التبويبات الأساسية

منذ 17 تشرين الأوّل، تسيطر حالة من الذهول والدهشة على الزعماء، الذين لم يعتادوا التفريط بوقتهم الثمين من أجل تبرير قراراتهم وسياساتهم العظيمة لهذا الشعب المسكين الذي جعلوه منشغلٌ بتأمين لقمة العيش على مدار 24 ساعة، تحت شعار "يا ربّ السترة".
فإرباكهم الواضح وتخبطّهم الفاضح منذ ذاك اليوم المجيد، دفعهم الى الابتعاد عن الشاشات والكفّ عن آداء التصاريح البالية بانتظار انتهاء هالـ "كم ساعة" غضب وعودة الأمور الى مجراها الطبيعي.
لكنّ ولسوء حظّهم، مرّت الساعات والأيّام والأسابيع والعواصف والرياح وكلّ الأعاصير الطبيعيّة وغير الطبيعيّة التي تضرعوا عند الخالق لحصولها، من دون ان ينكفئ هذا "الشعب المسكين" عن المطالبة ليس فقط برحيلهم جميعاً بل بمحاسبتهم جميعاً و"كلن يعني كلّن"، وقد تناسى هؤلاء أن فجورهم وجشعهم ووقاحة فسادهم تخطّت كلّ الخطوط الحمراء ولم تترك للبنانييّن مكاناً يقطنون به سوى الشارع.
وكالهرّة التي تُحشَر في الزاوية، كشرّ هؤلاء عن أنيابهم وأطلقوا العنان لألآعيبهم الخبيثة، الرخيصة التي أكل عليها الدهر وشرب، في محاولة يائسة لوقف هدير تيّار الشعب الجارف.
فهكذا وبسحر ساحرٍ، حضر الشارع المقابل بالهتافات والشعارات الطائفية علّه يوقظ حرب الجبهات التي تخطاها الزمن، فأتى الردّ الصاعق السريع من الفرقة الناعمة، فرقة الأمّهات التي دفنت الفتنة في مقبرة جماعيّة عابرة للمناطق والطوائف.
لكن اللعبة لم تنتهِ هنا، فغضب السلطة اشتدّ وكان القرار بالإنقضاض على الثورة مهما كلّف الأمر، لتأتي المشاهد السوداوية التي حاولت الإطباق على الانتفاضة المباركة بألوانها ورمزيّتها وسلميّتها، من طرابلس الى النبطية مروراً ببيروت والضواحي، علّ الشارع يرتعب ويترجّى تدخل أباطرة الحكم لضبط الوضع.
فارتفع عندها منسوب الخطابات التهويلية وعادت السلطة تناجي شبح الفتنة في محاولة لإنقاذها من واقعها المأزوم، وكلّ ذلك يجري على وقع "بروفا" ليليّة مخططة ومدروسة إنّما فاشلةّ.
فاشلةٌ، لأنّ بعد كلّ ليلٍ طويل يطلع فجرٌ جديد، فجرٌ يثبت وعي الناس واستيعابهم السريع لألآعيب حكّامهم. فالشمس شارقة، والناس قاشعة وهي سبق لها أن اختربت أساليبكم المشبوهة والتي لم تعد تنطلي على أطفال المدارس.
بالله عليكم، يكفيكم فبركات ونشر وأكاذيب وبث أحقاد وسموم، لأن كلّ حملات التخوين والتخويف والترهيب سترتدّ عليكم! فقليلٌ من الذكاء والبصيرة والتواضع في التعامل مع الثوّار قد يخرجكم بأقلّ الخسائر الممكنة، ونقول يخرجكم ولا ينقذكم!
فأنتم تعلمون جيّداً بأن الشعب اللبناني عنيدٌ لا يرضخ، وتعلمون أن إرادته صلبة لا تنكسر، فلا الجوع ولا العنف ولا أساليب القوّة بمختلف أشكالها وانواعها ستثنيه عن السير بانتفاضته حتى الرمق الأخير. وإن كنتم تجهلون من تواجهون في الشارع، عودوا إذن الى كتب التاريخ القديمة والجديدة، لأن صفحاتها مليئة ببطولات سطّرها الفلاحين والأحرار بوجه أعظم الطغاة وأكثرهم شرّاً.
وبعد، هل تتصوّرون ان أحداً في هذه الجمهوريّة سيخاف أصابيعكم المرتفعة او صراخكم الفاجر؟ هل تعتقدون حقاً أن أحداً سيصدّق سيناريو المؤمرات العالميّة والكونيّة التي تستهدف شرفكم؟ هل تعتقدون ان أحداً سيحمل سلاحاً لمقاتلة زمرتكم باسم الدين والطائقة والمذهب؟
إذا كان من بينكم من يعتقد بذلك، فاصحوا لأنكم واهمون!
فنحن حرّاس السيادة ومؤسسات الدولة التي تعبثون فيها فساداً، نحن حماة الدستور الذي تخرقون أحكامه وتفصلوها على قياسكم، نحن أهل القانون الذي لا تطبقوه!
لقد آن الأوان لتفهموا بأننا شعبٌ يعشق الحياة وقدرنا سنصنعه بأيدينا! افهموا أننا شعبٌ نتسميت في الدفاع عن حريّتنا وكرامتنا واعلموا أيضاً بأننا لا نيأس! فمن تحملّكم على مدى ثلاثين عاماً لن ينكسر في أيّام و شهور ولا حتى في سنوات!
معركتكم معنا طويلة، فلن ينتصر الباطل على الحق وان استقوى، سنكون بالمرصاد لأيّ لعبة دنيئة من ألآعيبكم... وتحضرّوا لأن نضالنا مستمرّ لآخر نفس!

صورة editor2

editor2