لم تكن مقابلة "بلومبرغ" مع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عادية، فالأخير قدم رؤاه الاقتصادية وتحدث بصراحة وعفوية كبيرتين، فكشف الى جانب خططه الاقتصادية، جوانب من حياته الشخصية.
المقابلة أجراها رئيس تحرير "بلومبرغ" جان ميكلثويت وخمسة صحافيين على مرحلتين، الأولى استغرقت ٥ ساعات والثانية ثماني.
وبدت الامور أشبه بمكاشفة وتحدث الأمير عن بداياته وخلافه مع عمه الملك الراحل عبد الله ومن ثم المصالحة معه، ووجه انتقادات واضحة للبيروقراطية وطرق ادارة العمل والاشراف على صفقات السلاح في وزارة الدفاع، وفصّل خططه لتخليص الاقتصاد من كابوس الاعتماد على النفط، وتوجه الى الطبقة الميسورة جداً من السعوديين بأن عبء اي ضرائب جديدة سيكون من نصيبها كقلة وليس من نصيب الشعب ككثرة.
وأعطى رأيه صراحة بأنه سيعمل على منح المرأة حق القيادة ولو تطلب الأمر وقتاً.
الوصول الى الامير في المرة الاولى كان عبر قافلة نحو التجمع الملكي في عرقة وهو عبارة عن سلسلة من القصور محاطة بجدران بيضاء عالية حيث يعيش الملك وأقاربه بمن فيهم الأمير محمد. وكان على الفريق الصحافي تخطي العديد من حواجز التفتيش والحراس، وأجهزة اكتشاف المعادن قبل لقائه.
ارتدى الأمير ثوبا أبيض ولم يضع الشماغ على رأسه، وأوحى هذا المظهر بابتعاد الأمير عن الرسميات.
وفق الفريق الصحافي، ظهرت المقابلة طويلة وشاقة باستماعه إلى الاسئلة الموجهة باللغة الإنجليزية ومن ثم الإجابة عليها بشكل مفصل باللغة العربية وقام الأمير بتصحيح ما يقوله مترجمه الشخصي مرات عدة.
بعد مرور وقت على المقابلة وفي الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل حان وقت العشاء. وانضم الفريق الاقتصادي للأمير إلى الصحافيين، بمن فيهم رئيس مجلس إدارة شركة "أرامكو" ورئيس الرقابة المالية ورئيس صندوق الثروة السيادية. وخلال تناول الطعام، طلب الأمير من محمد آل الشيخ، خريج جامعة هارفارد ومستشاره المالي، تقديم معلومات عن الوضع المالي للمملكة العربية السعودية.
"لا تقفل التسجيل"
وقال الأخير انه خلال الطفرة النفطية التي حدثت بين عامي 2010-2014، وصل الإنفاق السعودي إلى درجة خيالية. والمتطلبات التي كانت تحتم على الملك الموافقة على جميع العقود التي تتجاوز قيمتها 100 مليون ريال اي نحو 26 مليون دولار أصبحت أكثر مرونة لتصل أولاً إلى 200 مليون دولار ثم إلى 300 مليون دولار ثم إلى 500 مليون دولار، وبعد ذلك، يقول الشيخ، علقت الحكومة القانون بالكامل.
وهنا سأل صحافي: كم كان يضيع؟
حدق آل الشيخ بعينيه الى الطاولة قبل أن يقول "هل يمكنني إيقاف هذا (المسجل)؟".
فتدخل الأمير: "لا، يمكنك أن تتحدث علنا".
فقال آل شيخ: "أرجح أنه قد كان هناك إنفاق غير فعال يقدر بمبلغ يتراوح بين 80 إلى 100 مليار دولار سنوياً، ما يعادل ربع ميزانية السعودية بالكامل".
ليتدخل الأمير محمد ويسأل: "ما مدى قرب السعودية من التعرض إلى أزمة مالية؟"
فأجاب آل شيخ بأن الحال اليوم أفضل بكثير مضيفاً "لو سألتني السؤال عينه قبل سنة واحدة من الآن، لربما أوشكت حينها على التعرض إلى انهيار عصبي". ثم روى قصةً لم يسمع عنها أحد من قبل من خارج المملكة: "في الربيع الماضي، عندما توقع صندوق النقد الدولي وغيره إن تساعد الاحتياطات السعودية في إنقاذ البلاد لمدة خمس سنوات على الأقل من انخفاض أسعار النفط. اكتشف فريق الأمير بأن المملكة ستصبح وبسرعة في حالة تعثر. ولو بقي وضع الإنفاق عند مستويات شهر ابريل من العام الماضي لتعرضت المملكة "للافلاس" خلال عامين فقط، في أوائل عام 2017". واضاف آل الشيخ أنه "من اجل تجنب الكارثة، قام الأمير بتقليل الميزانية بنسبة 25 في المئة، وأعاد تطبيق ضوابط الإنفاق الصارمة واللجوء إلى أسواق الدين، وبدأ في تطوير ضريبة القيمة المضافة وغيرها. ما أدى الى التقليل من معدل استنزاف احتياطات السعودية النقدية الذي وصل إلى 30 مليار دولار أميركي في الشهر خلال النصف الأول من عام 2015.
المقابلة ثانية اجرتها "بلومبرغ" في الرابع عشر من الشهر الجاري، وكانت في مزرعة الملك سلمان في الدرعية، على مشارف الرياض.
وقد رافقت سيارات من الشرطة قافلة من سيارات المرسيدس، ومن ثم جرى اصطحاب الصحافيين عبر ممر ضيق ممتد على طول جدار مرتفع كأنه حصن لقلعة موجودة في الصحراء. وفي هذا المكان توجد مكاتب الملك سلمان وابنائه، وهو يقع على قمة تلة صغيرة في قلب أراضي عائلة آل سعود المالكة.
جيل التكنولوجيا
هذه المرة قام الأمير بالحديث عن نفسه وعن نشأته، حيث قال بأنه قد استفاد خلال نشأته من التكنولوجيا والعائلة المالكة. فقد كان جيله هو أول جيل يستخدم شبكة الإنترنت وأول من لعب ألعاب الفيديو وأول من يحصل على معلوماته عبر الشاشات، ويقول "نحن نفكر بطريقة مختلفة جداً وأحلامنا كذلك مختلفة".
ويرى الأمير محمد نسختين محتملتين لنفسه: في احداها يسعى إلى تحقيق رؤيته الخاصة، أما في الاخرى فيسعى إلى التكيّف مع محيطه كما هو، وعلق الأمير على ذلك بقوله: "هناك فرق كبير بين الإثنين حيث يستطيع الأول أن يوجد شركة أبل، والثاني يستطيع أن يكون موظفاً ناجحاً. لقد كنت أمتلك خلال نشأتي وسائل أكثر بكثير من تلك التي توافرت لستيف جوبس أو زوكبيرغ أو بيل غيتس. فقط لو أنني اتبعتُ طرقهم في العمل فما الذي بإمكاني أن أصنعه؟ لقد كان كل ذلك يدور في ذهني عندما كنت صغيراً في السن ".
تقسيم الوقت
يقسم الأمير وقته بين قصور والده ووزارة الدفاع، إذ يعمل منذ الصباح حتى بعد منتصف الليل في معظم الأيام. وتقول حاشيته بأن علاقته مع ولي العهد الأمير محمد بن نايف جيدة، إذ يملكان مخيمات ملكية مجاورة. يقوم الأمير محمد بعقد اجتماعات متكررة مع الملك ويقضي جلسات طويلة مع المستشارين والمساعدين وهم مثابرون على البيانات الاقتصادية والنفطية ويستضيف الشخصيات الأجنبية والدبلوماسيين.
زوجة واحدة
يقوم أطفال الأمير بإيقاظه من النوم في أغلب الأيام، صبيان وفتاتان، تتراوح أعمارهم بين السنة والست سنوات. ويقول الأمير "تغضب زوجتي عليّ بعض الأحيان لأنني وضعت الكثير من الضغوط عليها بسبب البرامج التي أود أن يحصلوا عليها. أنا أعتمد بشكل أساسي على والدتهم في تربيتهم".
وذكر الأمير بأنه متزوج من امرأة واحدة فقط ولا يخطط للزواج مرة أخرى. وهو يرى ان جيله ليس مهتماً بتعدد الزوجات، فالحياة مليئة بالمشاغل. وفي رأيه، "ان العيش مع عائلة واحدة شاق بما فيه الكفاية".