المواطن اللبناني أولى ضحايا ارتفاع سعر الدولار.
القروض المصرفية
وللقروض المصرفية المعنونة بالدولار حديث آخر. فقد ارتفعت تكلفتها من دون شك على المقترضين لاسيما منهم من يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية. وهم العاملون في القطاع العام والغالبية الساحقة من العاملين في القطاع الخاص. إذ بات عليهم الاستحصال على الدولار من الصرافين بسعر السوق (ما لا يقل عن 1650 و1750 ليرة مقابل الدولار) لسداد أقساط قروضهم، في ظل رفض المصارف بشكل تام تحويل الليرة إلى دولار، أو سداد قروض معنونة بالدولار، بالليرة اللبنانية.
وحين نتطرق إلى انخفاض القدرة الشرائية لليرة اللبنانية لا يجب أن تغيب عن بالنا تعويضات نهاية الخدمة التي ستفقد من دون شك نحو 16.5 في المئة من قيمتها، في حال استقرت فوضى تسعير الدولار على ما هي عليه اليوم. لكننا هنا نعني تعويضات القطاع الخاص دون القطاع العام.
فتعويضات نهاية الخدمة في القطاع العام لها خصوصيتها فيما لو دخلنا رسمياً مرحلة السوقين لصرف الدولار، الرسمي والموازي، على غرار الدول المتأزمة مالياً، إذ يحق للمتقاعد من القطاع العام أن يلجأ إلى مصرف لبنان لتحويل تعويضه من الليرة إلى الدولار بحسب سعر الصرف الرسمي. وهو ما لا يحق للمتقاعد من القطاع الخاص أن يفعله.
المصدر: المدن