وقعت الفنانة أمال طنب ألبومها "إذا صلينا"، في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم AUCE - البوشرية، برعاية رئيس أساقفة أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر وحضوره إلى جانب الفنان الياس الرحباني، الإعلامية ريما نجم، الأسير المحرر من السجون السورية علي أبو دهن، المختار سعيد متري، رئيس جمعية تجار الدكوانة جوزف شرفان وشخصيات روحية وعسكرية وفنية واجتماعية ومهتمين.
ورحبت الإعلامية زينة منصور بالحضور، ثم ألقى الدكتور غسان قسطنطين كلمة تطرق فيها الى "سياحة الكاتب جان أبي غانم مع يسوع" وجاء فيها: "دكتور جان، لعلك استشعرت رد الآب عندما كتبت "صباح الخير يا ربنا، يا واهب النعم يا حبنا". توقف الكاتب عن الكتابة لأنه قرأ ما لم يستطع قلم أن يكتبه ثم مشى الكاتب في رحلة الألف ميل والتقى بفتاة كلكوتا، الأم تيريزا التي أحبت الرب يسوع وقالت له: "وديني أنا بروح لعند الما حدا لعندن بيروح".
وأضاف: "ثم تابع الكاتب مشواره في برية الأرض ليصلي ذاكرا شرط رب المجد للصلاة، وعند خروجه من البرية غنت روحه لإله الطبيعة "يا ثلوج عانقي الشجر"، ودون أن يحتاج لزيارة بيت لحم قال: "ميلادك في أضلعي"، وكانت له وقفة أمام من نذرت نفسها للرب وصارت أمة له عندما زارها الملاك وقال لها "السلام عليك يا مريم"، لينتهي به الأمر مسبحا "قداسة، قداسة، قداسة".
مطر
وألقى المطران مطر كلمة قال فيها: "أعود لأتفاعل مع عزيزي جان أبي غانم وآمال طنب، بعد انقطاع دام نحو ثلاثين سنة، يوم كان جان تلميذا لي في احدى الجامعات. يسرني أنه يمثل الكلمة وآمال الأغنية. وهذا ما يذكرنا بالرحابنة الأعزاء في مسرحية فخر الدين عندما قال الأمير اللبناني لعطر الليل: "انا السيف وانتي الغنية. اذا انكسر السيف، بتضل الغنية".
وتابع: "السيف ينكسر أو يتحول "من منجل للحصاد" كما يقول النبي، الكلمة لا تنكسر، ولذلك التلاقي بين الكلمة الأغنية هو من ثوابت الحقيقة وثوابت ديننا وثقافتنا وحضارتنا على الدوام". في الكتاب المقدس مكانة كبيرة للشعر وللأغنية وللترانيم. ألم يقل ان الموسيقى هي لغة الملائكة وهم يسبحون الله دون انقطاع في ترانيمهم، هم الذين غنوا في سماء بيت لحم تراتيل المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر".
ورأى أن "للأغنية مكانة كبيرة في تاريخنا الماروني أيضا. ابن القلاعي كان لاهوتيا كبيرا، كتب كل اللاهوت باناشيد، يتعلمه الناس عبر ترنيمها وترتيلها. تعلمنا ديننا نحن كلنا، صغارا وكبارا، عبر الأغنية والقداس المنشود أو الملحن".
وقال: "شعار الزجل عرفوا الكتاب المقدس عبر شعرهم ومنافستهم الطيبة. هذه أمور يجب أن نذكرها على الدوام. نحن روح وجسد. الرب روح، لا جسم له، لكنه تجسد بابن الانسان، علامة على محبته لهذا الجسد. ونحن نستعمل كل حواسنا لمقاربة الله. فنقول ان الله له عين ترى، وهي غير العيون انما نقرضه عيوننا. وله أذن تسمع، نصلي ونقول اسمع يا ربي صلاتنا. له أنف يتنشق رائحة عبير بخورنا فيرتاح، نحن نلامسه ويلامسنا برحمته". إذن، كل حواسنا لها علاقة بديننا وبمقاربتنا للرب: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب"، "طوبى للمتوكلين عليه". كل الحواس مرت في عبادتنا. ولذلك، لجسمنا، لأدائنا، لصوتنا، للحننا، مكانة في قلب الرب لأنه هو الذي أعطانا هذه العطايا كلها. هو خلقنا، وعندما خلق العالم، كان يقول، كل مساء، بعد أن خلق الدنيا بستة أيام، حسب قصة الكتاب المقدس: "وكان يرى الله أن ذلك كان حسن". كل مساء، وكان مساء وصباح يوم واحد، ورأى الله ذلك أنه حسن أي أن الحسن هو مقصد الهي لأنه حسن هو. هو الحسن كله، والجمال كله. وكل مرور، سفرة الى الله عبر الجمال، توصلنا الى جمالاته المقدسة كلها، لذلك نحن نعبد الله الحسن، ونحن نقول ان الخليقة امتداد للخالق وجمالاتها من جمالات الخالق".
وختم: "أيها الأحباء طوبى للذين يتكلمون عن الله باللحن والأغنية والترنيم لأنهم يقربون الله الينا ويقربوننا الى الله. لذلك، قبلنا بفرح أن نقصد هذه العشية، جمعكم الكريم، نعطي بركة الله للذين يعملون عبر الأغنية واللحن والجمال من أجل ثقافة تكون أقرب الى الانسانية. نحن، ثقافة الحرف تقتلنا أو أنها ليست كافية. مقاربة الحقيقة تكون بالكلمات، لكن، أيضا، بالصمت والاصغاء، بالجمال الذي يقربنا من الله بالذات".
وبدورها، رحبت طنب بالحضور وقالت: "إن وجودكم هنا هذا المساء هو تأكيد على أهمية الترنيمة التي هي زنبقة كل الفنون والمدى الذي يجمعنا بالفرح الكامل والرضى فوق كل الفروقات والنزاعات". وشكرت "مشاركتكم الثمينة والغالية التي نمنحني القوة والأمل لمتابعة الفن كرسالة تطال أعمق مشاعر الإنسان وتبلسم الجراح وتذيقنا طعم التحرر من كل الهموم وتؤكد لنا أن السعادة كامنة في قلوبنا، وأن المهم أن نرسل لها الكلمة والنغمة ولمسة الحنان التي من شأنها أن توعي".
وتوجهت الى مطر: "إن مشاركتكم هي مشاركة الراعي والصديق والمعلم. كنت مستمعة لمحاضراتك في إحدى الجامعات على مدى عام، وأرى أنك لا تزال على الرقة ذاتها والعمق الشفاف وجمالية العلم الذي يعانق الدين". وأضافت: "دكتور راني الغصين وصل الى عندنا بواسطة مقالة بعد حضوره ريسيتال Triorient أي رونزا وفاديا وأنا، لم يكتب مثيل لها بالنقد الفني في الغناء. إنه دكتور بالأدب العربي ويشكل نموذجا لما يجب أن يكون عليه أي ناقد فني ".
وعن قسطنطين قالت: "هو معنا في الجامعة منذ البداية ولا يزال يؤكد أنه الموهبة الفريدة كمعلم ومرب وناقد فني"، موجهة الشكر الى عريفة الإحتفال وزوجها جان" الذي يتميز بروحانيته الشفافة والسهل الممتنع وشقيقها سمير طنب صاحب الألحان المبدعة التي تجمع الرقة الى العظمة".
وقال أستاذ الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية راني الغصين: "آل طنب ومن في سمائهم، من عائلات خضر، وأبي غانم والحاج وسواهم في عالم الموسيقى والغناء والأدب واللاهوت والفلسفة وعلم النفس والماورائيات والفكر وشجونه لهم شأن ومنزلة كبيران. وقال بول فرنيل أحد أعمدة الرمزية الفرنسية: "الموسيقى قبل أي شيء آخر" ويقول جبران: "الموسيقى هي لغة النفوس والألحان نسيمات لطيفة تهز أوتار العواطف. هي أنامل رقيقة تطرق باب المشاعر عبدها الكلدانيون والمصرييون واعتقد الفرس والهنود بكونها روح الله بين البش، والموسيقى عند اليونان والرومان كانت إلها مقتدرا وجاء في أساطيرهم أن رنات أوتار أورفيوس حركت قلب الحيوان والنبات".
وأضاف: "من مقام العجم "صباح الخير" باللغة العربية الفصيحة أتت افتتاحية موثقة تشبه انبلاج فجر جديد يعد ينهار جميل ترعاه العناية الإلهية". وأثنى على صياغة أبي غانم للنص وختم: "ما أحوج أيامنا هذه الى نصوص مشابهة تفعل الحس الإنساني عند الناس أجمعين بخاصة من نسي جوهر كيانه ووجوده ورسالته".
وبدوره قال جان أبي غانم: "اعتقدت أني وجدت يسوع في وطى الجوز حين كنت صغيرا ولكن اتضح لي أنه في وجوهكم وفي وجه كل إنسان. جل همي في الكتابة أن أشعر بأني في مصاف المتصوفين إسلاما ومسيحيين، وحين كنت في الجامعة غرت من الحلاج ورابعة العدوية وكنت لدى اعترافي أتلو فعل الندامة الذي كتبته رابعة العدوية: إذا كنت أحبك رغبة بسماك فاحرمني منها أو خوفا من الجحيم غرقني فيها ولكن إذا عشقا بعينيك حبا بك فلا تحرمني الإرتماء بين يديك في حضنك. لقد أراد المطران جورج خضر تعليق صورة رابعة العدوية داخل الكنيسة ولكنها موجودة في كنيسة مار جرجس في برمانا".
وأشار إلى أن "أثناء التعليم أستعين بنصوص ومن بينها نص لمحيي الدين إبن عربي: "لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني الى دينه داني صار قلبي قابلا كل صورة مرعى لغزلان ودير لرهبان وخلوة وجامع، قلبي جامع كل الناس، أدين بدين الحب أنى توجهت ركائزه فالحب ديني وإيماني"، هذا ما يقوله مسلم الحب ديني، وتبين لي أنني لم أصل الى هذه النقطة وأن المسلمين سبقونا بأشواط، ثم وجدت مار فرنسيس ومار منصور ومار شربل، وجميعهم صوفيون ولا يميزون، فالله موجود في كل مكان ".
وتطرق في الختام الى مسيرته نحو الله عبر الإنسان كاشفا أن والدته علمته أن " لديه سبع مليارات أخ وأخت هم المجموع الذي يبلغه عدد البشر".
وشكر الفنان سمير طنب الحاضرين معتبرا حضورهم " تشجيعا وتقديرا لفنه للموسيقى والكلمة واللحن ودليل اهتمام وإيمان، فبث وتوزيع التراتيل هو نوع من الإيمان"، وعبر عن "فخره بالعمل الذي استغرق سنوات عديدة والذي اشترك في تحضيره مع أمال طنب وجان أبي غانم وأن ترتيلة "صباح الخير" هي أول لحن من إبداعه"، منوها "بالانسجام مع أبي غانم ومعتبرا ان "التعاون الذي ساد أثناء التحضير هو مفتاح نجاح الألبوم وان تلحين التراتيل هو أسمى أنواع التلحين الذي يجمع بين الصلاة والتأمل والرومانسية"، مشيرا الى أن "إنجاز العمل أعطاه السعادة ".
وتخلل الحفل كويتل وتوقيع ترانيم من الألبوم أنشدتها الفنانة طنب.
إشارة الى أن ألبوم "إذا صلينا" يضم مجموعة من الترانيم كتبها زوج آمال طنب جان أبي غانم ولحنها شقيقها سمير طنب، وهو من إنتاج "جمعية الثقافة والفنون".